“أنتم لا تملكون إلا بيوتكم، عدا ذلك فهذه الأراضي لي، اقطفوا محصولكم للمرة الأخيرة”.
هذا ما قاله القيادي في “حزب الله” اللبناني حسن دقو لأهالي بعض البلدات على الشريط الحدودي بين سوريا ولبنان، في منطقة القلمون الغربي بريف دمشق الشمالي الغربي، مثل عسال الورد السورية وبلدة الطفيل اللبنانية المقابلة، وطلب من أصحاب الأراضي هناك قطاف محاصيلهم الزراعية للمرة الأخيرة قبل الاستيلاء على أراضيهم، وفقًا لما قاله أحد أهالي بلدة عسال الورد لعنب بلدي.
وجُرفت الأراضي التي استولى عليها حسن دقو أمام أعين أهالي بلدة عسال الورد، التي كانت تُسهم بشكل أساسي من خلال محاصيلها من الكرز والزيتون في سد حاجتهم المادية طوال 100 عام، بحسب ما ذكره الشاب (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، الذي حُرم من رؤية حارات البلدة بسبب نزوحه منها في 2014 إلى لبنان حتى الآن.
وتقع عسال الورد على هضبة بارتفاع 1850 مترًا فوق سطح البحر، وتبعد عن العاصمة دمشق 55 كيلومترًا، على سفوح سلسلة الجبال السورية الغربية، وتشرف على إطلالات بعيدة وذات طبيعة باردة، تغطي الثلوج جبالها المحيطة لفترة طويلة من أوقات السنة، ويبلغ عدد سكانها حوالي 15 ألف نسمة، وفق “أطلس المعلومات الجغرافي السوري“.
ما سبب الاستيلاء؟
ولا يمكن أن يؤكد الشاب (29 عامًا) ما إذا كان السبب المباشر لاستيلاء القيادي حسن دقو على بعض الأراضي في عسال الورد بدافع إنشاء قواعد أمنية تابعة لـ”حزب الله” اللبناني داخل الأراضي السورية الملاصقة للحدود مع لبنان، إلا أن بلدة الطفيل اللبنانية صارت بأكملها ملكًا لدقو، بينما ينوي الاستيلاء على بعض الأراضي المحددة في بلدة عسال الورد “بحماية من حزب الله وعناصر من الفرقة الرابعة” بحسب تعبير الشاب.
وتمتد المنطقة المنوي الاستيلاء عليها، بحسب تقرير لموقع “The Syria Report”، على مساحة 600 هكتار، من الأراضي المشجرة بالكرز والدراق والتفاح، المتداخلة بين البلدين.
والجزء الأكبر من تلك الأراضي يقع في الجانب السوري ويتبع لبلدات عسال الورد ورنكوس، بحسب ما ذكره التقرير، ورغم أن بلدة طفيل تتبع إداريًا لمحافظة بعلبك- الهرمل غربي لبنان، لا يمكن الوصول إليها برًا بسهولة إلا عن طريق الجانب السوري، في حين يصعب الوصول إليها من لبنان.
وتعتبر الطفيل بلدة نائية، تقع بعمق السلسلة الشرقية للبنان وتتداخل فيها الأراضي السورية، مساحتها 52 كيلومترًا مربعًا، وعلى بعد 57 كيلومترًا من مدينة دمشق.
وينتشر “حزب الله” منذ 2014 على جانبي الحدود السورية- اللبنانية في منطقة القلمون الغربي، وتنتشر معه في الجانب السوري قوات من “الفرقة الرابعة” التي يقودها اللواء ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وادعى القيادي حسن دقو، الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والسورية، بأنه اشترى تلك الأراضي في بلدة عسال الورد، “كي يتم إنشاء مصانع وتشغيل شباب البلدة” وفق ما ذكره الشاب، وفي كل مرة ينوي الاستيلاء على أرض ما، تتغير الحجة، دون أن يعتمد على سبب واضح، بينما لا توجد أي إشارة إلى علاقة “حزب الله” في حديث حسن دقو مع الأهالي.
ويعتبر دقو أن الأراضي في بلدة الطفيل كانت مرهونة لمصرف لبنان المركزي، وأنه دفع 350 مليون دولار للمصرف لفك الرهن وشراء الأراضي في بلدة الطفيل، وفق ما جاء في تقرير “The Syria Report”، مع نفي المصرف لذلك.
لكن وبحسب ما يعتقده أهالي البلدتين، وفق الشاب من أهالي عسال الورد، فإن دقو يهدف أساسًا إلى “خداع السكان وإخفاء حقيقة هذا الاستيلاء”.
مطالب بحل المشكلة
وقبل أسابيع قليلة، تطور موقف الأهالي من القضية إلى أن وصلت لـ”اشتباك مسلح بين عائلة خلّوف من أهالي بلدة عسال الورد مع حسن دقو، وذلك لاسترجاع أراضيهم”، بحسب ما ذكره الشاب، ولكن لم تفضِ إلى أي حل بين الطرفين.
المطالبة من قبل الأهالي بحل القضية واسترداد أراضيهم الزراعية امتدت عبر فضاء التواصل الاجتماعي، فمن خلال المنشورات في “فيس بوك“، تكررت مطالب أهالي بلدة عسال الورد بـ”توحيد شباب البلدة ليقفوا ضد المأساة” التي تحدث بموافقة قوات “الفرقة الرابعة”، للاستيلاء على “أكثر من 50 ألف دونم من الأراضي الزراعية ضمن الحدود السورية، لأجل العمل على مشروع تجريف الأشجار”.
ومن بين الأسباب التي يتخذها حسن دقو للاستيلاء على الأراضي أنها “أملاك دولة، ولا توجد وثائق تثبت ملكية الأهالي لهذه الأراضي”، وفق ما قاله الشاب.
وفي جميع الأحوال لا يجوز الاستيلاء على الملكية الزراعية العامة للدولة، بموجب قانون “الإصلاح الزراعي” السوري رقم “161” لعام 1958، كما لا يجوز التصرف بأي أرض زراعية إلا لحاملي الجنسية السورية.
كما يجوز بموجب المادة “19” من القانون نفسه تشكيل لجنة قضائية تختص بالقضايا والمنازعات الحقوقية المتعلقة بملكية الأراضي الزراعية وبتحديد الملكية وتوزيع الأراضي المستولى عليها والتحقيق في البيانات العقارية.
وتختص هذه اللجان العقارية أيضًا بالمنازعات الواقعة على الأملاك العامة المستثمرة زراعيًا، أو التي يمكن استثمارها أو أراضي أملاك الدولة الزراعية، سواء كانت مسجلة أم غير مسجلة.
لكن وضع هذا القانون حدًا أقصى للملكية الزراعية للفرد، ومنح الحكومة الحق بالاستيلاء على المساحات الزائدة على الحد المسموح به، مقابل تعويض زهيد يحسب على أساس عشرة أمثال متوسط بدل إيجار الأرض لدورة زراعية لا تتجاوز ثلاث سنوات، وهذا ما يتعارض مع الدستور السوري لعام 2012 الذي نص في المادة “15” على أن الملكية الخاصة لا تنتزع إلا بمقابل تعويض عادل.
ووفقًا لما سرده الشاب من معاناة أهالي بلدة عسال الورد، فإن المشكلة لا تزال قائمة حتى لحظة كتابة هذا التقرير، على الرغم من شكوى الأهالي لمسؤولين في بلدية المنطقة.
–