تحركات للتحالف الدولي في مناطق التوتر شمال شرقي سوريا.. هل تفضي إلى حلول؟

  • 2020/10/18
  • 10:00 ص

اجتماع أبناء القبائل والعشائر العربية في محافظة دير الزور شمال شرقي سوريا لمطالبة التحالف الدولي بتنفيذ مطالبهم- 4 من أيلول 2020 (دير الزور 24)

عنب بلدي – صالح ملص

في 13 من تشرين الأول الحالي، أشرفت هيئة الصحة في “مجلس دير الزور المدني” التابع لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، على بدء تنفيذ مشروع إعادة تأهيل مستشفى “أبو حمام” في بلدة أبو حمام ضمن منطقة الشعيطات بريف دير الزور الشرقي.

جاء هذا المشروع بعد يوم واحد على وضع حجر أساس مشروع إعادة تأهيل مستشفى “هجين” في مدينة هجين شرقي المحافظة.

المشاريع الخدمية المتسارعة في أقل من أسبوع تندرج تحت “برنامج إعادة الإعمار” بإشراف رسمي من التحالف الدولي وممثلين عن وزارة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى قياديين مدنيين وسياسيين وعسكريين من إدرة المنطقة، ووجهاء من عشائر دير الزور.

وفي آب الماضي، طالب قادة عشائر عربية القوات العسكرية الأمريكية في المنطقة بالعمل على تنفيذ وعودها بتحسين الوضع العام التي تعيشه دير الزور، أمنيًا واقتصاديًا وخدميًا، وسط تصاعد الاحتجاجات الرافضة لسياسة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في كامل المنطقة الشرقية.

واجتمعت عشيرة “العكيدات” مع ضباط التحالف الدولي، في مطلع أيلول الماضي، للتركيز على مطلب تسليم إدارة المناطق العربية شرقي سوريا إلى سكانها، وسبق ذلك تشكيل عشائر مكتبًا لمتابعة تنفيذ التحالف طلباتها، وضمّ المكتب 13 عضوًا ممثلين عن عشائر قبيلة “العكيدات”مع بقية العشائر العربية في المنطقة، برئاسة إبراهيم خليل الهفل، شيخ القبيلة.

التطورات التي تشهدها المنطقة من مطالب جدية لتشكيل إدارة محلية عربية سياسية، وتنفيذ المشاريع الخدمية من قبل التحالف الدولي، تأتي بعد توتر بين “قسد” وأهالي المنطقة، عقب عدة اغتيالات طالت شيوخ عشائر، كان أبرزها اغتيال شيخ عشيرة “البكارة”، علي الويس، وشيخ عشيرة “العكيدات”، مطشر الهفل، برصاص مجهولين.

وأدى هذا التوتر الأمني إلى مظاهرات تندد باغتيال شيوخ العشائر، والفلتان الأمني في المحافظة، ولم تهدأ هذه الاحتجاجات منذ الإعلان عن تشكيل “الإدارة الذاتية”، في أيلول 2018، المسيطرة على شمال شرقي سوريا، والمدعومة أمريكيًا، في مدينة عين عيسى بريف مدينة الرقة، بل كانت تتجدد المظاهرات ضدها بين حين وآخر في عدة مدن شرقي سوريا.

حلول لتعزيز وجود “الإدارة الذاتية” كجسم سياسي مستقل

تملك الإدارة الأمريكية سياسة ثابتة في المنطقة الشرقية السورية في المدى المنظور على الأقل إلى حين حدوث تغيير سياسي للمشهد السوري العام، وفق ما يعتقده الباحث والمحلل السياسي السوري ماجد العلوش في حديثه مع عنب بلدي.

والسياسة الأمريكية تفرق بين “الإدارة الذاتية” وبين “قسد” وتفرعاتها العسكرية، باعتبار الأخيرة أداة متوفرة في الوقت الحالي للحفاظ على أمن “الإدارة الذاتية”، وفق ما يراه المحلل السياسي العلوش.

وتعاني “قسد” من مشاكل عديدة لها أسبابها، من ضمنها تعاملها مع أبناء المنطقة وفق مرجعياتها الفكرية الخاصة والبعيدة عن ثقافة المنطقة، وقادة التحالف الدولي يحاولون إيجاد حلول تسمح بالحفاظ على وجود “الإدارة الذاتية” بغض النظر عن القوة التي تملكها، ومن هنا تأتي التنمية الخدمية في المنطقة، من خلال المشاريع السابقة والمقبلة، وفق العلوش.

وتعتبر هذه المشاريع الخدمية حلًا مقترحًا من قبل ضباط التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يساعد على الاستقرار الأمني، كما تعد تعزيزًا لـ”الإدارة الذاتية” باعتبارها الهيكل الإداري والأمني ولاحقًا السياسي في المنطقة، وفق ما قاله العلوش.

ولا يوجد في تصوّر السياسة الأمريكية أن “قسد” و”الإدارة الذاتية” هما جسم واحد، إذ إن كلتا الجهتين لها مهام مختلفة عن الأخرى، ضمن فترات زمنية مختلفة.

وأكد تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، صدر في 31 من آذار الماضي، ذلك التصور، لأن أغلبية العشائر العربية لديها آراء سلبية مرتبطة بـ”قسد” والمؤسسات المدنية المرتبطة بها.

وبسبب تلك الآراء السلبية، تعمل وزارة الدفاع الأمريكية على تقليص دور قوات “قسد” في المنطقة، وتوجيهها نحو القتال ضد تنظيم “الدولة”، الذي لا يزال يحافظ على “مستوى منخفض” من عملياته داخل المنطقة الشرقية في سوريا، وقدرته على اتخاذ إجراءات دفاعية محدودة من حيث النطاق والمدة وعدد المقاتلين، وفق ما ذكره التقرير.

ولدى الإدارة الأمريكية تخوف من قدرة تنظيم “الدولة” على إعادة تشكيل نفسه في البادية السورية في وقت قصير، بحسب التقرير، “بما يتجاوز القدرات الحالية للولايات المتحدة لتحييده دون وجود أرضية تشارك في ذلك”.

كما تتخوف وزارة الدفاع الأمريكية من تطور التوترات الأمنية وفشل إدارة المنطقة الشرقية بسبب الخلافات الثقافية والقومية، وهي نفس الظروف التي سمحت بظهور تنظيم “الدولة”، وتكرارها يعطي مجالًا للظهور مجددًا.

مشاريع لاسترضاء أهالي المنطقة

تتألف “الإدارة الذاتية” من عدة مجالس مدنية تشرف على تنفيذ خطط “الإدارة” في مناطق سيطرتها، ويعد “مجلس دير الزور المدني” من أكثر المجالس التي تعرضت للانتقاد من قبل السكان، كما طالته اتهامات بالفساد.

ويضم المجلس 14 لجنة، وهي المرأة، والعدالة، والصلح، والشباب، والرياضة، والمنظمات والشؤون الإنسانية، والخدمات والبلديات، والتربية والتعليم، والآثار والثقافة، والزراعة والثروة الحيوانية، والمالية، والأمن الداخلي، والحماية، وعوائل الشهداء، ولجنة التنظيم.

وشكّل وجهاء وشيوخ عشائر “مجلس دير الزور المدني”، برعاية مجلس المحافظة العسكري و”قسد” في أيلول 2017 ، بعد اجتماع أُقيم في قرية أبو خشب شمال غربي المحافظة.

وتهدف المشاريع الخدمية التي تتزايد في المنطقة الشرقية بشكل متفاوت إلى تحقيق “الأمن المحلي”، وتهدئة غضب العشائر العربية، لقطع الطريق على تنظيم “الدولة” للعودة إلى هناك، وعدم تشجيع أبناء المنطقة على خلق “بيئة حاضنة للتنظيم”، برأي الباحث السوري في مركز “جسور” للدراسات أنس شواخ، في حديثه مع عنب بلدي.

و”برنامج إعادة الإعمار” الذي تشرف عليه وزارة الخارجية الأمريكية يكون منظمًا بحسب المشاريع في كل مرحلة منه، فأول مشروع كان تحت اسم مشروع “فرات” ثم “وئام” ثم “إنجاز”، وحاليًا جميع المشاريع الخدمية تكون تحت اسم “الخدمات الأساسية”.

وتبنى التحالف الدولي هذه المشاريع الخدمية بعد إطلاق المبادرات المحلية من قبل أبناء المنطقة الشرقية، الذين غالبًا ما يكونون رافضين للوضع المعيشي والأمني، وهذه المبادرات تكون فعالة بسبب فرضها نوعًا من تجاوب التحالف الدولي، السلطة الفعلية في المنطقة، مع مطالب الأهالي، بحسب ما ذكره الباحث شواخ.

وتركزت هجمات تنظيم “الدولة” والعمليات التي تبناها في محافظة دير الزور ومحيطها، بحسب ما أفادت به غرفة العمليات المشتركة الخاصة بعملية “العزم الصلب” العسكرية ضد التنظيم في 2018.

اللقاءات المتكررة خلال الفترة الماضية بين رئيس “مجلس دير الزور المدني”، غسان اليوسف، ومستشار التحالف الدولي، السفير الأمريكي وليام روباك، ومساعدته، إيميلي برانديت، من أبرز المؤشرات على جدية التحالف في تغيير شكل التعامل مع المكوّن العربي شمال شرقي سوريا .

المبادرات الجدية من قبل أبناء دير الزور وقادة التحالف الدولي لتغيير الوضع الأمني والخدمي في المنطقة تبقى رهن وجود آليات لفرض الأمن والاستقرار، وعدم تدخل عسكري لأي جهة خارجية إقليمية هناك، بالإضافة إلى تغيير كيفية إدارة شمال شرقي سوريا بآليات تتوافق مع الثقافة الجامعة لطبيعة المجتمع في المنطقة.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا