منذ مطلع تشرين الأول الحالي، أُبلغ عشرات المدرّسين السوريين المتطوعين في جميع ولايات تركيا بقرار فصلهم وإنهاء عقودهم الموقعة مع وزارة التربية التركية، ومنظمة “الأمم المتحدة للطفولة” (يونيسف)، وفوجئوا باستغناء التربية التركية عن خدماتهم دون سابق إنذار، ودون أسباب واضحة.
المدرّس السوري أحمد أحمد، كان يعمل في مدرسة ابتدائية بولاية كلس جنوبي تركيا، منذ تعيينه عام 2012 دون بدل مادي، ثم في عام 2014 وبعد التنسيق بين “يونيسف” والتربية التركية، بدأ أحمد يتلقى أجرًا كبدل تطوع من المنظمة، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وكانت “يونيسف” وقّعت عقدًا مع الحكومة التركية يقضي بدفع أجور المدرّسين السوريين في تركيا، إذ يحصل المدرّس السوري على 2020 ليرة تركية شهريًا، وهو الحد الأدنى للأجور.
قرارات مفاجئة دون توضيحات
قال المدرّس أحمد، إنه تفاجأ بقرار فصله في 7 من تشرين الأول الحالي، من دون ذكر أي سبب، إذ أبلغه مدير مدرسته بالقرار، وأخبره أنه لا يعلم سبب الفصل بدوره، وتفاجأ كحال أحمد، وأن لا علاقة له بالقرار.
ولم يكن لأحمد أي مخالفات لبنود العقد الأخلاقي مع المنظمة، كما قال، وكانت علاقته مع زملائه المدرسين والمدير جيدة، وقدم الأوراق التي طُلبت منه كافة، ومنها شهادة جامعية وشهادة مستوى “B1” للغة التركية، من مركز معترف ونظامي.
طلب أحمد الاطلاع على نسخة من قرار فصله من مديرية التربية في كلس، لكنه لم يحظَ بذلك، وقوبل طلبه بالرفض، وعندما سألهم عن السبب، برروا بأن هذا القرار جاء من وزارة التربية في أنقرة، ولم يتضمن القرار سبب فصله بحسب قوله.
60 مدرسًا في عشرة أيام
عضو “رابطة المعلمين السوريين في تركيا”، وعضو فريق “دعم التربية والتعليم في تركيا”، المدرّس خالد المحمد، أطلع عنب بلدي على الإحصائية التي توصلت إليها الرابطة، واستطاعت إحصاء حوالي 60 مدرّسًا فُصلوا خلال عشرة أيام ماضية، وسيستمر هذا الفصل في الأيام المقبلة.
وقال خالد المحمد، إن فصل المدرسين لم يكن قائمًا على أسباب معينة، ويُبلغ المدرس بطريقة شفهية، وعندما يلح بطلب مبرر للفصل، يُقال له إن الفصل من المديرية وليس من المدرسة.
وتواصلت “رابطة المعلمين السوريين في تركيا”، وبعض المنظمات والناشطين، بشكل شخصي وليس رسميًا مع التربية التركية، وكانت الإجابات عن سبب الفصل أنه عائد لأمور أمنية، دون التطرق لأي تفاصيل أخرى، بحسب ما أوضحه عضو الرابطة خالد المحمد.
ونفى أن يكون السبب الأساسي نقصًا بالأوراق والشهادات، أو الغياب غير المبرر، أو مشاكل أمنية وسلوكية، بحسب الأساتذة الذين رصدت الرابطة حالات فصلهم بشكل مباشر، أي إن الفصل كان بطريقة غريبة وغير مفهومة.
وبناء على اتفاق جماعي بين المعلمين ومجموعة من الناشطين، ستُقدم شكوى للتربية مباشرة، بسبب رفض مديري المدارس تسلّم الشكاوى، بحجة أن قرارات الفصل لم تصدر منهم، ثم انتظار الرد من الجهات المعنية، ورُفعت قائمة بأسماء الأساتذة المفصولين لـ”يونيسف” ووزارة التربية التركية، لإعادة النظر بوضعهم.
المدرّس السوري المهتم بشؤون اللاجئين السوريين والعرب في تركيا أحمد جميل نبهان، قال لعنب بلدي، إن تعيين المدرسين من الأصل لم يستند إلى أسس ومعايير ثابتة، فصفة “التطوع” تتيح الاستغناء عنهم في أي وقت، ومن الطبيعي أن يكون الفصل كذلك.
وأضاف أن الأسباب مبهمة حتى الآن، ولكن يعتقد نبهان أن السبب الرئيس هو تخفيف العدد الفائض عن حاجة المدارس التركية، بالإضافة إلى انتقال تبعية المعلمين من “يونيسف” إلى مكتب مشروع “PIKTES” التركي.
ومشروع “PIKTES”، هو مشروع تعليمي أطلقته وزارة التعليم التركية، يستهدف الطلاب المقيمين تحت الحماية المؤقتة، بهدف الإسهام في حصولهم على التعليم في تركيا، وتغطى ميزانيته من قبل الاتحاد الأوروبي.
وأوضح نبهان أن أي خطوة سيتخذها المعلمون المفصولون، لن تعود بفائدة إلا إذا جرت بشكل جماعي، وبرأيه يجب عليهم مراجعة “يونيسف” أو مقابلة وزير التربية شخصيًا.
وأضاف أن هذا لا يعني عدم التزام المدرسين بالقوانين، إذ أكد ضرورة التزامهم بشروط العقد التطوعي الذي وقعوه مع “يونيسف”، كي لا يتعرضوا للفصل.
هل يمكن رفع دعوى؟
المحامي بسام فوال المتخصص بالاستشارات القانونية في تركيا، قال لعنب بلدي، إن العقد الذي بين المدرس والجهة الأخرى تطوعي، وكونه كذلك لا يحق له رفع دعوى قانونيًا، فبأي وقت يمكن للمنظمة أو الإدارة إبلاغه الاستغناء عن خدماته، ولا يشترط وجود سبب لذلك.
ويحق لهم التحفظ على قرار الفصل، وعدم إطلاع المفصول عليه، فهو قرار إداري داخل الهيئة أو المنظمة، ونفى المحامي اتخاذ القرار بمفردها دون العودة إلى “يونيسف” التي يجب خروج هذا القرار حصرًا منها.
ويعاني المدرّسون السوريون في تركيا من غياب حقوقهم الوظيفية، باعتبارهم متطوعين غير موظفين، ولا يخضعون للنظام الوظيفي الذي يخضع له المعلمون الأتراك.
وقال المدرّس أحمد نبهان، في حديث سابق لعنب بلدي، إن المطلب الأساسي الذي يحل كل مشاكل المدرسين السوريين في تركيا هو إلغاء صفة “متطوع”، التي تحرم المدرّس السوري من كل حقوقه.
ووصل عدد المعلّمين السوريين “المتطوعين” في تركيا، في آب من عام 2017، إلى أكثر من 13 ألف معلّم ومعلّمة، وأعلنت وزارة التربية التركية حينها عن اكتفائها بهذا العدد.
–