حوار: أسامة آغي
لعبت المرأة السورية دورًا كبيرًا في الثورة السورية منذ اندلاعها في عام 2011، وفي شتى المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والطبية، كما نشأت حركات نسوية سورية تدعو إلى حق الوصول العادل إلى كل الفرص المتاحة لكل أفراد المجتمع.
ويفتح الحديث عن النسوية السياسية الباب أمام رؤى واجتهادات مختلفة حول هذا المفهوم، الذي يشمل كل بنى المجتمع وبنى الدولة، وبالتالي يبدو أن مراجعة عميقة للبنى السياسية والدستورية هو ما تحتاج إليه هذه الانعطافة في الرؤية والواقع.
عنب بلدي حاورت مريم جلبي، ممثلة “الائتلاف الوطني السوري” في الأمم المتحدة، للحديث حول النسوية وتعميق الوعي الديمقراطي لدى جمهور النساء.
دستور ومساواة
تختلف أهداف الحركات النسوية بين مجتمع وآخر، وكذلك آليات عملها وهوامش تحركاتها والصعوبات التي تواجهها.
وقالت مريم جلبي، وهي من المؤسِّسات للحركة السياسية النسوية السورية، إنه لا يوجد تعريف واحد للنسوية بل هناك تعاريف متعددة ومركبة، خاصة أن النسوية فكر يعتمد على أن كل فرد في المجتمع يملك حق الوصول بشكل متساوٍ وعادل إلى كل الفرص المتاحة، في كل المجالات باحترام، ودون تمييز على أي أساس.
وأضافت، “عندما أتحدث عن النسوية السياسية بالذات، أتحدث عن الوعي لوجود حواجز هيكلية مؤسساتية تقوّض دور النساء والفتيات في المجتمع”.
وترى جلبي أن هناك جماعات مهمشة مثل الفتيان وكبار السن وذوي الإعاقة، والهويات الجندرية المختلفة، وهذه الحالات جميعها يمكن أن تطرح من خلال “النسوية السياسية، التي تجد حلولًا للعمل على معالجة هذه الاختلالات بشكل ممنهج ومؤسساتي”.
وتلعب المرأة حاليًا دورًا في المؤسسات السياسية السورية المعارضة، من خلال “الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية”، الذي يضم ست نساء في الهيئة العامة، وامرأة واحدة في الهيئة السياسية، وأخرى في الهيئة الرئاسية، وتشغل منصب نائب رئيس “الائتلاف”.
كما شكلت المرأة السورية ما نسبته 30% من أعضاء اللجنة الدستورية السورية، التي تناقش وضع دستور جديد لسوريا، وتتكون من ثلاث قوائم، هي قائمة المعارضة وقائمة المجتمع المدني وقائمة النظام السوري.
وفي المقابل، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” في 2019، لمعرفة رأي المجالس المحلية العاملة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، شمل نحو 105 مجالس موزعة بين دمشق وريفها وحلب وإدلب ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة واللاذقية من أصل 427 مجلسًا محليًا، أن نسبة تمثيل الإناث في المجالس المحلية بلغت 2% فقط.
وتعتقد جلبي، الحاصلة على ماجستير في العلاقات الدولية من منظور نسوي من جامعة “نيويورك”، أنه “لا يمكن تثبيت أي جزء من الفكر النسوي في قالب خارج الزمان والمكان”، وبرأيها، فإن الفكر النسوي في صميمه هو تحدٍّ مستمر للالتزام بالمعاملة المحترمة والمتساوية والعادلة في المجتمع، وإن الفكر النسوي يتطور ويتغير كما تتغير اللغة والثقافة في أي مجتمع.
ووفق هذه الرؤية تقول مريم جلبي، “من الضرورة بمكان وجود نساء نسويات في أماكن صنع القرار، لدفع عجلة التغيير المجتمعي في كل مجالاته، وهذا يتطلب تثبيت المساواة العادلة بين كل مواطنات ومواطني سوريا في دستور البلاد”.
النسوية والعسكرة
لم يقتصر دور النساء السوريات منذ عام 2011 على المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، بل كذلك أسهمت بعض النساء في الحرب وكن على خطوط الجبهة، من بينهن سعاد كياري المنحدرة من محافظة إدلب، شمال غربي سوريا.
وعن النسوية وعلاقتها بالعسكرة وفق المفهوم السائد، قالت مريم جلبي، وهي ممثلة لـ”الائتلاف الوطني” في الأمم المتحدة، إن العسكرة بشكلها الحالي مؤسسة ذكورية، تعتمد على الحديد والنار في الأزمات، وتعتمد على حلول أحادية الجانب معتمدة على أيديولوجية ذكورية أبوية.
وأضافت جلبي، “لا يمكن أن تكون العسكرة بشكلها الحالي مؤسسة وطنية خالية من الفكر الذكوري الأحادي، الذي ليس من صلبه حماية الوطن، وإنما حماية مصالح فئة محددة من الوطن”.
وتساءلت جلبي فيما إذا كان الجيش في دولة مواطنة متساوية وعادلة جيشًا لخدمة الشعب ولحمايته، وتحت حكم القانون، هل سيكون للنساء فيه مكان؟
ووفقًا لجلبي، هناك شقان في الفكر النسوي، يرى أحدهما أنه من الضروري دخول النساء في هذه المؤسسة الذكورية من أجل تغييرها وإعادة هيكلتها من الداخل، وبالتالي سيأتي معه التغيير في الوعي السياسي والمجتمعي للمنظومة الذكورية العسكرية.
أما الشق الثاني فتقول عنه مريم جلبي، “يرى هذا الشق أن دخول النساء في المنظومة العسكرية الذكورية هو تصديق عليها، ومنحها شرعية أكبر، وتقويض للفكر النسوي الذي يرى أنه من الضروري إلغاء المنظومة العسكرية كلها”.
وأضافت أن “التغيير في الوعي الجمعي للمجتمع في الحالة السورية إلى وعي من منظور نسوي، سيؤدي تلقائيًا إلى خلق دولة لا تعتمد على الجيش لخلق الأمان أو حماية الشعب”.
حقوق المرأة والمساواة ليست رفاهيات
وعن تعميق النسوية السياسية وتعميق الوعي بها، تقول مريم جلبي، المقيمة في الولايات المتحدة والحاصلة على ماجستير علاقات دولية من منظور نسوي، إن “تعميق النسوية السياسية لا يعتمد على ضرورة وجود حالة استقرار سياسي، أو أي استقرار آخر”.
وترى جلبي أن “الفكر النسوي ليس منفصلًا عن الواقع الموضوعي”، بل هو فكر عابر، وجزء متأصل في كل المجالات.
كما تعتقد أن تعميق الفكر النسوي يأتي بشكل أقوى وأوسع وأعم في حالة الصراعات والأزمات”، لأن حقوق المرأة والمساواة العادلة ليست من رفاهيات الحياة، وإنما من الضرورات الحياتية للاستمرارية ضد الموت والطغيان والاستبداد.
وأضافت جلبي أن “قبول الذكور بالنسوية ليس مرتبطًا بالدين، بقدر ما هو مرتبط بفكر ذكوري عالمي على مدى التاريخ في كل المجتمعات”.
وهذا يقود برأيها إلى نشوء مقاومة من أي فئة، سواء الذكور أو أصحاب الامتيازات للنسوية السياسية، لأنه يعني تخلي أصحاب الامتيازات عن امتيازاتهم وتخلي الذكور عن سلطتهم، لهذا هناك مقاومة ذكورية للمساواة في المجتمع، هي مقاومة غير واعية.
–