عنب بلدي – نينار خليفة
يواجه الطلاب الكرد في مدارس عفرين صعوبات بالغة، فرضت عليهم جهودًا إضافية لإكمال مسيرتهم التعليمية، وباتت تهدد كثيرين منهم بمواجهة خطر الأمية والانقطاع عن التعليم.
ويعاني الطلاب الكرد في عفرين وريفها من صعوبة في فهم المنهاج الدراسي المعتمَد حاليًا من قبل “الحكومة المؤقتة”، خاصة من ليست لديهم أي معرفة مسبقة باللغة العربية ونطقها وكتابتها، بعد أن اعتادوا على الدراسة بالكردية كلغة وحيدة للمناهج، فضلًا عن تخوف بعض الأهالي من إرسال أبنائهم إلى المدارس بسبب ما تشهده المنطقة من عمليات اختطاف وغيرها من التحديات الأمنية.
ظروف تجبر الطلاب على ترك تعليمهم
جيان فتاة كردية من شيخ الحديد بريف عفرين، لم تتمكن من إكمال دراستها بالمرحلة الثانوية، بسبب ما مر على المنطقة من تغييرات بالجهات المسيطرة، وما رافق ذلك من مخاطر أمنية. قالت والدة جيان، لعنب بلدي، “في أثناء سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية) على المنطقة كنا نخشى إرسالها إلى المدرسة لإتمام دراستها الثانوية، نظرًا إلى قيامهم بتجنيد الفتيات حينها واقتيادهنّ إلى ساحات القتال، أما حاليًا فنخاف عليها من كل ما نسمعه من حوادث نتيجة غياب الأمن”.
وأضافت، “باتت المدارس لتعلم القراءة والكتابة فقط لا غير، والآن وبعد انتشار فيروس (كورونا المستجد) حتى ذلك لم يعد متاحًا”.
ولفتت إلى أن أغلب الطلاب لم يذهبوا في العام الحالي إلى المدارس، التي اُفتتحت أمام طلاب الصفين الأول والثاني فقط، نظرًا إلى تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي في الصفوف التي كانت تعاني في السابق من الاكتظاظ الشديد، الذي وصل إلى نحو 50 طالبًا وطالبة في الصف الواحد عقب قدوم الطلاب العرب المهجرين من بقية المحافظات السورية.
وترسل العائلات التي تمتلك أوضاعًا مادية جيدة أطفالها إلى دورات خصوصية للتعلم، أما البقية فلا يتلقون أي تعليم.
وكانت “الإدارة الذاتية” (الكردية) اعتمدت منذ عام 2014 على تعليم الطلاب الكرد بلغتهم الأم في المراحل التعليمية كافة، وطباعة مناهج خاصة لهم، وفي عام 2016، قررت إغلاق جميع المعاهد التي تدرّس منهاج النظام السوري “العربي” لطلاب شهادتي التاسع والبكالوريا.
ومنذ سيطرة فصائل “الجيش الوطني” على عفرين عام 2018، استبدلت بالمناهج الكردية المناهج المعتمدة من قبل “الحكومة السورية المؤقتة”، إلى جانب تخصيص ساعات لتدريس اللغة الكردية للطلاب الكرد، وتعليم اللغة التركية، التي أصبحت لغة أساسية ابتداء من المرحلة الإعدادية.
ضعف في الخبرات التدريسية
خليل أب لطفلين في الصف الثاني والثالث، تحدث لعنب بلدي عن المشاكل التعليمية التي تواجه الطلاب والأهالي في عفرين.
ويشتكي خليل من ضعف جودة التدريس، إذ إن أغلبية الأساتذة جدد وبدؤوا عملهم بعد حصولهم على الشهادة الثانوية، أما المدرسون الاختصاصيون فقد انتقل معظمهم إلى حلب.
وعلاوة على ذلك توجد أعداد كبيرة من الطلاب في الصفوف، إلا أن نسبة الطلاب الكرد قليلة جدًا، وهو ما خلق لهم بعض المشاكل بسبب استقواء بقية الطلاب عليهم، بحسب تعبيره، مشيرًا إلى أنه ما من أحد يستطيع التحدث بموضوع المشاكل الحاصلة بين الطلاب العرب والكرد، مع إدارة المدرسة أو أي جهة أخرى.
ويضطر الأهالي لإرسال أطفالهم إلى دورات خاصة لتعلم القراءة والكتابة حتى لا يواجهوا خطر الأمية، وتبلغ تكلفة تدريس الطالب الواحد في الصف الأول نحو 7500 ليرة سورية شهريًا، كما تختلف الأسعار بحسب الأستاذ، وفقًا لخليل.
وأشار خليل إلى أنه يرسل ولديه لحضور دورات خصوصية، ولم يتمكن سوى ابنه الأصغر من الذهاب إلى المدرسة في العام الحالي، لأن المدارس فتحت أبوابها أمام الصفين الأول والثاني فقط، بسبب إجراءات الوقاية من فيروس “كورونا”، وذلك بدوامين صباحي ومسائي.
صعوبات إضافية على الطلاب والمعلمين
من جانبه، أكد نزار مصطفى وهو أحد أهالي عفرين وأب لأطفال في عمر الدراسة، الصعوبات التي تواجه الطلاب نتيجة اختلاف لغة المناهج الدراسية، خاصة من باتوا في المرحلة الإعدادية وكانوا قد اعتادوا على دراسة كل المواد باللغة الكردية، خلال سيطرة حزب “الاتحاد الديمقراطي” على المنطقة، ولا يعرفون من اللغة العربية إلا القليل.
وقال لعنب بلدي، إن عدم إجادة الطلاب اللغة العربية يرتّب على المعلمين صعوبات إضافية في أثناء شرح الدروس لهم، خاصة أن كثيرًا من المدرّسين لا يتكلمون اللغة الكردية، وقد قدموا من مناطق أخرى مثل الغوطة أو ريف ادلب، أما المعلمون من أبناء المنطقة فيقومون بترجمة المناهج للطلاب من أجل تسهيل عملية فهمهم للدروس.
وبيّن أن عددًا كبيرًا من المعلمين الكرد الذين كانوا يدرّسون في حلب بحكم أنهم يتبعون لوزارة التربية التابعة للنظام، قدّموا استقالتهم أو أخذوا إجازات بلا راتب، وعادوا إلى عفرين للتدريس في مدارسها.
وعزا ذلك إلى أن الرواتب التي يتقاضاها المعلمون في عفرين تتراوح ما بين 600 و800 ليرة تركية، بينما كانت رواتبهم في المدارس الحكومية بحلب نحو 60 ألف ليرة سورية بعد رفعها بنسبة 50% عن الأعوام السابقة.
من جانب آخر، أشار نزار إلى أن ما يجري في عفرين من عمليات خطف وغياب للأمن أجبر بعض المدرّسات على التوقف عن عملهنّ، وأضاف في هذا الصدد أن كثيرًا مما يجري على أرض الواقع من فلتان أمني لا يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم التستر عليه، وفق تعبيره.
هل من حلول؟
تواصلت عنب بلدي مع وزارة التربية والتعليم في “الحكومة المؤقتة” لعرض الصعوبات التي يعانيها الطلاب في عفرين، الكرد منهم خاصة، ومعرفة إن كانت هناك أي تدابير لتجاوزها في مقبل الأيام، إلا أنها لم تتلقَّ أي رد على أسئلتها.
وكان مسؤول التعليم في المجلس المحلي لعفرين، عبدو نبهان، أكد في حديث سابق لعنب بلدي، في تشرين الثاني من عام 2019، أن عدد المدارس في عفرين قليل بالنسبة لأعداد الطلاب الضخمة، وهو ما نجم عن عمليات التخريب الواسعة التي تعرضت لها المدارس في أثناء الحرب، وكذلك اعتماد المدارس كمقرات عسكرية من قبل الفصائل المسيطرة على المدينة.
وإثر ذلك، أوضح نبهان أن معظم المدارس تسير بنظام الدوام الثاني، مشيرًا إلى مشكلة أخرى تكمن في الجانب البشري المتمثل بالمعلمين المختصين، فكثير من القرى تحوي مدارس وتكون جاهزة بشكل كامل، لكن لا يوجد كادر تعليمي في القرية أو محيطها يغطي كل المواد التعليمية.
وتحدث نبهان عن تجهيز وتشغيل 232 مدرسة في مدينة عفرين ونواحيها السبع.
كما أشار مصطفى حسن وهو معلم في المرحلة الإعدادية، لعنب بلدي إلى معاناة المدرّسين، بعد أن شكّل الانتقال من المناهج الكردية إلى مناهج “الحكومة المؤقتة” عائقًا جديدًا لم يكن في الحسبان.
وأوضح أن معظم الطلاب وبجميع المراحل الدراسية لديهم ضعف كبير في اللغة العربية التي تدرّس بها المناهج الآن، إلى جانب وجود طلاب كرد وعرب ومن جميع المحافظات في الشعبة الواحدة، وقد درسوا مناهج مختلفة، ويحاول المدرّسون، بحسب حسن، التوفيق بين الطلبة والمنهاج الجديد، خاصة مع الأعداد الكبيرة للطلبة في الشعبة الواحدة.
وبلغ عدد الطلاب الذين يتلقون التعليم في مدينة عفرين بالمراحل الدراسية كافة نحو 45 ألف طالب، عام 2019، وفق إحصائيات نشرتها شبكة “رووداو” الإعلامية، مشيرة إلى أن 70% منهم هم طلاب عرب مهجرون من مناطق سورية أخرى، بينما تبلغ نسبة الطلاب الكرد 30% فقط.
وفي 20 من كانون الثاني 2018، شنت تركيا بمساندة فصائل “الجيش الوطني” هجومًا على مدينة عفرين وريفها شمال غربي حلب، وأعلنت سيطرتها عليها في 18 من آذار من نفس العام، بعد توغل الفصائل داخل مركز المدينة، وتقدمها على حساب “وحدات حماية الشعب” (الكردية).
وأدت السيطرة إلى نزوح ما يزيد على 137 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة.
وتقسم منطقة عفرين إلى سبع نواحٍ هي: عفرين، شيخ الحديد، معبطلي، شران، بلبل، جنديرس، راجو، ويعيش فيها اليوم نازحون من مناطق أخرى يُقدر عددهم بعشرات الآلاف، أغلبهم من الغوطة الشرقية وحمص وإدلب.