يحاول محمد كحيل، المكنى بأبي جعفر، وهو مدير الطبابة الشرعية في المناطق المحررة داخل محافظة حلب، ومختص العلوم الشرعية (مسرح جريمة)، الرقي بالدور اللوجستي للعمل الجنائي، في محاولة لزيادة كفاءة العملية الأمنية في المناطق المحررة، من خلال اعتماده على تدريب الكلاب البوليسية.
“تدريب الكلاب فكرة قديمة كوني مهتمًا برعايتها وأحمل دبلومًا في المعالجة السلوكية”، يقول أبو جعفر، الذي عمل خبيرًا محلفًا لدى الجهات القضائية قبل الثورة، وكان التقى مع عدد من الخبراء الجنائيين المختصين في تدريب الكلاب على كشف المخدرات وضبط الحدود بحكم عمله، “تشكلت لدي أرضية ثقافية لا بأس بها تمكنني من استخدام الكلاب في العلوم الجنائية والأمنية”.
بدأ أبو جعفر تجربته الجديدة في تدريب الكلاب، واعتبرها الأولى من نوعها على مستوى المناطق المحررة، لما رأى من أهمية ملحة لها في الوقت الحالي، للمساعدة في عمل الطبابة والتحريات والأمور الأخرى.
يعتمد التدريب على سلالة الكلب وذكائه، فبعد فصل الجرو المفطوم عن أمه (بعمر شهر ونصف إلى شهرين)، يخضع الجرو إلى مرحلتين تدريبيتين، بحسب أبي جعفر، “يجب أن يكون الجرو بعمر 2.5 -3 أشهر، لتستطيع تدريبه على السمع والطاعة”.
المشروع بدأ بدعم شخصي من فريق الأدلة الجنائية في الطبابة الشرعية، ويتبع لقيادة شرطة محافظة حلب الحرة، “بحثنا عن الجراء وأمنّا أربعة فقط باعتبارها مكلفة وصعبة المنال كوننا نحتاج إلى سلالة معينة قادرة على الاستجابة للتدريب بشكل سريع”.
أبو جعفر، تحدّث لعنب بلدي عن مراحل تدريب الكلاب، وكيفية التعامل معها وتلقينها المصطلحات والأوامر:
ويؤكد أبو جعفر على ضرورة مكافأة الكلب بعد تنفيذه للأمر بشكل صحيح بإطعامه ما يحبه، وأيضًا معاقبته على تصرفه السيئ أو المخالف للأوامر، مشيرًا إلى أن هذا النظام يساعد على التزام الكلب بشكل كامل بالأوامر التي توجه إليه.
“الكلاب تحب أن تُشكر بإعطائها أي مادة تحبها كالبسكوت أو أي نوع من الحلوى، فعندما توجه أمرًا للكلب وينفذه يقف وينظر إليك منتظرًا مكافأته على الالتزام”.
صعوبات واجهها المشروع
وواجه المشروع صعوبات “كبيرة”، أبرزها عدم تبنيه من قبل جهات داعمة، فالجرو الواحد يحتاج إلى ستة أشهر من التدريب، بكلفة 200-300 دولار شهريًا، أي أن تكلفة الجرو تصل إلى 1800 دولار، وهو ما اعتبره أبو جعفر مبلغًا كبيرًا جدًا.
وأشار أبو جعفر إلى معاناته في تأمين اللقاح والدواء، الذي يجب أن يُعطى دوريًا للجراء خلال فترة تربيتها، بالإضافة إلى المنشطات والفيتامينات والمضادات الفطرية الداخلية والخارجية الضرورية لضمان الحالة الصحية للكلب خلال فترة التدريب.
“الكلاب تفعل ما لا يستطيع الإنسان فعله”
“يضخ النظام السوري المخدرات بكافة أنواعها إلى مدينة حلب بكميات كبيرة في محاولة لقتل إنسانية الإنسان”، بحسب أبي جعفر، الذي قال إنه عمل مع المحكمة الشرعية في مدينة حلب وريفها في شهر تشرين الثاني 2014 ضمن حملة “ساعدني لأشفى”، وساهم في إنشاء مصح صغير لعلاج المدمنين، “إلا أن المشروع لم يلق الدعم الكافي لذلك أوقفنا العمل به”.
وفي ظل صعوبة تأمين أجهزة لكشفها بسبب تكلفتها العالية، لجأ أبو جعفر إلى تدريب الكلاب لتكون النواة الأولى لمشروع استخدامها في المجالين الجنائي والأمني، “المجرم أذكى وأسرع من الخبير الجنائي أو رجل الشرطة، وحتى اكتشاف الأمر يكون قد أدخل كميات كبيرة من المخدرات وخاصة في ظل الحروب”.
ونظرًا لقلة الآليات المستخدمة في إزالة الأنقاض، من تركسات وحفارات وآلات، وعلى الرغم من أن الدفاع المدني يبذل “جهدًا جبارًا” في المنطقة، إلا أنه يمكن استخدام الكلاب في الكشف عن وجود جثث أو أحياء تحت الأنقاض، وبالتالي توفير الوقت والجهد، بحسب أبي جعفر.
ويشرح أبو جعفر كيفية الاستفادة من الكلاب، والاستخدامات الأخرى لها بعد تدريبها، وقدرتها على كشف الضرر قبل حدوثه:
وحول الفتوى الشرعية في اقتناء الكلب وتدريبه يقول أبو جعفر، “نحن كمسلمين نعتبر الكلاب نجسة، ولكننا لجأنا إلى أصحاب المعرفة والفقهاء وسألناهم وحصلنا على فتوى شرعية تجيز اقتناءها”، مؤكدًا أن البعض أشار إلى أن تدريبها “واجب شرعي لأنها تمنع الضرر عن المسلمين”.
يأمل أبو جعفر أن يكون المشروع نواة حقيقية لمشروع أكبر، “أقولها بصراحة، كثيرون أخذوا الأمر على محمل السخرية، فكيف لرجل مسن أن يدرب الكلاب. فهم لا يدركون أهمية الأمر، حتى إن بعضهم تهكم علينا كوننا سنطعم الكلاب وفق نظام غذائي، في الوقت الذي يعاني الناس من شح الطعام ولا يجدون ما يأكلونه”.
ينهي أبو جعفر حديثه حول المشروع، “أترك الأمر إلى أن تصبح الكلاب جاهزة للقيام بمهامها وعند ذلك سيدرك الناس والمسؤولون الدور المهم للكلاب في منع دخول المفخخات والمخدرات إلى مناطقنا”.
لمحة تاريخية عن استخدام الكلاب البوليسية
يعود استخدام الكلاب في مجال تطبيق القانون إلى عصر ملك إنكلترا “هنري الأول” في العصور الوسطى، ثم توسع استخدامها بحلول الحرب العالمية الأولى وامتد إلى العديد من الدول مثل فرنسا واسكوتلندا.
وللكلاب البوليسية استخدامات عديدة، فهي تساعد ضباط الشرطة في الحفاظ على النظام، كما تحرس الممتلكات العامة والخاصة، وتستخدم في السجون لمنع السجناء من الهرب، كما تستخدم في الكشف عن المخدرات والمفخخات وأمور عديدة أخرى.
وتعتمد معظم الدول في الوقت الحالي على الكلاب البوليسية للكشف عن الجرائم والجنايات، إذ أنقذت هذه الكلاب الكثير من الأرواح بسبب قدراتها الفريدة وكفاءتها ووفائها.
ولا يمكن استخدام أي نوع من الكلاب للتدريب والعمل في مجال حفظ الأمن، إذ يعتمد المدربون على كلاب تحمل ميزات وصفات خاصة، وتمتلك بنية جسمانية قوية، مثل كلاب جيرمان شبرد (الراعي الألماني)، والدوبرمان، وسلالة الكلاب البلجيكية مالينويز ولابرادور ريتريفر وبريستون، والروت وايلر.
وتُدرب الكلاب على الركض والقفز والصيد وفق نظام غذائي وساعات تدريب وراحة محددة، ويجب على المدرب إعطاء الأوامر للكلب وتغيير نظام التدريب تدريجيًا إلى من البسيط إلى المتوسط فالأصعب.
“جيرمان شبرد” الراعي الألماني: من سلالات الكلاب الكبيرة يترواح طوله (حتى أعلى الكتف) بين 55 – 65 سم، ويبلغ وزنه 22 -40 كيلوغرامًا.
شديد الذكاء ويتمتع بحاسة شم قوية، وهو سهل الترويض، وتبلغ قوة عضته قرابة 107.95 كيلو غرامًا.
آمن بالنسبة للبشر عند تدريبه بشكل جيد.
الدوبرمان: من سلالات الكلاب كبيرة الحجم يتراوح طوله بين 66 -72 سم، ويبلغ وزنه 34-45 كيلوغرامًا.
خفيف الحركة وشديد التحمل ومطيع.
عدواني وشرس ولكنه آمن عندما يدرب بشكل جيد.
الروت وايلر: كلب ألماني من فصيلة الكلاب الشرسة ويستخدم في الصيد
يتراوح طوله بين 56-60 سم، ويبلغ وزنه 38-50 كيلوغرامًا.
قوي وذكي ومدافع قوي عن صاحبه ويعتبر حارسًا مثاليًا.
–