عنب بلدي – إدلب
يقطع النحل آلاف الكيلومترات لجمع الرحيق وصنع العسل، لكن ريف إدلب في العام الحالي ضاق به ولاحقته سموم المبيدات.
يطرح مربو النحل في إدلب فكرة إنشاء نقابة للنحالين للحد من الصعوبات التي يواجهونها في مزاولة مهنتهم بالمحافظة المكتظة، إلا أنهم يصلون في كل مرة إلى طريق مسدود، ولا يجتمعون على رأي رغم اجتماعهم على المتاعب.
اقتراب النحالين من بعضهم يثير المشاكل عادة، وهو ما كان أحد معوقات تربية النحل في العام الحالي بإدلب، بعد نزوح نحو مليون شخص شمالًا منذ بداية العام، لتتقلص مساحة الأراضي ويزيد عدد المربين.
ورغم وجود عدد كبير من النحالين في المنطقة، لم تنجح حتى الآن فكرة إنشاء النقابة، حسبما قال مربي النحل حمدو السلات لعنب بلدي، “جمع عدد كبير من النحالين وإشهار النقابة أمر صعب”.
تتطلب مهنة تربية النحل إيجاد المراعي المناسبة حتى يتمكن النحل من جمع رحيق الأزهار فيها، ولكن قلة المراعي سببت خلافات بين المربين، الذين اتهم بعضهم بعضهم الآخر بالسرقة، في حين طالب آخرون بحق طرد من يأتي متعديًا على مرعاه.
“ما يقف بطريق النحالين هو قلة الوعي والجهل عند بعضهم”، حسبما قال حمدو الذي حاول طرح قضية النقابة مرارًا وتواصل مع “عدد كبير” منهم في سبيلها، إلا أن الخلافات بين النحالين ليست مشكلتهم الوحيدة.
“البخ ثم البخ ثم البخ”
فتح حمدو (40 عامًا) عينيه على الحياة ليجد النحل حوله، “سليل عائلة من النحالين”، كما وصف نفسه لعنب بلدي، ومعجب بكل ما يتعلق بالحشرة الصغيرة، التي حافظ على مستعمراتها عامًا تلو آخر، إلى أن سقط نصف سكان الخلية موتى جراء البخ في العام الحالي.
زادت نسبة بخ المبيدات الحشرية دون رقابة أو تقدير، حسبما قال نحالون رأوا أثرها على مستعمرات النحل خاصتهم، “رغم أن النحلة صديق المزارع، وتزيد من إنتاج المحاصيل”، لكن الفلاحين استخدموا مبيداتهم دون اهتمام بها، برأي حمدو.
يعمل حمدو في مديرية صحة إدلب، وبتقديره فإن المبيدات المستخدمة في العام الحالي “عالية السمية”، لذا سببت موت العصافير والنحل والآفات على حد سواء، وأصبحت مشكلة النحالين الأولى “البخ ثم البخ ثم البخ”.
تمنى نور الدين شعبان لو أن تلك المبيدات كانت سريعة الأثر، بعد أن شهد عذاب خلية النحل خاصته عشرة أيام قبل موت معظم ما فيها “المشكلة الرئيسة هي غياب الرقابة على مواد البخ”، كما قال لعنب بلدي.
يرى النحال الثلاثيني المهجر من محافظة درعا أن مهمة الجهات الحكومية هي جمع النحالين وتشكيل نقابة تحوز على ثقتهم، لتكون الجهة المطالبة بحماية خلايا النحل وإنقاذها من الموت، لأن النحال وحده لا يملك التفويض ولا القدرة على مواجهة كل المشاكل التي تعترضه حسب تقديره.
غلاء يعوق مهنة “المتعة”
تفاني الفرد لأجل المجموعة، هو ما لفت نور الدين شعبان في حياة خلية النحل، ورغم أنه ورث مهنة رعاية النحل عن والده فإنه يعتبرها “هواية” لا بابًا للرزق، وقال لعنب بلدي، “كلما نفتح الخلايا نكتشف جديدًا في حياة النحل”.
وأضاف نور الدين أن خلايا النحل تحتاج إلى أدوية وأخشاب وقوالب خاصة، كلها عرضة لـ”الاستغلال” من قبل التجار، الذين يبيعونها بأسعار مضاعفة لنحالي الداخل السوري.
وقال مربي النحل حمدو السلات، إن المضادات الحيوية والمعقمات وبعض المستلزمات أصبحت كلها تسعّر بالدولار، وبعضها منقطع من الأسواق، مشيرًا إلى أن دور النقابة المرجوة هو مساعدة النحالين على تأمين ما يلزمهم للعناية بمستعمراتهم.
كما تحتاج مهنة رعاية النحل إلى خبرة وعناية، ورغم أنها تطلبت من محمود الحلاق، البالغ من العمر 53 عامًا، أربع سنوات من التدريب حتى أتقنها قبل عشرين عامًا، فإنه يصف عملها حتى اليوم بـ“المتعة”.
“الممتع فيها أن هذا المخلوق رائع”، قال محمود، مشيرًا إلى النحل، وتابع، “يسمح بالتعامل مع الطبيعة وتصفية الذهن”، كما أن منتجاته طبيعية أصلية.
غياب سوق التصريف وضعف القدرة الشرائية لدى السكان يقف عائقًا أمام مربي النحل أيضًا، الذين اضطروا للبحث عن أعمال جديدة إلى جانب مهنتهم، “لا يستطيع الناس دفع ثمن منتجات النحل، لذا نضطر لتقليل الأسعار”.
كان هذا العام الأول، منذ 18 عامًا قضاها محمود في تربية النحل، الذي يضطر فيه لترك العسل كله في الخلية، “لم نقطف من الإنتاج شيئًا، لأن العسل ليس صافيًا، علينا استخدامه لتغذية المناحل”.
حاول محمود النازح من الكسوة في ريف دمشق طرح فكرة النقابة على زملائه من النحالين، ورغم محاولته إنشاء تواصل مع “الحكومة المؤقتة” سابقًا فإن فرقة النحالين حالت دون المتابعة، “ما يقف في طريق النقابة هو نحن أما إنشاؤها فهو أمر بسيط”.
أسهم في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في إدلب أنس الخولي.