حرب الممتلكات وأثرها المجحف على النساء

  • 2020/10/09
  • 9:10 ص
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

أحال النظام السوري حياة المعارضين السياسيين، والناشطين، ومن اشتبه بأنهم لا يدينون له بالولاء الكافي، نساء ورجالًا، إلى رحلة اضطهاد متواصلة، فكانت حرب الممتلكات واحدة من الحروب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ذات الأثر المديد التي أتقنها النظام، سواء وقعت بشكل مباشر على الفرد، أو كانت أثرًا من آثار “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية” على الضحية وأفراد أسرتها، وقد اتبعت ذات النهج العديد من الفصائل العسكرية في مناطق سيطرتها. 

يتعاظم الأثر المجحف على النساء في حرب الممتلكات، عندما يتقاطع مع الطبقة والسلطة والعمر والمكان الجغرافي، ويتوّج اضطهادهن العنف الاجتماعي، فهن حافظات لمال الأسرة، لكن ملكية العقار، إن وجدت، تكون باسم الزوج، وقرار بيعه أو شرائه أو الانتقال إلى منزل آخر هو قرار حصري له، ويعود جزء من هذا السلوك أو العرف إلى عدم تثمين عمل المرأة داخل المنزل، واعتباره دورًا حصريًا لها، ودونيًا في غالب الأحيان، كدور رعائي لا يرقى للدور الإنتاجي للرجل، صاحب السلطة وجالب المال، وبذلك يُعتبر مال الأسرة هو مال الرجل، لا مال الشريكين.

لقد طالت حرب الممتلكات شرائح واسعة من النساء، أذكر بعضًا منها: 

  • المعارِضات السياسيات والناشطات اللواتي خرجن من سوريا بسبب القمع والملاحقة الأمنية، فهن لا يستطعن التصرف بممتلكاتهن، إن وجدت، جراء حصر الأمر بالموافقة الأمنية التي يصعب الحصول عليها، وتم الحجز على ممتلكات عدد منهن، ويجري استغلالهن ماليًا من قبل معقبي المعاملات عندما يحتجن إلى أي وثيقة رسمية من سوريا، إن لم يكن محرومات أصلًا من الحصول على بعض الوثائق، ناهيك عن تعقيد عملية البيع بعد إصدار قرار مجلس الوزراء رقم (5) بتاريخ 20 من كانون الثاني الماضي، الذي ألزم “الجهات العامة، والسجل العقاري، ومديريات النقل العامة المخولة بتسجيل ملكية العقارات والمركبات، والكاتب بالعدل، بعدم توثيق عقود البيع أو الوكالات المنجزة والدائمة قبل الحصول على إشعار بتسديد قيمة العقار أو المركبة، أو دفع جزء من مبلغها في الحساب المصرفي للمالك/ة أو لورثة المالك/ة أو للمحكمة، رغم أن قرار إلزام البائع، امرأة أو رجلًا، بفتح حساب مصرفي توضع فيه الأموال والمدخرات مخالف للدستور، ويفتح بابًا جديدًا للفساد والاستغلال، وخاصة بالنسبة للاجئات واللاجئين.
  • المعتقلات، ومن ضمنهن المعتقلات كرهائن مقابل أن يسلّم أحد رجال العائلة نفسه، و/ أو للمبادلة عليهن، فالعديد من المعتقلات استخدمهن النظام كورقة للتفاوض مع الفصائل المسلحة أو مع وسطاء بين الطرفين، وهذه الجرائم كان لها أثر عنيف على حيواتهن وحقوقهن، لأنها عززت من انتشار هذه الجريمة، وجذّرت الانقسام المجتمعي.

وحرص النظام على نعت الناشطين والناشطات داخل المعتقل وفي الخطاب العام بالإرهابيين/ات، لغاية نزع الشرعية عن الدور السياسي الذي قاموا به، وشيطنته. وقد حوّل العدد الأكبر منهم إلى “محكمة الإرهاب”، وهي محكمة تختزل إرهاب الدولة ضد المجتمع بشكل عام، وضد المعارضة بشكل خاص، وينص قانون الإرهاب رقم (19) لعام 2012 في المادة رقم (11) منه على دور “النائب العام المختص أو من يفوضه أن يأمر بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يرتكب إحدى الجرائم المتعلقة بتمويل الأعمال الإرهابية، أو ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون إذا كانت هناك دلائل كافية على ذلك ضمانًا لحقوق الدولة والمتضررين”، وتنص المادة رقم (12) من القانون ذاته، على أن “تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها…”، ولا تعجز الدولة الأمنية عن تلفيق التهم وتزوير الأدلة للمعارضين، نساء ورجالًا، وأسرهم، وقد دفعت سياسة الترهيب هذه بالعديد من المعتقلات إلى مغادرة البلاد بعد الإفراج عنهن، نظرًا لاحتمالية إعادة اعتقالهن مجددًا على الحواجز، الأمر الذي أدى إلى حرمان العديد منهن من التحكم بأملاكهن وأملاك أسرهن، إن وجدت.

  • زوجات وأسر المختفين قسريًا، ويقدر عدد المعتقلين/ات والمختفين/ات قسريًا بما لا يقل عن 148 ألفًا و191 شخصًا على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، منذ آذار 2011 وحتى آب الماضي، بينهم 130 ألفًا و758 لدى النظام السوري (3584 طفلًا وطفلة، و7990 سيدة)، وذلك بحسب إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وتعتبر جريمة الإخفاء القسري “جريمة ضد الإنسانية”، ولها انعكاسات نفسية واقتصادية وقانونية واجتماعية على زوجات وأسر المختفين/ات قسريًا، مثلًا، على الصعيد القانوني، لا تستطيع الزوجة أو قريبة المختفي قسريًا إتمام أي معاملة قانونية وحصر الإرث أو/ والتصرف بالملكية، باستثناء حق الزوجة بالإنفاق من “مال الزوج” إن كان متوفرًا، وذلك حسب المادة رقم (108) فقرة (1و2) من قانون الأحوال الشخصية المعدل، وتتعرض أيضًا أسر المعتقلين/ات والمختفين/ات قسريًا إلى الابتزاز من قبل أفراد وشبكات مقابل معرفة أي خبر عن المختفي أو المختفية قسريًا.   
  • الأرامل، يزداد العنف المركب ضدهن خلال النزاعات، وخاصة عندما يتقاطع مع الفقر والسن وانعدام التعليم أو محدوديته، وتبرز في سلوك ذكور العائلة لدى بعض المجتمعات، محاولات مكثفة للسيطرة على حيواتهن وأملاكهن إن وجدت، وقد يحصلن على مساعدات إنسانية من بعض المنظمات، ولكن، وثقت محاولات لابتزازهن، فقد كشف تقرير نشرته “الصنداي تايمز” تحت عنوان “أرامل سوريات أُجبرن على إعطاء صور إلى عامل في المساعدات الإنسانية” بتاريخ 3 من حزيران 2018، عن طلب موظف في مجال المساعدات الإنسانية بريف حلب الغربي من نساء إرسال صور عارية لهن مقابل حصولهن على سلال مساعدات غذائية، وكن في معظمهن من الأرامل.  كما تم رصد أنماط واسعة من اضطهادهن في المجمعات أو القرى المخصصة للأرامل وأطفالهن بإدلب في ظل شروط مجحفة بحقهن، ومن تلك الشروط،  أنه عندما يتجاوز عمر طفلها 13 عامًا يجب عليها إما أن تتركه لأهل الزوج وإما أن تخرج وإياه من المجمع، وتُمنع النساء والفتيات من مغادرة المجمع في أوقات معينة، بعد الرابعة خلال التوقيت الشتوي، وفي التوقيت الصيفي لا يحق لهن العودة بعد الساعة الثامنة مساء، وإن أرادت المرأة المبيت خارجه (عند أهلها أو أهل زوجها) فعليها الحصول على موافقة مدير المجمع، بالإضافة إلى منعهن من مغادرة المجمع إلا بصحبة محرم أو أحد أفراد أسرتها أو أسرة زوجها، وهناك شروط إضافية في بعض القرى/ المجمعات، مثل، إذا غابت الأرملة أكثر من 48 ساعة دون إعلام الإدارة والحصول على موافقتها تُعتبر مطرودة من السكن. من الواضح أن المسؤولين في هذه المجمعات/ القرى قد نصّبوا أنفسهم أوصياء على الأرامل، واعتبروهن فاقدات للأهلية، وبحاجة إلى ضبط وسيطرة وإخضاع، واعتبروا أن الطفل ذا الـ13 عامًا رجل كامل الأهلية، ووجوده خطر على مجتمع النساء، هذه العقليات الذكورية الوصائية التي تستغل حاجة النساء إلى مأوى، بينما لا يستطعن إنجاز معاملة حصر الإرث في الدوائر الرسمية، هي ذات العقلية التي تحرم المرأة من حقها في الإرث، والتصرف بملكيتها أو/ وملكية زوجها المتوفى، فتزداد هشاشتها تجاه العنف، وخاصة خلال النزاعات المسلحة وعسكرة الحيّز العام.

خلاصة القول، إن حرب الممتلكات لها أثر قاسٍ ومركب على النساء، والحلول التي لا تفكك بنية الاضطهاد وطبقاته، وعلاقات السلطة غير المتكافئة في المجتمع، لا تقود للتغيير الجذري، طالما لا تستثمر في الحرية والمساواة والعدالة للنهوض من الوضع الكارثي في سوريا.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي