منصور العمري
في 10 من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، تحتفي منظمة الصحة العالمية بـ”اليوم العالمي للصحة النفسية”. هدف حملة التوعية للعام الحالي هو زيادة الاستثمار في الصحة النفسية تحت شعار: “تحرَّك من أجل الصحة النفسية.. فلنستثمر فيها”. كما أطلقت “هيومن رايتس ووتش” مع مناصري حقوق الصحة النفسية، ومنظمات حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب في جميع أنحاء العالم حملة عالمية باسم #BreakTheChains (#اكسروا_القيود) لإنهاء تكبيل الأشخاص الذين يعانون ظروفًا صحية نفسية.
هي فرصة أيضًا للإعلام والمجتمع المدني السوري للتوعية بأهمية الصحة النفسية، وضرورة معالجة اضطراباتها المنتشرة بشكل واسع بين السوريين في وطنهم ودول اللجوء.
تشير التقديرات العلمية إلى أن نحو 10% من سكان العالم يعانون أحد أشكال الاضطرابات النفسية. تختلف اضطرابات الصحة النفسية حسب شدتها وأسبابها، وتتراوح بين الكآبة، والأمراض النفسية الشديدة، وقد تصل إلى مراحل متقدمة يطلق عليها البعض “الجنون”، وهي تسمية مسيئة يجب إنهاء استخدامها. تحمل اضطرابات الصحة النفسية نتائج خطيرة تتدخل في حياتنا اليومية وعلاقاتنا مع أفراد العائلة وزملاء العمل والمجتمع عمومًا والدولة، وتشوه آلية اتخاذنا القرارات الفردية التي قد تكون مصيرية، وغيره من الآثار السلبية.
قدّرت دراسة أصدرتها منظمة الصحة العالمية ومجلة “لانسيت” الطبية عام 2019 حول الصحة العقلية في المناطق المتأثرة بالنزاعات، أن شخصًا واحدًا من بين كل خمسة أشخاص ممن يعيشون في مناطق متأثرة بالنزاعات يعاني أحد أشكال الاضطراب النفسي، بما فيها القلق والاكتئاب والفصام. لا توجد إحصائيات دقيقة بالنسبة للسوريين الذين يعانون من اضطرابات نفسية منذ عام 2011، لكن النسبة أكبر من نظيرتها العالمية، نظرًا لما عاناه ويعانيه ملايين السوريين من إرهاب الدولة الشمولية المزمن لعقود، وظروف الحرب المدمرة، وانتهاكات الحقوق، وفظائعها الجماعية بما فيها التعذيب، بالإضافة إلى مرحلة “داعش” الدموية ومخلفاتها. تفتقر سوريا إلى خدمات الصحة النفسية الكافية وثقافتها منذ عقود. مع تصاعد أهمية هذه الخدمات في وقتنا الحالي، أصبح من الضروري توفيرها بشكل تخصصي وواسع النطاق، بالإضافة إلى نشر التوعية المجتمعية بخطورة الاضطرابات النفسية وضرورة معالجتها.
أحد أكبر المعوقات أمام تلقي الرعاية الصحية النفسية، هي الحالة العامة لدى السوريين التي تتمثل في اللامبالاة تجاه أهمية الصحة النفسية، واعتبارها من قبل البعض وصمة اجتماعية، كما تبرز عدة معوقات أخرى. بالنسبة للسوريين الذين وصلوا إلى أوروبا وبعض دول اللجوء الأخرى تتوفر مراكز الصحة النفسية، إلا أن السوريين في هذه الدول يواجهون بعض العقبات، مثل عدم توفر الاختصاصيين بشكل كافٍ، أو بُعد مراكز الصحة النفسية عن أماكن وجودهم. أما في دول الجوار السوري فالعقبات كثيرة أمام السوريين الذين يعانون من ظروف صحية نفسية ويريدون معالجتها، لعدة أسباب منها تدني مستوى خدمات الصحة النفسية في هذه الدول، وعدم توفر المختصين، ومعاملة السوريين بشكل تمييزي، والوضع الاقتصادي للعائلات.
يعاني السوريون الذين يعيشون في وطنهم بشكل أكبر من اللاجئين، لاستمرار ظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية والضغوط والأولويات القسرية الناشئة عنها، والمظالم المنتشرة بشكل واسع، وفشل المنظومة الصحية بمجملها بما فيها النفسية، حيث لم يكن هناك سوى مقدم خدمات صحة نفسية واحد لكل عشرة آلاف شخص في عام 2019.
التوعية بأهمية الصحة النفسية وحمايتها يجب أن تكون أولوية للأفراد والمجتمع، حيث تلعب الصحة النفسية دورًا أساسيًا في قدراتنا الفردية والجماعية على التفكير والتعبير والتفاعل فيما بيننا، وتؤثر على أدائنا في العمل، واستمتاعنا بالحياة. ليست الصحة النفسية مجرد عدم وجود اضطرابات نفسية، كما أنها مرتبطة بشكل وثيق بالصحة الجسدية. تُعرّف منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية على أنها “حالة من الرفاه يدرك من خلالها الفرد قدراته الخاصة، ويمكنه التعامل مع ضغوط الحياة العادية، والعمل بشكل منتج، ويكون قادرًا على الإسهام في مجتمعه”.
يجب إيلاء الصحة النفسية وضرورة الحفاظ عليها اهتمامًا واسعًا، فهي لا تتعلق فقط بالأفراد الذين يعانون من ظروف صحية نفسية، بل يشمل تأثيرها المجتمع ككل. من يعاني من هذه الاضطرابات ليسوا شريحة منعزلة عن المجتمع، بل هم أفراد عائلاتنا وأصدقاؤنا وموظفون في أماكن العمل، يسهمون في جميع مناحي الحياة. جميعنا معرضون لاضطرابات الصحة النفسية، لكن هناك فئات مجتمعية أكثر عرضة، من بينها الفقراء وضحايا العنف واللاجئون والأطفال والنساء.
–