الشاعر إبراهيم اليوسف لعنب بلدي: الشعراء السوريون لم يواكبوا نقلة الثورة
حوار: أسامة آغي
كسر انطلاق الثورة السورية في عام 2011 حواجز سياسية ومجتمعية وثقافية، في بلد أُطلق عليه مملكة الصمت، وسيطر فيه حزب “البعث” الحاكم والنظام السوري على مفاصل الحياة كافة.
وتعد الآداب والفنون الإنسانية، من شعر ورواية وسينما ومسرح، انعكاسًا للمجتمعات، وتوثيقًا لمسيرة الشعوب.
ويبرز السؤال حول قدرة هذه الفنون والآداب على تنفيذ هذه الخطوات، في ظل الشتات الذي يعيشه السوريون، والظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي ترافق حياتهم، والتي تنعكس بطبيعة الحال على الواقع الثقافي، حالها حال الثورة السورية نفسها، التي خرجت من رحمها عشرات الكتب والروايات والأفلام في داخل سوريا وخارجها وحاولت عكس أوضاع السوريين المعيشية وآلامهم.
فهل كان الأدب والفن وتحديدًا الشعر في الثورة لسان حال السوريين، أم أنه بقي في حالة دهشة وانبهار وتخلف عن فعل الثورة السورية؟
وللوقوف على دور الشعر والرواية تحديدًا في الثورة السورية، التقت عنب بلدي بالأديب والشاعر إبراهيم اليوسف، الذي أصدر مجموعات شعرية وقصص قصيرة وروايات، بالإضافة إلى عدد من الكتب النقدية.
موقع المثقف في الثورة السورية
انقسم المثقفون السوريون منذ انطلاق الثورة السورية إلى ثلاثة تيارات، تيار موال للنظام السوري ويتبنى روايته الرسمية، والتيار الثاني هو التيار المعارض للنظام والذي انضم إلى الثورة السورية، سواء في بدايتها أو في وقت لاحق، أما التيار الثالث فهو ما يطلق عليه “الرماديون”، ممن رفضوا رواية النظام حول الإرهاب و”السلفية الجهادية” ووجود عصابات مسلحة أطلقت النار على المتظاهرين، وكذلك لم ينضموا إلى الثورة السورية بشكل صريح أو يتبنوا مواقفها.
وبالتالي أدى الصراع السياسي في سوريا إلى تشكيل قاعدة “للوعي والتخييل، بسبب انحيازه للقضايا ذات الطابع السياسي المباشر لدى قطّاع واسع من الأدباء والفنانين، لكنه يتجاهل الجوهر الأوسع (الإنساني)”.
ويرى الشاعر والأديب إبراهيم اليوسف أن مقتل شخصيات عامة في بداية الثورة، كمشعل التمو مثلًا، حرّك ضمير كل الأحرار السوريين وكل الأدباء والفنيين، إلا أن “التموقعات” صارت تتغير تدريجيًا.
وقُتل مشعل تمو، في 7 من تشرين الأول عام 2011، بعد دخول أربعة ملثمين إلى منزله في مدينة القامشلي أطلقوا الرصاص عليه وعلى ابنه مارسيل، الذي نجا من الموت.
ونفى اليوسف أن يكون تحول المثقف لمواقف سياسية أخرى نتيجة تبعيته بالأساس لأيديولوجيا سياسية، “إلا في حدود اضطرته لتقديم تنازلات لأجل الحصول على لقمة”.
لا “كوتا” كردية في رابطة الكتّاب السوريين
أُسست رابطة الكتّاب السوريين عام 2012 من مجموعة من الكتّاب الذين وقفوا ضد النظام السوري بعد اندلاع الثورة، وكان رئيسها المفكر السوري الراحل صادق جلال العظم.
وطلب اليوسف في المؤتمر التأسيسي أن تكون هناك “كوتا” للسوريين الكرد لكنه لم ينجح، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
واعتبر اليوسف أن أدباء سوريين وقفوا ضدّ “كوتا” للكرد في رابطة الكتّاب، “نتيجة تأثير الجهات المتحكمة بملف الثورة، ونتيجة سطوة الماضي على الثقافة والمثقفين”، بحسب رأيه.
غاب الشعر وحضرت الأهازيج
ردد السوريون، في مظاهراتهم في ساحات المدن السورية، عشرات الهتافات والأهازيج والأناشيد التي دعت لإسقاط النظام السوري ورحيل رئيسه، بشار الأسد، وهي أغانٍ لا تزال متداولة حتى اليوم.
“ثورة السوريين كان لها حضورها الكبير في وجدان المبدع السوري”، بحسب رأي اليوسف، مضيفًا أن “ساحات التحرير كما سُميت، شهدت الأغنية والأهازيج والهتافات، ورحنا نسأل: أين الشعر؟ أين القصة؟ أين الرواية؟”.
ويرى إبراهيم اليوسف، الذي صدرت له عشر مجموعات شعرية، أن “الصحافة حاولت أن تكون لسان حال السوريين بالاعتماد على الصورة الإلكترونية، وأن الشاعر السوري لم يواكب النقلة الكبرى للثورة في البدايات”.
ويعتقد اليوسف، وهو مدرس لغة عربية في مدارس القامشلي، أن المبدع السوري كان منبهرًا بالتحول الذي يجري، أما بالنسبة للقصة والرواية فمن الطبيعي أن يتأخرا في الظهور قياسًا لبنية وطبيعة الشعر.
وأشار اليوسف إلى تحولات في بنية النص الإبداعي بعد سقوط الاستبداد، فالنص الشعري صار “يتنصل من الغموض، ويخلع تلك الأثواب البلاغية التي كانت تضيق به، وبات الشاعر يذهب مباشرة إلى المعنى”.
وبقدر المرونة التي يمتلكها الشعر لمواكبة الأحداث الكبرى الجارية في سوريا، يختلف الأمر لدى القصة والرواية، اللتين يرى اليوسف أن لهما شأنًا آخر، إذ يعتبرهما “الفن الأكثر صعوبة”.
وأضاف اليوسف “القصة تتأخر بالظهور قياسًا مع الشعر، ورصدها لوقائع مستجدة وتكوّنها في المخيلة يحتاج إلى زمن أطول، وهو أمر تحتاج إليه الرواية أيضًا كي تولد محملة بالتغييرات التي تحدثها الثورة.
وصدرت منذ عام 2011 عشرات الروايات والقصص القصيرة والمجموعات الشعرية لكتّاب ومفكرين سوريين، من الرعيل القديم للثقافة السورية أو من الشباب، الذين حاولوا توثيق تجاربهم في الشوارع والساحات في أثناء المظاهرات، وتجاربهم القاسية في أثناء الاعتقال في سجون النظام السوري.
خذلان في التغيير
وحول المستقبل السوري على صعيد الفكر والثقافة والإبداع، قال الشاعر إبراهيم اليوسف، “لطالما تفاءلت عشية الثورة وبعد انطلاقتها أن العوائق أمام الثقافة ستسقط، ونكون أمام مثقف جديد مترفع عن قيود الأمس”.
ويرى اليوسف أن “بعض المثقفين الشجعان لم يبالوا بحيواتهم، وواجهوا آلة النظام، ومنهم من لا يزال رهن المعتقلات، أو تمّ تهجيره، أو قضى نحبه، لقاء موقفه لمصلحة شعبه”.
واعتقل النظام السوري عشرات المثقفين والفنانين السوريين ممن أيدوا الثورة السورية، منهم من خرج من المعتقلات وانتقل إلى بلاد الجوار أو أوروبا، ومنهم لا يزال معتقلًا حتى اللحظة.
من هو إبراهيم اليوسف
ولد إبراهيم اليوسف في عام 1960 بمدينة القامشلي في سوريا، وحصل على إجازة في الأدب العربي، ثم عمل في سلك التدريس لمدة 30 عامًا.
كما عمل اليوسف صحفيًا في عدد من الصحف العربية، منها صحيفة “الخليج” الإماراتية، وكسكرتير تحرير في مجلة “مواسم” (توقفت عن الإصدار)، كما أنه عضو سابق في هيئة تحرير مجلة “أوراق”، التي شغل منصب رئيس تحريرها الكاتب السوري الراحل صادق جلال العظم.
صدرت لليوسف عشر مجموعات شعرية، منها “للعشق، للقبرات والمسافة”، و”عويل رسول الممالك”.
كما ألف اليوسف مجموعة قصصية حملت عنوان “شجرة الكينا بخير”، وروايتي “شارع الحرية” و”شنكالنامة”.
وبالإضافة إلى تأليفه للشعر والرواية، أصدر اليوسف كتبًا نقدية حول الشعر والثقافة، منها كتاب “مخاض المصطلح الجديد” و”تحولات النص الشعري”، بالإضافة إلى كتاب “استراتيجية المثقف”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :