عنب بلدي – لؤي رحيباني
تتفاقم ظاهرة الاعتداءات على لاجئين سوريين في لبنان، ولم تقتصر على التمييز العنصري والاعتداء الجسدي واللفظي، في حالات كثيرة وثقها الإعلام اللبناني ومنظمات حقوقية محلية ودولية، بل وصلت إلى مستوى الاعتداءات الجنسية على أطفال قصّر.
في أواخر تموز الماضي، تم الكشف عن عملية اغتصاب جماعي بحق طفل سوري، في بلدة سحمر البقاعية بلبنان، وكشفت التحقيقات حينها أن ثلاثة أشخاص تناوبوا على اغتصاب الطفل (13 عامًا) لما يقارب السنتين.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي حينها مقطع فيديو يظهر الشبان الثلاثة وهم يلحقون بالطفل، ويضربونه، ويجبرونه على القيام بأفعال جنسية معهم.
القضية ضجّ بها الشارع اللبناني، وأخذت منحى يتعدى حدود الدولة، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي حينها وسم #العدالة_للطفل_السوري.
وعلى الرغم من الأبعاد التي أخذتها الحادثة، فإنها لم توقف هذه الظاهرة، ففي 25 من أيلول الماضي، تعرضت طفلتان سوريتان لعملية اعتداء جنسي مماثلة بمدينة صور، جنوبي لبنان.
المحامي طارق شندب : عنصرية جديدة ضد عائلة لاجئيين سوريين في جنوب #لبنان اعتداء جنسي على طفلتين قاصرتين والأمن اللبناني لا يتدخل، بلد تحول فيه بعض المجرمين إلى وحوش في غابة الميليشيا pic.twitter.com/RHiYEIHZfI
— باري القوس (@baryalqous) September 25, 2020
إهمال دولة أم لاجئين؟
أميرة سكر، رئيسة “الاتحاد لحماية الأحداث” في لبنان، تساءلت في حديثها مع عنب بلدي، فيما إذا كانت العائلة المستهدفة قد أبلغت المخفر أو النيابة العامة بالحادثة أم لا، وفيما إذا تمت مراجعة الطبابة الشرعية بالمنطقة.
وأشارت سكر إلى أن كثيرًا من اللاجئين الضحايا لا يحتمون بالقانون، بسبب عدم امتلاكهم وثائق ثبوتية تفيد بإقامتهم في لبنان بشكل قانوني، داعية اللاجئين لاستخراجها لكيلا يقعوا ضحية لابتزاز من جهة ما.
واستدركت أنه ومع ذلك، فإن الاتحاد مستعد لمساعدة جميع الضحايا على اختلاف وضعهم القانوني في لبنان.
“نحن كاتحاد حماية أحداث نتحرك فورًا لمساندة القاصرين، فالأمر لا يتعلق بسوريين وغيرهم إذا كان هناك اعتداء جنسي أو غيره”، قالت سكر، وأضافت، “القانون واضح وعلى مسافة واحدة من كل المعتدين والقاصرين الضحايا (…) الحكومة اللبنانية لا تفرق بين لبناني وغيره في حالات الاعتداء”.
المحامي اللبناني الدكتور طارق شندب أكد تزايد الاعتداءات على اللاجئين السوريين في لبنان “وسط تعتيم إعلامي”، وعلل أسباب تزايد الاعتداءات، في حديث مع عنب بلدي، بـ”الخطاب الطائفي الذي مارسته الحكومة اللبنانية، متمثلة برئيس الدولة، ميشال عون، ووزير خارجيته السابق، جبران باسيل، وحلفائهما، وكذلك حزب الله في الجنوب والبقاع”، واتهمهم بأنهم عملوا على زرع لغة العنصرية تجاه السوريين.
وأشار المحامي إلى أن أغلبية وسائل الإعلام المحلية تقع بيد الحكومة و”حزب الله”، وهي تتستر على الجرائم المرتكبة بحق السوريين.
بالقانون.. كيف نتصرف؟
بحسب ما أوصت به رئيسة “الاتحاد لحماية الأحداث”، أميرة سكر، فإن على الضحايا إبلاغ النيابة العامة بأي حادثة تحصل معهم، وبالتالي يتدخل الاتحاد فورًا عبر اتصالات مع النيابة العامة، ويحضر المندوب الاجتماعي لمواكبة ما جرى ودعم القاصر نفسيًا والتحقيق في القضية، “ثم تُحول الضحية إلى المكتب المختص لحماية الآداب والاتجار في بيروت للمتابعة”.
كما لفتت سكر إلى أنه يمكن للأهل رفع شكوى ضد المعتدين عبر توكيل محامين “على نفقة نقابة المحامين”، مبينة أنه في حال لم يكن الشخص لبناني الجنسية يمكنه اللجوء إلى الأمم المتحدة، موضحة أن “الاتحاد لحماية الأحداث” لا يتدخل في الأمور المتعلقة بالمعتدين وإنما فيما يتعلق بالقصّر الضحايا.
بينما يرى المحامي شندب أنه على الرغم من وجود قوانين تحمي المواطنين واللاجئين في لبنان، فإنه “لا يتم تفعيل هذا القانون بجميع الأحيان”، وقال، “لا أعوّل على منظمة الأمم المتحدة ولا مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، في إشارة منه إلى عدم جدوى اللجوء إليهما.
وفيما يتعلق بالإجراءات الواجب اتخاذها، أوضح شندب أن “على ضحية الاعتداء الادعاء على أي مجرم، فإن لم يستطع فليتوجه إلى محامين مختصين”، مشددًا على أن اللجوء إلى القانون هو السبيل الوحيد لتحصيل الحقوق، ويجب على القانون حمايته.
وبحسب قانون حماية اللاجئين الذي صدّقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1951، يحق للاجئ التمتع بحقوق الحماية، والطبابة، وحرية المعتقد، والتنقل من مكان إلى آخر، والتعليم، والحصول على وثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل، كما يمنع الطرد أو الرد إلى بلد يُخشى فيه من التعرض للاضطهاد.
وخرج عشرات اللاجئين السوريين في وقفات احتجاجية، في أيلول الماضي، ضد سياسة مفوضية الأمم المتحدة في قطع الإعانات عن العديد من السوريين، فضلاً عن تعطيل أذونات السفر إلى أوروبا.
وفي إفادة سابقة لعنب بلدي، قال شادي علية أحد منظمي الوقفات، “اليوم الساعة 8 صباحًا كنا في اعتصام أمام مبنى المفوضية ببيروت للمطالبة بحقوق اللاجئين، ولا حياة لمن تنادي”، ولفت حينها إلى أن موظفي المفوضية يسجلون بيانات اللاجئين، ويسلمون الإعانات لمن لم تشطَب أسماؤهم، بعد انتظار مدة قد تطول لسنة.
وتابع الناشط، “طبعًا وهني ورا مكاتبهن ما بيتنازلوا ويبعثوا حدا من طرفهم ليقيّم وضع الشخص بمكان سكنه (…) في ناس مسجلة من 2013 بالمفوضية ولحد اليوم ما استفادوا بولا ليرة لبنانية”، مؤكدًا أن وقفاتهم الاحتجاجية مستمرة.
آثار نفسية تلازم الضحية
الاستشارية والمختصة في علاج اضطرابات الأطفال النفسية الدكتورة رانيا عبد الرحيم، أوضحت لعنب بلدي أن الاعتداء الجنسي على الطفل يترك آثارًا نفسية لا تقارن خطورتها بالآثار الجسدية الواقعة عليه، ليس فقط وقت الحادثة، وإنما على المدى الطويل، إذ تؤثر على حياة الطفل المستقبلية بشكل عام وعلى نظرته لنفسه وتقديره واحترامه لذاته وعلى ثقته بمن حوله.
وأضافت الدكتورة عبد الرحيم أن للاعتداء الجنسي أثرًا كبيرًا على قدرة الضحية في إقامة علاقة جنسية سليمة بعد الزواج، عازية الأمر إلى التجربة الجنسية الأولى التي وقع ضحيتها الطفل، والتي سوف يكون لها أثر قوي على علاقته الحميمة مع شريك الحياة بالمستقبل.
وتشير الاستشارية إلى أن استذكار الضحية لحادثة الاعتداء يؤدي “إلى النفور والبرود الجنسي، أو إقامة علاقات غير سوية يسعى لها الشخص المعتدى عليه لتدمير نفسه كمحاولة لعقابها”، وهو فعل قهري ناتج عن التجربة الأولى التي تعرض لها.
ويعرف الاعتداء الجنسي على أنه اتصال جنسي غير مرغوب فيه، وقد يصل إلى الشروع في الاغتصاب أو الاغتصاب الفعلي، ويتضمن اللمس الجنسي والتحسس.
الدور الترميمي للأسرة
في حالة الشك بوقوع اعتداء جنسي على الطفل، “يجب أن نحاوره حوارًا هادئًا في وقت مناسب وبخصوصية تامة، مع طمأنة الطفل ووعده بأنه لن يتعرض للعقاب أو اللوم أو الأذى من أي شخص، سواء الذي اعتدى عليه أم الأهل، وأنهم سوف يقومون بحمايته وتفهّم الموقف ولن يؤذوه”، قالت الاستشارية رانيا عبد الرحيم.
وأوضحت أنه في حالة التأكد من وقوع الاعتداء على الطفل، فلا بد من الكشف الطبي عليه فورًا مع تحويله إلى أصحاب الاختصاص في المجال النفسي، من أجل تأمين العلاج النفسي المناسب له، مشيرة إلى أن العلاج يستغرق وقتًا طويلًا ومجهودًا كبيرًا، “ولكن ستكون هناك نتائج إيجابية كبيرة”.
وشددت الاستشارية على أهمية اهتمام الأهل بحياة أطفالهم وسلوكهم، وضرورة إجراء أحاديث معهم حول أحداث يومهم الطبيعية، وكذلك مناقشة جميع المواضيع التي تحدث مع أطفالهم، لافتة إلى أهمية الدعم نفسي للطفل عبر إيصال مشاعر الحب وبوجود السند.
كما أوصت عبد الرحيم الأهل بتوعية وطمأنة أبنائهم بألا يخجلوا من إبلاغ أهلهم بأي حدث أو تحرش يتعرضون له، وألا يفسح الأهل المجال للأطفال للبعد عنهم أو جعلهم يعملون أو يتسولون في الشوارع، “ما قد يعرضهم للاعتداء”.