كيف يطيل رفع الرواتب والأجور أمد الأزمة الاقتصادية في سوريا

  • 2020/10/04
  • 11:00 ص

رجل يقوم بعد مبلغ مالي من العملة السورية (تعبيرية)

عنب بلدي – زينب مصري

يعاني المواطنون السوريون، منذ حوالي عقد من الزمن، من شدة اقتصادية، وينتظر المقيمون منهم في مناطق سيطرة حكومة النظام السوري قرارات من الحكومة الجديدة، المُسماة نهاية آب الماضي، من شأنها إنهاء تلك الشدة وكشف همومهم وتخليصهم من أزماتهم المعيشية.

يترقب الموظفون الحكوميون على وجه الخصوص، بعد مطالب كثيرة، وفاء الحكومة بوعودها برفع رواتبهم الشهرية وأجورهم لقاء عملهم، وعلى الرغم من ارتفاعها بالأرقام فهي لا تسد احتياجات المواطنين الأساسية.

ارتفاع معدلات التضخم في سوريا دفع المواطنين إلى المطالبة برفع رواتبهم، لانخفاض القيمة الحقيقية لدخلهم النقدي، وتراجع مستوى معيشتهم، وانخفاض قدرتهم الشرائية بشكل كبير.

وكان رئيس مجلس الوزراء السوري، حسين عرنوس، قال، خلال جلسة لمجلس الشعب في 24 من أيلول الماضي، إن أولويات العمل الحكومي ضمت سبع نقاط تمس حياة المواطن اليومية.

أولويات على الورق

تشمل تلك الأولويات، بحسب عرنوس، “تعزيز مقومات الصمود الوطني، وتحسين الوضع المعيشي، وتوفير السلع الأساسية، واستقرار الأسعار، وتوفير المشتقات النفطية والغاز والكهرباء، ومعالجة مشكلة مياه الشرب، وتوفير الدواء والتصدي لجائحة فيروس كورونا”.

رئيس الحكومة وعد باستمرارية العمل لزيادة الرواتب والأجور، وفق شرائح، حسب الإمكانات المتاحة، وإعادة النظر بضريبة الدخل على الرواتب والأجور، والعمل على إصلاح النظام الضريبي، موكدًا أن زيادة الرواتب ستكون “قولًا وفعلًا”.

ووسط تحذيرات الأمم المتحدة من كارثة غذائية غير مسبوقة في سوريا، وتوثيق برنامج الغذاء العالمي ارتفاع أسعار المواد 20 ضعفًا منذ عام 2011، ومعاناة حوالي تسعة ملايين سوري من فقدان الأمن الغذائي، لاحظ مواطنون في مناطق سيطرة النظام السوري ارتفاعًا في أسعار مواد أساسية ، تزامن مع إعلان الحكومة الجديدة وعودها حول رفع الرواتب.

دعوة إلى التضخم

عادة ما تؤدي زيادة الرواتب إلى دفع المواطنين درجة نحو الأعلى على سلم المعيشة، وزيادة رفاهية الأفراد في الدولة، لكن زيادتها في سوريا هي دعوة إلى التضخم وارتفاع الأسعار، بحسب رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي.

في حديث إلى عنب بلدي، قال القاضي إنه لطالما كانت المطالب للحكومة بتخفيض الأسعار، وليس برفع الرواتب، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار الناجم عن شح الموارد، والنقص في عرض مواد الوقود وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، والحاجة إلى نقل وشحن البضائع والعمال، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، لأن تكلفتها أصبحت أكبر.

هذا الارتفاع بالأسعار سيؤدي إلى تضخم كبير كما كان سابقًا، بحسب القاضي، إذ يوجد في سوريا تضخم الآن لكنه “مكبوت”، تكبته الأدوات الأمنية للمصرف المركزي فيما يتعلق بانعكاسها على سعر الليرة السورية.

وأضاف القاضي أن المراقب يلاحظ أن انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي ليس طبيعيًا، وإنما هو انخفاض بقوة أمنية، كانت بإغلاق محلات الصرافة وسجن الصرافين وتجميد النشاط الاقتصادي، لم تنخفض معه الأسعار ولم يرتفع مستوى المعيشة للسكان.

ولفت إلى أن الوضع الاقتصادي في سوريا متجه نحو “مجاعة وكارثة”، لا يمكن حلها إلا بأداوت اقتصادية حقيقية، ضمن ظروف حل سياسي وحل سلمي للمسألة السورية بشكل نهائي، وكل ماعدا ذلك من قرارات هو “مكياجات” لا قيمة لها.

وتحدث الباحث الاقتصادي مناف قومان عن العلاقة الراسخة بين زيادة الرواتب والتضخم، إذ كانت قائمة على أساس طباعة أوراق نقدية من دون تغطية إنتاجية أو موارد عملات صعبة.

وقال قومان لعنب بلدي، إن حدوث زيادة في الرواتب سيرفع الأسعار “بشكل دراماتيكي”، لأن كمية النقود المتداولة في السوق لا تتوافق أو تقارن مع كمية الإنتاج.

وتوجد في الأساس فجوة كبيرة بين الإنتاج والاحتياج، بحسب الباحث الذي أكد أن  “تغوّل” النظام باعتماده لتغطية العجز المالي وانخفاض الإنتاج على طباعة المزيد من النقود وزيادة الرواتب سيتسبب في تعميق تلك الفجوة وانخفاض مستمر لقوة المواطنين الشرائية.

ووسط غياب آليات ضبط وتنظيم الأسواق، لا جدوى على الإطلاق من وعود رفع الرواتب، بحسب الباحث، ولن تسهم الزيادة في تخفيف معاناة المواطن المعيشية أو حل المعضلة الاقتصادية في البلاد.

وذلك لأن النظام يدفع ضريبة عجزه في تصحيح مشاكل لطالما أثقلت كاهل الاقتصاد والمواطن، ولا تتوفر بين يديه سوى هذه الآلية، وإلا عليه الرضوخ للقرارات الدولية وبدء عملية انتقال سياسي للسلطة، وهذا غير موجود في قاموسه.

“لا عدالة” لموظفي القطاع الخاص

ويؤثر رفع رواتب الموظفين الحكوميين وموظفي القطاع العام على عدالة توزيع الدخل في الدول، وذلك لأن ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم تنعكس بشكل سلبي على المواطنين غير الموظفين أو العاملين في القطاع الخاص.

وقال الدكتور أسامة القاضي، إن ثلث العمالة في سوريا فقط، التي يتجاوز عددها خمسة ملايين عامل، تعمل في القطاع العام، والثلثين الآخرين يعملان في القطاع الخاص، بشكليه المنظم وغير المنظم، حتى قبل عام 2011، ما يُفضي إلى أن المعني برفع الرواتب هو فقط ثلث العمالة السورية، والبالغ عددها تقريبًا مليونًا و600 ألف عامل، ما سيؤدي إلى “ظلم” أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون عامل في القطاع الخاص.

وذلك لأن ارتفاع الأسعار الذي سينجم بشكل تلقائي عن زيادة الرواتب، لا يتناسب مع الزيادة، وعلى فرض أن نسبة ارتفاع الأسعار متماثلة مع نسبة زيادة الرواتب، فقد “يُظلَم” ثلثا العمالة في سوريا.

مخصصات في موازنة العام الجديد

طرح المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي في حكومة النظام السوري، في 27 من أيلول الماضي، الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2021، التي بلغت 8500 مليار ليرة سورية في الشقين الاستثماري والجاري.

وقال وزير المالية، كنان ياغي، إن النفقات العامة في موازنة عام 2021 موزعة على نفقات جارية (رواتب، أجور، تعويضات) بنحو سبعة تريليونات ليرة سورية، و1500 مليار ليرة سورية على الإنفاق الاستثماري.

في حين بلغت مخصصات الدعم الاجتماعي 3500 مليار ليرة سورية موزعة على دعم الدقيق التمويني، ودعم المشتقات النفطية.

وبحسب سعر صرف الدولار الأمريكي المحدد من قبل المصرف المركزي، بلغت موازنة الحكومة السورية 6.8 مليار دولار أمريكي، في حين تبلغ الموازنة حوالي 3.8 مليار دولار بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.

وسجل سعر صرف الدولار الأمريكي 2245 ليرة سورية، في 30 من أيلول الماضي، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الصرف والعملات الأجنبية.

موقع “الاقتصادي” المحلي نقل عن الباحثة الاقتصادية رشا سيروب قولها، إنه رغم تخصيص سبعة تريليونات ليرة سورية كاعتمادات جارية، لا توجد زيادة مرتقبة في الرواتب بمشروع موازنة العام المالي الجديد.

ولا تشير زيادة الاعتمادات الجارية إلى احتمال زيادة الرواتب والأجور، لأنها عبارة عن إدراج الزيادة التي حصلت على الرواتب نهاية 2019 في موازنة 2021، والتي كان من المفترض أن تُدرج بموازنة 2020، بحسب ما نقله الموقع عن الباحثة.

وقال الباحث مناف قومان، إن النظام السوري زاد الرواتب مرات عدة خلال السنوات الماضية، وهو يعرف جيدًا أن أي زيادة في الرواتب ستلحقها زيادة بالأسعار، لكن لا توجد بيده سوى هذه الحيلة للتهرب من استحقاقاته، وإذا لم يقم بها في هذه الموازنة قد يقوم بها في الموازنة المقبلة.

وتعد مخصصات الرواتب والأجور من المخصصات الإلزامية للدولة، التي لا يمكن تأخيرها في حالة وجود أي صعوبات مالية.

ويؤثر رفع الرواتب في قدرة الدولة على توفير مزيد من الخدمات، لهذا فإن تراجع حجم الخدمات الحكومية قد يكون نتاجًا جزئيًا لارتفاع الأجور والرواتب.

كما ترفع الزيادة من التزامات الدولة المالية على الأمد الطويل، بسبب صعوبة تخفيض الرواتب عند تراجع الإيرادات، وقد تضطر الدولة إلى السحب من احتياطياتها المالية، للتعامل مع الالتزامات المالية المستقبلية.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية