أطلقت إدارة مشروع “ماروتا سيتي” خريطة تفاعلية لمعرفة الأعمال المنجزة في المشروع، وذلك في حزيران الماضي، بالإضافة إلى نشرها المواصفات التي تتضمنها الأبراج الحاصلة على قرار رخصة البناء وبدء التنفيذ، وكان من ضمن المواصفات احتواء المشروع على نظام نمذجة معلومات البناء (Building Information modeling) المعروف اختصارًا بـ”BIM”.
تناقش هذه المادة إمكانية تطبيق هذا النظام في صناعة الإنشاء في سوريا، خاصة في مشاريع إعادة الإعمار بالتزامن مع انحسار العمليات العسكرية ضمن مدن سورية محددة.
ما هو نظام نمذجة معلومات البناء (BIM)
يتطلب أي بناء سكني أو تجاري أو صناعي أو حتى في البنى التحتية، التعاون بين مجموعة من المهندسين من مختلف التخصصات، وكل مهندس يعمل ضمن تخصصه بهدف إتمام الجزء المسؤول عنه في المشروع.
وتكمن المشكلة في بعض الأوقات بضعف التعاون بين أعضاء المشروع أو الفهم الخاطئ بينهم، ما يؤدي إلى مشاكل أكبر في أثناء التنفيذ، الذي يسبب بدوره خسارات اقتصادية للأعضاء القائمين على المشروع.
ويعمل نظام “BIM” من خلال ربط عدة برامج تقنية هندسية، مثل برنامج “Autodesk Revit” و”AutoCAD“، تعمل على دمج التصميمات الإنشائية والميكانيكية والكهربائية والمعمارية، وتقوم بمحاكاة جميع وظائف هذه التصميمات مع بعضها، لتمكن المهندس من التصميم بشكل أدق وتساعده على إنتاج المخططات المختلفة والمنفصلة.
ويعتمد نظام “BIM” مبدأ البناء الافتراضي عبر جهاز الحاسوب لإنتاج التصور الثلاثي الأبعاد للمنشأة بكل تفاصيلها، بحسب ما شرحه المهندس المدني السوري إبراهيم العلوش لعنب بلدي، بحيث يستطيع فريق العمل إنتاج جميع المخططات والرسومات التفصيلية وتلافي المشكلات التي تنتج عن تداخل عمل الاختصاصات الهندسية المختلفة، وكذلك دراسة ظروف التنفيذ ومشاكله المتوقعة وطريقة التعامل معها بالدقة والسرعة المناسبتين، بالإضافة إلى وضع الجدول الزمني وحساب التكلفة المترتبة لإنجاز المشروع وتشغيل إدارته فيما بعد.
ومن خلال نظام “BIM” يستطيع فريق العمل المؤلف من مجموعة من المهندسين المعماريين والإنشائيين والكهربائيين والميكانيكيين العمل بنفس الوقت على الملف ذاته، وفق المهندس المدني العلوش.
ويتضمن الملف البناء الافتراضي للمشروع، وبهذا الشكل يقوم الفريق بالتعديلات والتحديثات المطلوبة على التصميم، وتلافي حصول خلل في دقة المعلومات أو تضارب بين الاختصاصات، وتتم معالجة المشكلات بسرعة كبيرة، واعتماد الحلول وتعميمها بشكل مباشر، وإجراء التحديث المطلوب، وضمان مواكبة كل الاختصاصات لهذا التحديث.
ما إمكانية تطبيق هذا النظام في صناعة الإنشاء السورية
بالمقارنة مع تطبيقات نظام “BIM” في البلدان المتقدمة، يتمثل التطبيق الناجح لهذا النظام في صناعة الإنشاء في سوريا بإحداث تغييرات أساسية في ثقافة وأنظمة صناعة الإنشاء لدى جميع أطراف هذه الصناعة وفي جميع مراحلها (تصميم، وتنفيذ، وتشغيل، واستثمار)، وفقًا لما قاله المهندس العلوش.
ويجب أن يكون التغيير، وفق العلوش، في آلية تأمين موارد المشروع، من عمالة ومواد إنشاء، بما في ذلك تحضير عقود المقاولين والموردين وغيرهم من الأطراف الأخرى في المشروع، لأن الخلافات بين أطراف المشروع تؤثر سلبًا على زمن وتكلفة المشروع.
سرعة نظام “BIM” لا تتلاءم مع بطء المشاريع
ويساعد “BIM” في تقليل فترة التصميم للمنشأت، ولكن ذلك لا يتلاءم مع تأخر المشاريع الإنشائية في سوريا، إذ إن “الأمر أكثر تعقيدًا من وجود منصة ربط البرامج التصميمية”، لأن تداخل الصلاحيات وعدم وضوحها بشكل دقيق هو من أسباب التأخير، وقدرة الشركات المنفذة على التلاعب بالقانون، بالإضافة إلى “تجنب الغرامات الناتجة عن التأخير، مثل الإسكان العسكري سابقًا، وغيره من شركات القطاع العام، وحتى شركات القطاع الخاص المحسوبة على المسؤولين وأبنائهم وممن يحمونهم من القانون ومن الغرامات المتوجبة بسبب التأخير”، وفق العلوش.
وعدم انتظام التمويل للمشاريع الإنشائية في سوريا من الأسباب المهمة للتأخير، بالإضافة إلى فساد إدارة المشاريع العامة.
ويعتبر مشروع مجمع “يلبغا”، الذي توقف بناؤه أكثر من مرة خلال 35 عامًا، مثالًا للإهمال والفساد السياسي والاقتصادي والإداري في حكومة النظام السوري، إذا ما قورن مع غيره من المشاريع التي أُقيمت في دول الجوار وأُنجزت في أوقات قياسية.
اقرأ: مجمع “يلبغا”.. حكاية أربعين عامًا من الفساد والإهمال
وزار المهندس المدني إبراهيم العلوش مشروع تنفيذ أساسات مجمع “يلبغا” عام 1985، ووفقًا لما يعتقده، فإن المشروع لم يتم استثماره بشكل كامل حتى اليوم.
قوانين لا تتناسب مع نظام “BIM”
نظام “BIM”، الذي ما زال قيد التطوير عالميًا، يحتاج إلى دولة قادرة على فرض القانون، وقضاء نزيه لا يتم التلاعب به لمصلحة المستثمرين، وعقود ضمن “منظومة قانونية صلبة”، وفق تعبير المهندس العلوش، فالبيئة الحالية لأعمال البناء والإنشاء وما يحكمها من قوانين هي “غير مناسبة لتطبيق هذا النظام”، ومن الضروري إجراء تعديلات على القوانين النافذة وأشكال عقود الدراسة والإشراف بما يتناسب مع هذا النظام، وإحكام الرقابة على عمليات الاستيراد والتصنيع ومطابقة المواصفات، وتحقيق التنوع المطلوب في كل المنتجات المطروحة في الأسواق.
كما يؤدي غياب مبدأ الملكية الفكرية في الأعمال الهندسية في سوريا، أو “التناص الهندسي” (استخدام تصميم ما دونما وجه حق)، إلى كثير من المشاكل والنزاعات القضائية عند تطبيق نظام “BIM”، بحسب المهندس العلوش، لذا فمن الضروري تطوير أنظمة حماية الملكية الفكرية لتشمل أعمال التصاميم للمشاريع أيضًا، وخاصة في الوقت الحالي، إذ من الممكن بسهولة السرقة والتقليد باعتبار أن التصميم يكون إلكترونيًا في معظمه.
و”البرامج الهندسية هي برامج مقرصنة في الغالب وغير نظامية، فقطاع البرمجيات في سوريا لا يحظى بأي حماية فعلية من القرصنة” وفق ما قاله المهندس العلوش.
ولا تزال تجربة نظام “BIM” جديدة حتى في الدول الغربية، ولم تأخذ مكانًا كبيرًا إلا لدى الشركات الكبيرة، ومنظومة “BIM” تفتقر إلى كثير من الترابط بين أجزائها.
وبدأت تخصصات هندسية بالظهور في فرنسا مثلًا لدراسة هذا النظام، وهناك تسمية “مهندس BIM” من أجل حسن الربط وإدارته، و”تحتاج المشاريع في سوريا إلى الكثير قبل الوصول إلى هذا المستوى”، وفق المهندس العلوش.
كما أن للاستقرار الاقتصادي والأمني دورًا في إنجاح أي تجربة هندسية يدخل فيها نظام “BIM”، وهذا ما يتنافى مع الوضع في سوريا، إذ شملت حزمة العقوبات الأمريكية الأولى بموجب قانون “قيصر”، في حزيران الماضي، شركات اقتصادية تستثمر في مشروع “ماروتا سيتي”.
وأهم هذه الشركات ”دمشق الشام القابضة” التابعة لمحافظة دمشق، التي تعتبر الشركة الأم في المشروع، وأسست عدة شركات مع مستثمرين.
–