أثارت المعارك المندلعة بين دولتي أذربيجان وأرمينيا مواقف دولية اختلفت بين إعلان المشاركة بالصراع، وبين دعوات إلى ضرورة وقف إطلاق النار، كما سلّطت الضوء على الدور الروسي في حياكة شباك الأزمة على مدى السنوات السابقة.
واندلعت معارك صباح اليوم، الأحد 27 من أيلول، بين الجيشين الأذربيجاني والأرميني في المنطقة المتنازع عليها “ناغورني قره باغ”، وسط تبادل الطرفين مسؤولية بدء الأعمال الهجومية.
معارك اليوم في منطقة النزاع ليست جديدة، فهي امتداد لمعارك مستمرة بين الدولتين السابقتين في الاتحاد السوفيتي منذ عقود، ترافقها مواقف دولية متباينة في انحيازها للدول المتنازعة.
تركيا حليف الأذريين التاريخي
برزت تركيا في الأزمة المذكورة بموقف واضح إلى جانب أذربيجان، ولم يقتصر موقفها على التصريحات، إذ رُصدت تحركات لطيران تركي مسيّر عن بُعد، والمعروف باسم “بيرقدار”، أمس السبت، أقلع من أذربيجان.
ونشر المختص برصد حركة الملاحة الجوية مانو جوميز، عبر صفحته في “تويتر” اليوم، الأحد، صورة توضيحية لـ”بيرقدار”، وقال، “كانت طائرة دون طيار تركية من طراز (بيرقدار TB2) تدور الليلة بالقرب من الحدود الأرمينية”، بحسب ما ترجمته عنب بلدي.
https://twitter.com/GDarkconrad/status/1310117603793305601
كما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع تركية لقطات جوية في أثناء استهداف طائرات قالوا إنها من طراز “بيرقدار” لدفاعات أرمينية، ولم تتأكد عنب بلدي من دقة هذه المقاطع، كما لم ترصد تصريحات رسمية بهذا الخصوص من مصادر رسمية تركية، حتى ساعة إعداد التقرير.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نشر عبر حسابه في “تويتر“ عدة تغريدات، شدد فيها على عزم بلاده على دعم أذربيجان “بكل الإمكانيات”، كما دعا العالم إلى الوقوف بجانب أذربيجان في كفاحها ضد “الاحتلال الأرميني”.
كما أعرب أردوغان عن أسفه لابتعاد ثلاثي مجموعة مينسك (تتولى رئاستها كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا) عن التصرف الموجه نحو الحل، والمتهاون منذ قرابة 30 عامًا حيال قضية إقليم قره باغ.
وأكد أن “تركيا ستواصل تعزيز تضامنها مع الأشقاء الأذربيجانيين انطلاقًا من مبدأ شعب واحد في دولتين”.
من جانبه، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في بيان نشره اليوم، الأحد، إن “موقف أرمينيا العدواني يعد أكبر عقبة أمام السلام والاستقرار في القوقاز، وعليها التراجع فورًا عن العدوان”، بحسب “الأناضول”.
وأضاف، “ندين الهجوم الأرميني، وسنقف بكل إمكانياتنا إلى جانب إخوتنا الأذربيجانيين في الدفاع عن وحدة أراضيهم”.
في حين وصف رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، أرمينيا بـ”الدولة الإرهابية التي تهدد أمن أذربيجان والمنطقة بأكملها”.
بدوره، أدان نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، “العدوان الأرميني” على الأراضي الأذربيجانية، قائلًا إن أرمينيا أظهرت للعالم مجددًا أنها لا تلتزم بالقوانين والعهود.
وتعود الخلافات بين “دولتي القوقاز” لأسباب عرقية ودينية وسياسية متنوعة، لكن قضية مرتفعات قره باغ (كاراباغ) لا تزال أكبر عقبة قائمة بين البلدين، وسط مخاوف من إمكانية انزلاقهما إلى حرب إقليمية شاملة.
وتشكل الأغلبية التركية المسلمة الأساس المجتمعي لأذربيجان، وينتمي الأذريون إلى القومية التركية، كما تعد أذربيجان عضوًا مهمًا في المجلس التركي الذي أنشئ عام 2009 ويبلغ عدد أعضائه سبع دول.
وكانت تركيا أول دولة اعترفت بجمهورية أذربيجان بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991.
أوروبا تدعو للتهدئة.. ماذا عن صفة “الانفصالية”؟
أعرب رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، اليوم الأحد، عن قلقه من الاشتباكات الدائرة على خط الجبهة بين دولتي القوقاز، ودعا إلى وقف الحراك العسكري بالمنطقة.
بدوره عبر “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) عن قلقه من المعارك المندلعة بين الطرفين، وهو ما عبرت عنه فرنسا وأوروبا.
وقال “الناتو” على موقعه الرسمي، “يشعر الناتو بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن أعمال عدائية عسكرية واسعة النطاق على طول خط التماس في منطقة نزاع ناغورني قره باغ”، ودعا الجانبين إلى وقف الأعمال العسكرية التي تسببت بسقوط ضحايا مدنيين.
على الرغم من الدعوات الأوروبية المتتابعة لوقف القتال الفوري بين الجيشين، فإن وكالات فرنسية وألمانية استخدمت في أخبارها وتقاريرها صفات قد تشي بموقف مغاير للتصريحات الأوروبية.
صفة “الأرمينيون الانفصاليون” لازمت عناوين وأخبار عدة وكالات أوروبية رسمية، إذ قالت القناة الحكومية الألمانية “DW”، إن رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، دعا اليوم، الأحد، إلى “وقف القتال بين الجيش الأذربيجاني و(الانفصاليين) الأرمينيين، في منطقة ناغورني قره باغ والعودة فورًا إلى المفاوضات دون شروط”.
كذلك عنونت وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) أحد أخبارها بـ”قتلى في مواجهات عنيفة بين الجيش الأذربيجاني و(انفصاليين) أرمينيين في قره باغ”.
تماهٍ روسي- إيراني
وكما الاتحاد الأوروبي، دعت وزارة الخارجية الروسية اليوم، أذربيجان وأرمينيا لوقف الاشتباكات على خط الجبهة بين البلدين، والجلوس على طاولة الحوار.
وبحث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، الخلافات العسكرية بين الطرفين، بحسب وكالة “الأناضول“.
ولم يختلف الموقف الإيراني عن الروسي، إذ نقلت وكالة “فارس” الرسمية الإيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، قوله، “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتابع عن كثب الاشتباكات العسكرية بين جمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينيا، وتدعو الطرفين إلى ضبط النفس ووقف فوري للصراع وبدء المحادثات بين البلدين”.
كيف عملت روسيا على تسليح دولتي القوقاز؟
واصلت روسيا على مدى سنوات عمليات بيع الأسلحة لكلا الجانبين الطامحين إلى امتلاك أسلحة، بما يحقق توازن قوى لكل منهما، فهدف أذربيجان إنهاء ما تصفه بـ”احتلال أرمينيا للإقليم”، والأخيرة تود بقاء الوضع الراهن كما هو على الأرض.
كما أن وجود النفط والغاز الوفير في الأراضي الأذربيجانية أسهم في استمرار سباق التسلح الذي تستفيد منه روسيا ماديًا، فقد تمكّنت أذربيجان ما بين عامي 2004 و2014 من زيادة إنفاقها العسكري 20 مرة.
كما اعتمدت أرمينيا في تسلحها على روسيا، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي المتمثل بتمركزها على المرتفعات الاستراتيجية، ما يجعلها شريكًا قويًا لروسيا في الدفاع الجوي والتدريبات العسكرية.
وكانت أذربيجان اعترضت على صفقة وقعتها موسكو مع العاصمة الأرمينية يريفان، إذ تلقت الأخيرة بموجبها قرضًا روسيًا بقيمة 200 مليون دولار خُصص لشراء الأسلحة من موسكو، ورأت أذربيجان حينها أن نوعية الأسلحة التي حصلت عليها أرمينيا تهدد تفوقها الدفاعي التكتيكي.
–