حمص – عروة المنذر
“أعاني صعوبة كبيرة في تأمين رغيف الخبز، وما باليد حيلة، فالخبز الحكومي يصعب الحصول عليه، لأن الطابور يستغرق الوقوف ساعات طويلة، إضافة لرداءة نوعيته، أما الخبز الحر العائد للفرن الخاص الموزع لقريتنا فهو غير متوفر نظرًا إلى عدم تجديد رخص المخابز”.
بهذه الكلمات تروي خديجة محمود، من سكان قرية الفرحانية بريف حمص الشمالي، لعنب بلدي معاناتها اليومية في تأمين قوتها واحتياجاتها اليومية من مادة الخبز.
وتشمل هذه الأزمة مدن ريف حمص الشمالي، كالرستن وتلبيسة وقرى الحولة، التي يعاني سكانها من الحصول على الخبز أيضًا.
نوري النجار، أحد سكان قرية الفرحانية، أرجع أزمة الخبز إلى رفض الأمن السوري إعطاء الموافقة الأمنية للأفران الخاصة لتباشر عملها، بحجة عملها السابق مع المنظمات الإغاثية في أثناء سيطرة المعارضة.
وتابع نوري، “الحكومة سبب أساسي في الأزمة، فهي تقف عائقًا أمام عدد كبير من الأفران الخاصة وتمنعها من الدخول في خط إنتاج الرغيف”.
“لا موافقات أمنية”
على الرغم من الأزمة الكبيرة في تأمين مادة الخبز وطوابير الانتظار الطويلة، التي يعاني منها المواطنون في جميع المحافظات السورية ومنها ريف حمص الشمالي، تعتبر موافقة الأمن الوطني شرطًا ضروريًا لتعمل الأفران الخاصة، ولم يستطع أصحاب الأفران الخاصة الحصول عليها رغم عرضهم مبالغ ضخمة.
محمد نور (اسم مستعار لأسباب أمنية) مالك فرن خاص في مدينة تلبيسة قال لعنب بلدي، إنه “بعد اتفاق المصالحة (في أيار 2018) بدأت بتجديد رخصة الفرن الذي أملكه، لكن موافقة الأمن الوطني حالت دون ذلك”.
تحرك محمد نور بكل الطرق الممكنة، ويقر بأنه عرض رشوة قدرها 25 مليون ليرة على أحد رؤساء الأفرع الأمنية في حمص مقابل الموافقة، إلا أنه لم يستطع استصدار الموافقة من مكتب الأمن الوطني بدمشق.
وأضاف مالك الفرن، “خلال فترة سيطرة المعارضة على المنطقة نُفذت عدة مشاريع للخبز مع المنظمات والمجلس المحلي في المنطقة، وكان هذا السبب الرئيس في الامتناع عن تجديد الرخص”.
وأوضح أن أكثر من 15 فرنًا في ريف حمص الشمالي تعاني من هذه المشكلة، بسبب العمل سابقًا مع المعارضة، حتى الفرن الخاص بشعبة “الهلال الأحمر” مُنع من العمل لنفس السبب.
تدمير الأفران عقّد المشكلة
مع مرور أكثر من عامين على اتفاق “التسوية” بين فصائل المعارضة المسلحة وقوات النظام، ما زالت منطقة ريف حمص الشمالي تعاني من ضعف الخدمات الحكومية.
ومنذ سيطرة النظام السوري على ريف حمص، صارت أزمة الخبز حديث الناس الدائم، دون حلول واقعية تنصفهم وتؤمّن المادة لهم.
كما عمدت قوات النظام خلال النزاع المسلح الذي شهدته المنطقة إلى تدمير البنى التحتية الخدمية، خصوصًا الأفران في مدينة الرستن، التي تغذي منطقة ريف حمص الشمالي بالخبز، إذ دُمّرت بشكل كامل.
تعرض الفرن الآلي الحكومي في مدينة الرستن والوحيد في المنطقة للقصف من قبل قوات النظام، منذ عام 2012، كما تعرض للسلب والسرقة.
وقبل اتفاق “التسوية” في المنطقة، أعادت منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” تجميع ما تبقى من خطوط الإنتاج ونقلها إلى بناء جديد، وتجهيز فرن الرستن بمولدة كهربائية، بالإضافة إلى تقديم أعمال الصيانة الدورية لجميع أجزاء الفرن.
لكن حكومة النظام السوري منعت الأفران الخاصة التي رمّمتها جمعيات ومنظمات من العمل، وسط معضلة إعادة ترميم الأفران العامة.
احتكار الحكومة إنتاج المواد الأساسية
رغم الأزمة الخانقة التي تمر بها سوريا، لا يفسح النظام السوري المجال للقطاع الخاص للدخول على خط إنتاج المواد الأساسية، كاستيراد المحروقات وتشغيل مخابز خاصة ضخمة واستيراد الطحين أو القمح.
أما على صعيد المواد التموينية فتدخل شركات القطاع الخاص بشكل حذر، وكانت رخص الاستيراد حكرًا على طبقة من التجار المتنفذين القريبين من العائلة الحاكمة والداعمين لها، مثل حصر استيراد السكر بشركة “عبر الشرق” التي تعود ملكيتها إلى قريب زوجة رئيس النظام السوري طريف الأخرس.
طوابير طويلة على الأفران الحكومية
يضطر المواطنون للوقوف لساعات طويلة على طوابير الأفران الحكومية للحصول على الخبز.
وفي 15 من أيلول الحالي، أرجع مدير المخابز، زياد هزاع، سبب الازدحام الشديد على المخابز إلى زيادة الطلب على الخبز والاستجرار الكبير له في الآونة الأخيرة، بحسب ما نشرته صحيفة “تشرين” الحكومية.
ونفى هزاع وجود نقص في الطحين بقوله، “الدقيق مُؤمّن، ومستلزمات صناعة الرغيف من دقيق وخميرة ومحروقات جميعها مؤمّنة بما يغطي حاجة سوريا”.
وأضاف أن مستهلكي الخبز السياحي عادوا لشراء الخبز التمويني نظرًا لارتفاع سعر الخبز السياحي، ما اضطر الشركة لتشغيل المخابز بالطاقة القصوى وعلى المولدات أحيانًا بسبب انقطاع الكهرباء المستمر، الأمر الذي عطّل بعض المخابز وأوقف بعضها الآخر عن العمل، بحسب تعبيره.