ست إجابات حقوقية حول تحرك هولندا ضد النظام السوري

  • 2020/09/27
  • 12:00 ص

شعار وزارتي الخارجية الهولندية وحكومة النظام السوري وخلفهما محكمة العدل الدولية (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – صالح ملص

ارتكبت ميانمار جنوب شرقي آسيا جرائم ضد قومية “الروهينغا”، بما في ذلك القتل والاغتصاب وإحراق الممتلكات، وبلغت الانتهاكات ذروتها خلال حملة التطهير العرقي في 2017، وأُجبر أكثر من 740 ألفًا من “الروهينغا” على الفرار إلى بنغلادش.

رفعت غامبيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تقول فيها إن فظائع ميانمار ضد “الروهينغا” تنتهك مختلف أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها “اتفاقية الإبادة” (غامبيا وميانمار طرفان فيها)، التي تسمح بعرض النزاعات بين الأطراف على محكمة العدل الدولية.

وأمام ذات المحكمة ولأسباب تتقاطع مع انتهاكات حقوق الإنسان، قدمت هولندا مذكرة لحكومة النظام السوري تدعوها من خلالها لأداء مسؤولياتها الدولية بسبب التعذيب في مراكز الاعتقال التابعة للنظام، واستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.

وأفاد بيان صادر عن مجلس النواب الهولندي، في 18 من أيلول الحالي، أنه جرى تقديم مذكرة إلى البعثة السورية لدى الأمم المتحدة، تدعو فيها النظام إلى محادثات حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها في سوريا.

وتعتبر هذه التحركات أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي “إشارة مهمة إلى الديكتاتوريين الآخرين في هذا العالم”، كما قال رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، الذي أكد ضرورة هذا الإجراء القانوني.

وأضاف، “لدينا مؤشرات على أننا قد نحصل على دعم دول أخرى” في متابعة القضية.

دعم دولي ومحلي

قال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إنه يرحب بالمبادرة الهولندية لتحميل النظام السوري مسؤولية التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى، في إشارة إلى احتمالية انضمام بلدان أخرى إلى هذه التحركات القانونية ضد النظام السوري.

بدوره، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، في بيان نشرته وزارة الخارجية عبر حسابها في “تويتر”، في 22 من أيلول الحالي، إن الولايات المتحدة ترجب بمبادرة هولندا بمحاسبة النظام عن انتهاكاته لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي تعد كل من سوريا وهولندا طرفًا فيها.

وأضاف البيان أنه لا يمكن أن يكون هناك حل دائم للصراع السوري “دون مساءلة النظام السوري ورئيسه عن معاناة الشعب السوري”.

ورحبت 42 منظمة من منظمات المجتمع المدني السوري بقرار الحكومة الهولندية بمحاسبة سلطات النظام في دمشق، وأكدت ضرورة دعم الدول لهذه الخطوة واتخاذ خطوات مماثلة من دول أخرى.

هذا التحرك القانوني قد يصب في محكمة العدل الدولية، لكن في بداية الأمر يجب أن تكون هناك مرحلة للتفاوض بين هولندا وحكومة النظام السوري، وفق الفقرة الأولى من المادة “30” من اتفاقية “مناهضة التعذيب”، التي تلزم الدول الأطراف بمعالجة الخلاف بخصوص تفسير أو تطبيق المعاهدة من خلال التفاوض أولًا، وإذا فشل التفاوض بإمكان هولندا التوجه إلى التحكيم قبل إحالة الأمر إلى محكمة العدل الدولية في حال فشل الخيارين الأولين.

والتفاوض هنا يعود لما ستضعه هولندا على الطاولة مع حكومة النظام السوري، بحسب ما قاله المحامي لدى مركز “جيرنيكا 37 للعدالة الدولية” إبراهيم العلبي، لعنب بلدي.

ويشارك مركز “جيرنيكا 37” الحقوقي بالعمل مع الحكومة الهولندية في هذه القضية، وتقديم المذكرة الخاصة بانتهاك النظام لبنود اتفاقية “مناهضة التعذيب” التي تعتبر كل من هولندا وسوريا عضوين فيها.

لماذا محكمة العدل الدولية؟

“ما يشاع أن هولندا كانت تستطيع تحريك القضية أمام محكمة الجنايات الدولية هو أمر غير صحيح”، بحسب ما أوضحه العلبي.

ولا تستطيع هولندا إجبار محكمة الجنايات الدولية على قبول اختصاصها في الدعوى، لأن هذا الأمر تابع للمحكمة ولا تستطيع هولندا تغيير ذلك، وفق العلبي، ولكنها تستطيع التحرك أمام محكمة العدل الدولية لأن كلا الطرفين جزء من الاتفاقية التي تخول الدول الأطراف اللجوء إلى المحكمة في حال خالفت إحداها بنود الاتفاقية.

لماذا الآن؟

وصف حقوقيون سوريون التوجه الهولندي لمقاضاة النظام السوري في لاهاي بـ”التحرك المتأخر”، معتبرين أن مقاضاة النظام السوري على جرائمه وانتهاكاته كان يجب أن تكون على سلّم أولويات المجتمع الدولي.

ولكن العلبي ذكر أن توقيت التحرك القانوني الهولندي يرجع لتقدير الحكومة هناك، بالاستناد إلى “عوامل دولية وعوامل محلية هولندية”، ولكن “التوقيت الآن مهم لأن ملف حقوق الإنسان في سوريا بدأ يغيب. هذه الحركة تعيده إلى الساحة”.

وهناك كثير من المعتقلين الذين يتعرضون للعذيب، ولا يملكون أي فرصة للتحدث عن حقوقهم طالما لم يعمل الأفراد والمراكز الحقوقية المختصة على ذلك، خاصة أن لدى النظام “محاولة لتعويم الجرائم التي تُرتكب في سوريا وهذه التحركات في هذا الوقت تمنع ذلك”، كما ذكر العلبي، وضرورة هذه التحركات تأتي لمنع إبقاء النظام محصنًا من أي محاسبة سياسية في مجلس الأمن، حيث تساعد روسيا والصين، عن طريق “الفيتو”، بمنع أي محاسبة سياسية حقيقية تقترب من النظام السوري في الأمم المتحدة.

كم ستطول مدة التقاضي؟

مدة تقاضي حكومة النظام السوري بإمكانها أن تأخذ فترة زمنية طويلة يصعب تخمين نهايتها، بسبب تعقيد القضية والأدلة، وفق إبراهيم العلبي، لكن محكمة العدل الدولية تملك صلاحية الطلب من حكومة النظام إجراءات مؤقتة لوقف التعذيب، وهذه الإجراءات تأخذ عدة أشهر، وهي ملزمة التطبيق أيضًا.

فرض هذه الإجراءات من قبل محكمة العدل الدولية وفقًا للمادة “41” من ميثاق المحكمة يلزم الدولة المستهدفة باتخاذ خطوات معينة، لضمان الحفاظ على حقوق الطرف الآخر المتضرر وهو هولندا التي تُمثل المعتقلين داخل مراكز الاعتقال.

وبإمكان الدولة المتقدمة بالشكوى للمحكمة أن تضمّن في دعواها طلبًا لمجموعة من هذه التدابير الطارئة، وتعتبر قضية غامبيا ضد ميانمار أحدث مثال حي في هذا السياق، إذ طالبت غامبيا أن تفرض المحكمة مجموعة من التدابير الطارئة والسريعة على ميانمار لحين البت في القضية التي كانت مرفوعة في سياق مشابه للسياق السوري.

وحتى لو طالت مدة التقاضي، يعتقد العلبي أنها “فرصة لعرض الأدلة المهمة بشأن التعذيب على المستوى الدولي”.

ما النتيجة المرجوة؟

بدء تحركات الدول الأطراف في الاتفاقية ضد حكومة النظام السوري تعتبر مهمة كونها ستكون ملف إدانة ضد جرائم التعذيب المرتكبة في سوريا على المستوى الدولي، التي تؤسس لملاحقات وضغط ومحاسبة بطرق مختلفة وإعطاء الفرصة لعرض الأدلة، وفق العلبي.

كما أن هذا التقاضي يساعد على عدم إرجاع اللاجئين إلى سوريا قسرًا، خاصة الموجودين في دول أوروبية، وهذا يعود بحسب قدرة المنظمات الحقوقية على توظيف هذه الموضوع في القضية.

وإذا وصلت هذه القضية إلى محكمة العدل الدولية فستعطي الفرصة لكثير من جرائم التعذيب التي ارتكبت وللشهود والأدلة أن تعرض في “أعلى محكمة دولية”، بحسب العلبي، و”هذا يثبّت على النظام جرائم التعذيب ويمنعه من الالتفاف على تلك الجرائم أو حتى شرعنتها بطريقة أو بأخرى”.

“صحيح أن الجميع يعلم أن النظام يعذّب، ولكن كلما أخذنا الحجة من سلطة أعلى، كانت الحجة أقوى لمن يحاول غض الطرف”، بحسب العلبي.

وهذه الحركة تؤسس أيضًا لتحركات قانونية أخرى على مستوى دول أخرى إقليميًا وعالميًا تجاه الجرائم التي ارتكبت في سوريا، وتُستخدم كحجة ضد جرائم النظام وحلفائه.

يقصد بـ”التعذيب” وفق الاتفاقية بأنه “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديًا كان أم عقليًا، يلحق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز، أيًا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”.

ومن الممكن أن يُفرض على حكومة النظام السوري أن تنصف الضحايا بما قد يشمل محاسبة المنتهكين وتعويض الضحايا، كما طلبت غامبيا في سياق دعواها ضد ميانمار.

ويُمكن أيضًا تفعيل المادة “14” من اتفاقية “مناهضة التعذيب”، التي تلزم الدول الأطراف بتوفير نظام قانوني فاعل يوفر للضحايا وعائلاتهم متطلبات الإنصاف الفعال، ومن ضمنها التعويض الذي ليس بالضرورة أن يكون ماديًا فقط وكل متطلبات إعادة التأهيل.

ما اختصاص محكمة العدل الدولية؟

محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، وتتولى المحكمة الفصل طبقًا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

ويتمثل اختصاصها في دورين أساسيين: معالجة الخلافات القانونية بين الدول من خلال أحكام قضائية، وإصدار آراء استشارية بخصوص أسئلة حول القانون الدولي.

ولا يقع ضمن اختصاص المحكمة معالجة قضايا على المستوى الفردي، وبمعنى آخر ليس من اختصاصها تنفيذ القانون الجنائي الدولي الذي تتضمن مبادئه الأساسية المسؤولية الجنائية الفردية، بل هي محكمة تعنى فقط بالشكاوى بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وتتناول محكمة العدل الدولية مواضيع جنائية، مثل موضوع التعذيب، من باب انتهاك الدول لالتزاماتها بموجب المعاهدات المصدقة عليها وبما يشكل أساسًا لما يعرف بالخلاف القانوني بين دولتين.

وفي مثل هذه الحالة من الخلافات القانونية، لا ينحصر الأمر باعتباره يتناول علاقات ثنائية بين دولتين، ولكنه يتعلق بواجبات الدولة المنتهكة تجاه جميع الدول الأطراف الأخرى في المعاهدة، وواجب تلك الدول في التصدي لهذه الانتهاكات ووضع حد لها.

وتتألف المحكمة من 15 قاضيًا، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لمدة تسع سنوات، ويمكن إعادة انتخاب الأعضاء.

ينتخب ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات، ولا يسمح بوجود قاضيين يحملان نفس الجنسية، وفي حال توفي أحد القضاة الأعضاء، يعاد انتخاب قاضٍ بديل يحمل نفس جنسية المتوفى فيشغل كرسيه حتى نهاية فترته.

هل مقاضاة النظام تعني الاعتراف بشرعيته؟

ليس من اختصاص محكمة العدل الدولية إضفاء أو نزع الشرعية عن أي دولة أو نظام في العالم، وفقًا للنظام الداخلي للمحكمة.

واللجوء إلى المحكمة ليس معنيًا به أن يكون في سبيل شرعنة أو عدم شرعنة أي كيان، وهذا ينطبق على جميع آليات المحاسبة من خلال الهيئات الدولية، فلا تعتبر إحالة ملف سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية تكريسًا لشرعية حكومة النظام السوري، وكذلك الأمر بالنسبة لعمل لجنة التحقيق الدولية والآلية الدولية المحايدة وتفعيل مبدأ “الولاية القضائية العالمية” بالمحاكمات المستمرة في بعض الدول الأوروبية خلال هذه الفترة.

مقالات متعلقة

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان