الدكتور عمار القحف لعنب بلدي: تحرير الشام تشكل تهديدًا.. وجنيف يقبل التأويل
حوار: أسامة آغي
تشهد الساحة السورية تطورات سياسية وعسكرية مهمة، مع إعادة العمل باللجنة الدستورية في جنيف، وكذلك تصاعد العمليات العسكرية في جنوبي محافظة إدلب.
وفي محاولة لفهم المرحلة المقبلة، التقت عنب بلدي بالمدير التنفيذي لمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، والذي شرح مستقبل المنطقة ودور مخرجات مؤتمر “جنيف 1” في 2012، والذي تتصل به أعمال اللجنة الدستورية، والمقرر أن ينتج عنها دستور جديد لسوريا.
هيئة تحرير الشام
طالبت روسيا تركيا، بصفتها تملك نفوذًا على قوات المعارضة في منطقة إدلب، بـ “فصل الإرهاب عن المعارضة المعتدلة”، في إشارة إلى “هيئة تحرير الشام”، والتي حملت اسم “جبهة النصرة” سابقًا، في أثناء ارتباطها بتنظيم القاعدة المصنف على أنه “تنظيم إرهابي” على القوائم الدولية.
ووضعت الولايات المتحدة الأمريكية، “هيئة تحرير الشام” على قوائم الإرهاب في عام 2018، وهو ما رفضته “الهيئة” عدة مرات، وطالبت في العام نفسه واشنطن بتقديم الدلائل على الإرهاب الذي تمارسه “الهيئة”.
واعتبرت “الهيئة” حينها أن القرار يفتقر للدراسة والمتابعة، ويغيب عنه التقدير السياسي المناسب للظرف الذي يعيشه السوريون.
وتحاول “الهيئة” الهروب من التهم الموجهة إليها، عبر عدة تحركات في المناطق التي تسيطر عليها في محافظة إدلب، منها اعتقال جهاديين أجانب، ومحاربة تنظيمات أخرى موجودة على القوائم نفسها.
كما دعا الشرعي العام في الهيئة، عبد الرحمن عطون والملقب بـ “أبو عبد الله الشامي” إلى تطبيع العلاقات مع الدول الغربية، عبر لقائه مع صحيفة “LETEMPS” السويسرية الناطقة بالفرنسية، في 4 من أيلول، مؤكدًا أن فصيله يريد “الخروج من القائمة السوداء”.
ثم أوضح الشامي، في تعقيب تبع نشر المقابلة، أن الفصيل يطالب بـ “نشر الحقيقة كما هي في الداخل السوري”.
وعن الدور الحالي الذي تلعبه “الهيئة” وعلاقتها بمؤتمر “جنيف 1″، قال الدكتور عمار القحف، والحاصل على شهادة الدكتوراه من قسم الدراسات الإسلامية من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2011، إن الثورة السورية مرت خلال تسع سنوات بمراحل عديدة، بدأت بمرحلة واضحة في تعريف الصراع بين شعب ضد نظام مستبد متغول، سلب كرمته وموارده، وخلق استقطابات مجتمعية وسياسية، عبر تطييف الحكم وهندسة اجتماعية وسلطة أمنية مجرمة”.
ويعتقد الدكتور القحف أن “جنيف1” عرّف القضية بأنها “صراع بين معارضة ونظام”، ثم لعب الأخير بـ”كرت التنظيمات الإرهابية، عبر خطة واضحة بدأت بإخراج آلافٍ من تنظيمي القاعدة وPKK. وخلق فراغ أمني أتاح لهذه القوى أن تستغله وتملأه”.
ويرى الدكتور القحف أن هذه الحالة دفعت المشهد الدولي إلى التركيز على “محاربة الإرهاب”، وهنا تدافعت المجموعات المحلية، والعابرة للحدود، لتشرعن نفسها عبر بوابة محاربة الإرهاب، مضيفًا أن سوريا “افتقدت تعريفًا وطنيًا واضحًا للإرهاب”، بحيث أُغفل إدخال 60 ألف مقاتل مموّل من إيران بحجة محاربة الإرهاب، وأغفل التدخل الروسي بنفس الحجة.
وأشار الدكتور عمار القحف، وهو باحث ومستشار، إلى “أن تغلغل هيئة تحرير الشام”، يشكّل تهديدًا حقيقيًا على مستقبل المنطقة، وأن عوامل كثيرة أخرى تعقّد المشهد، منها القوى العابرة للحدود والتي بدأت محاولات توطين نفسها للتأقلم مع المرحلة المقبلة، كخيار تكتيكي وليس استراتيجيًا أيديولوجيًا، وهو ما يُنبئ بمزيد من السيولة واللا حلّ، بحسب رأيه.
وأضاف أن ما يمكن أن يعمل عليه السوريون في الفترة المقبلة، هو التركيز على ما يمتلكون من أدوات تأثير، مثل بناء المؤسسات وتعزيز الحوار والتشبيك المجتمعي مع كل السوريين، وبناء الهرم من الأدنى إلى الأعلى.
“جنيف1” يقبل التأويل
عقدت في مدينة جنيف السويسرية في عام 2012، اجتماعات دولية برعاية الأمم المتحدة، للتوصل إلى حل للعنف في سوريا، وتوالت الاجتماعات التي وصل عددها حتى اليوم إلى ثمانية مؤتمرات.
وفي عام 2015 صوت مجلس الأمن على القرار 2254، والذي اعتمد بأساسه على بيان مؤتمر جنيف، وتتضمن عملية انتقال سياسي.
وتؤكد المعارضة السورية أن هدف العملية السياسية هو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن سوريا وخاصة القرار 2254 وفق التسلسل الموجود فيه.
وقال الدكتور عمار القحف، وهو عضو مؤسس في مجلس إدارة المنتدى السوري، الذي تأسس في اسطنبول عام 2012 إن “بيان (جنيف1) صُممَ بغموض قابلٍ للتأويل، سمح للطرفين الروسي والأمريكي أن يخرجا من المؤتمر في عام 2012، بتفسيرين مختلفين حول مصير الأسد وآليات العمل لتشكيل هيئة حكم انتقالي، تنظر في الدستور واقتراح التعديلات”.
وأضاف القحف أن “القرار 2254” استبدل “هيئة حكم انتقالي” بـ”حكمٍ ذي مصداقية”، يعمل على سلال أربع، ثم اختزلها بلجنة دستورية، أخذت عامًا ونصف لتتشكل، وعامًا لانعقاد ثلاثة اجتماعات “لم تتجاوز الخطابات حول المبادئ الوطنية الناظمة”.
ويرى القحف أن الروس لن يسمحوا بحل يظهرون فيه كمنهزمين، وقد شكلوا لذلك “جبهة أستانة” مع تركيا وإيران، ويحاولون تثبيت القضم العسكري للجغرافية، عبر اتفاقيات أمنية، تحاول إعادة تعريف الغموض في بيان جنيف وقرار 2254.
لكنّ القحف لا يغفل كيفية حدوث توافق دولي، فهذا التوافق برأيه “يبدأ بالتفاهمات بين الروسي المسيطر عسكريًا، والأمريكي المسيطر أمنيًا في بعض المناطق، والتركي المسيطر في بعض المناطق الأخرى” مشيرًا إلى أن “الأطراف السورية مغيبة في هذه المرحلة” بحسب رأيه.
ويرى ضرورة “أن تستعد قوى الثورة والمعارضة لكل السيناريوهات، وتستعيد قوتها عبر الالتحام بالشعب وتمثيل قضاياه”.
استعصاء وتضارب مصالح
وإجابة على سؤال عنب بلدي حول كيف يمكن شرح الوضع السوري الحالي في ظل دراسات مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، قال الدكتور عمار القحف إن “المشهد السوري اليوم يتسم باستعصاء سياسي، وتدافع دولي وإقليمي، للاعبين بمصالح متضاربة، ستشكل عملية التوليف بينها شكل الحل السياسي”.
ويعتقد أن الحل السياسي “ستراعى فيه تلك المصالح أكثر من مصالح الشعب السوري، وبالتالي تضارب تلك المصالح لا يزال يخلق هامش حركة للأسد، بينما تضيق هوامش تحرك المعارضة”.
ويرى القحف أن المعارضة لا تحسن إلى اليوم استثمار الهوامش المتاحة لها، وهو ما انعكس على التنافس الدولي والإقليمي في الملف السوري.
لا ننتمي لحزب أو تيار
نفى الدكتور عمار القحف لعنب بلدي، تبعية مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أو انتمائه لأي تيار أو حزب سياسي، وتحديدًا جماعة “الإخوان المسلمين”.
واعتبر القحف أنه وخلال فترة الصراع السوري تطورت حالة مركبة من التخوين وإطلاق الاتهامات، دون أي سند أو تبرير، مضيفًا “لو كنّا تابعين للإخوان لأعلنا ذلك بصراحة”.
ويعتقد القحف أن “الإيديولوجيا والبحث العلمي لا يستويان”، وهذا برأيه يتضح من مخرجات المركز وسياساته التحريرية، ومن البنية التنظيمية للمنتدى السوري، الذي يعد المركز أحد مؤسساته، وسياساته العامة.
ويرى القحف أن “مركز عمران للدراسات” هو “مؤسسة داعمة ورافدة لصناعة القرار والشأن العام، وهو أحد مؤسسات المنتدى السوري، والذي هو بدوره مؤسسة مجتمع مدني مستقلة، لا تتبع حزبًا سياسيًا أو تيارًا”.
وأضاف أن دراسات “مركز عمران” تعمل على ضرورة إعادة ضبط التوازن بين سلطات المركز واللا مركز بغضّ النظر عن مآلات الحل السياسي، مؤكدًا أن “الأمر ليس أمرًا إداريًا صرفًا وإنما سياسي واجتماعي ومالي وحوكمي ينتج إعادة ضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع وطرح حلول تنموية متوازنة”.
وبحسب القحف “تركّز الدراسات الصادرة عن المركز، على البعد الوطني في التعاطي مع استحقاقات المرحلة القادمة من الصراع”، عبر حوارات مجتمعية معمقة في كل الجغرافية السورية، تركّز على بناء الإنسان وفكر الديمقراطية والتشاركية وتعزيز دور المرأة، وتحويل الاستحقاقات إلى مطالب سياسية”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :