عنب بلدي – خاص
لم يتوصل الضباط الروس والأتراك إلى صيغة موحدة لتنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بشمال غربي سوريا خلال اجتماع أنقرة، في 16 من أيلول الحالي، وهو ما انعكس على الواقع الميداني في محافظة إدلب.
ألمح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إلى إمكانية انتهاء العملية السياسية في إدلب، في حال عدم توصل بلاده إلى اتفاق مع روسيا، وذلك خلال مقابلة مع قناة “CNN” التركية.
وقال الوزير، “بالنسبة لسوريا، نحن بحاجة للحفاظ على وقف إطلاق النار في منطقة إدلب أولًا”، مشيرًا إلى أن الاجتماعات ليست “مثمرة” للغاية، تعقيبًا على الاجتماع بين خبراء عسكريين روس وأتراك في أنقرة.
وأضاف، “يحتاج وقف إطلاق النار في سوريا إلى الاستمرار والتركيز أكثر قليلًا على المفاوضات السياسية”، مشيرًا إلى وجوب وجود هدوء نسبي في المحافظة، لأنه إذا استمرت المعارك، فقد تكون العملية السياسية قد انتهت.
ماذا يريد الروس؟
نقلت وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية، في 16 من أيلول الحالي، عن مصدر لم تسمه، أن الوفد الروسي قدم خلال الاجتماع في مقر وزارة الخارجية التركية بأنقرة مقترحًا لتخفيض عدد نقاط المراقبة التركية في إدلب، “إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن”.
وتحدث المصدر أنه “تقرر تخفيض عدد القوات التركية الموجودة في إدلب، وسحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة”، بعد رفض الجانب التركي سحب نقاط المراقبة التركية وإصراره على إبقائها.
من جانبها، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصدر روسي، أن موسكو عملت على إقناع أنقرة بتقليص الوجود العسكري في إدلب وسحب الأسلحة الثقيلة، خلال محادثات في أنقرة.
وقال المصدر للصحيفة، إن الوفد الروسي الفني قدم اقتراحه، “لكن الطرفين فشلا في التوصل إلى تفاهم بهذا الشأن، في حين شهد اليوم الثاني من المحادثات نقاشًا تفصيليًا حول آليات سحب جزء من القوات التركية المنتشرة في المنطقة، مع سحب الأسلحة الثقيلة، والإبقاء على نقاط المراقبة التركية”.
ولفت المصدر إلى أن “أنقرة أصرت على الاحتفاظ بكل نقاط المراقبة، لكنها أبدت مرونة في الحديث عن سحب جزء من قواتها مع الأسلحة الثقيلة، والنقاشات ركزت على آليات القيام بذلك لضمان عدم وقوع استفزازات في أثناء عمليات الانسحاب”.
روسيا تناور لتحقيق المكاسب
المحلل السياسي سامر خليوي قال لعنب بلدي، إن روسيا تستغل حاليًا الوضع في شمالي سوريا، كي تساوم تركيا في ملفات أخرى على رأسها الملف الليبي.
وأضاف خليوي أنه من المعروف أن روسيا دولة لا تحترم تعهداتها واتفاقاتها، وهي “دولة مستغلة”، وبالتالي تريد من تركيا تقديم تنازلات في ليبيا، مشيرًا إلى أن التوافق في ليبيا يخفف من حدة الأوضاع في شمالي سوريا.
وهو ما أشار إليه وزير الخارجية التركي في المقابلة ذاتها التي تحدث فيها عن عدم رضاه عن المفاوضات حيال سوريا مع الروس، إذ قال إن مسؤولين من البلدين اقتربوا من اتفاق بشأن وقف إطلاق النار وعملية سياسية في ليبيا.
ويدعم الطرفان القوتين الرئيستين المتصارعتين في ليبيا، الممثلتين بحكومة “الوفاق” المعترف بها دوليًا والمدعومة من أنقرة، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعومة روسيًا.
وتدرك تركيا، بحسب المحلل سامر خليوي، أن روسيا يمكن أن تشن حملة عسكرية في ظل انشغال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في الانتخابات الأمريكية.
وتعلن روسيا باستمرار أنها ستعمل مع النظام السوري على عودة جميع الأراضي السورية لسيطرة النظام، إلا أن حملتها العسكرية الأخيرة لم تلقَ تأييدًا من الولايات المتحدة، التي وقفت إلى جانب تركيا، حسب المحلل سامر خليوي.
وليس من مصلحة تركيا تقديم أي تنازل في سوريا، مقابل تحقيق الروس مكاسب في سوريا أو ليبيا، فكلا البلدين مهم لتركيا، ولو تنازلت تركيا لروسيا في شمالي سوريا، سيؤدي ذلك إلى صعوبات ومشاكل تخص الأمن القومي التركي، وتركيا تعي ذلك.
كما ترفض تركيا كل المطالب الروسية، وتقوية وجودها العسكري في “الشمال المحرر” ضمانة لمنع عملية عسكرية في المنطقة، وهي تلقى تأييدًا من الاتحاد الأوروبي وأمريكا لمنع أي عمل عسكري لروسيا شمالي سوريا قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين نحو أوروبا.
تصريحات تركية يقابلها قصف روسي لإدلب
لم يصدر عن السلطات الروسية أي تعليق حول الاجتماع على عكس الأتراك، إلا أن النظام وروسيا استهدفا مناطق سيطرة المعارضة بالقصف.
وقال قائد قطاع أريحا جنوبي إدلب في “الدفاع المدني السوري”، في حديثه إلى عنب بلدي، إن الأيام الماضية (17 و18 و19 من أيلول الحالي) شهدت قصفًا مدفعيًا وصاروخيًا من قبل قوات النظام على قرى ريف إدلب الجنوبي، خصوصًا قرى وبلدات الفطيرة وبليون وكنصفرة في جبل الزاوية.
كما شن الطيران الحربي غارات على محيط قرية سرجة بجبل الأربعين جنوبي إدلب، وأُصيب جراء القصف وغارات الطيران خمسة أشخاص.
وخلال اجتماع الضباط، صعّدت قوات النظام قصفها لقريتي شنان وبينين بجبل الزاوية.
وتخضع محافظة إدلب لاتفاق “موسكو” الموقّع بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، في 5 من آذار الماضي، ونص على إنشاء “ممر آمن” على الطريق الدولي حلب- اللاذقية (M4).
وتضمّن الاتفاق تسيير دوريات مشتركة روسية- تركية على الطريق، بين قريتي ترنبة غربي سراقب (شرقي إدلب) وعين حور بريف إدلب الغربي، على أن تكون المناطق الجنوبية لطريق “M4” من الممر الآمن تحت إشراف الروس، وشماله تحت إشراف الأتراك.
لكن فريق “منسقو الاستجابة” وثق 2387 خرقًا لوقف إطلاق النار من قبل قوات النظام وروسيا، منذ بدء سريان الاتفاق حتى 18 من آب الماضي، إذ قُتل 18 مدنيًا، بينهم خمسة أطفال حتى بداية تموز الماضي.
ويشمل خرق الاتفاق استهداف مناطق المعارضة بالقذائف المدفعية والصاروخية، والطائرات المسيّرة والطائرات الحربية الروسية، في عدة مناطق بإدلب وحماة وحلب.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال عقب محادثاته مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 7 من أيلول الحالي، “توصلنا إلى أن هناك هدوءًا نسبيًا ساد في سوريا، ويجب العمل على ترسيخ هذا التوجه”.
إلا أن مدفعية النظام السوري كانت تقصف في ذات اليوم منازل المدنيين في مدينة أريحا جنوبي إدلب، وقُتل مدني وأصيب ستة آخرون بينهم طفل وامرأة، واُستهدف مركز “الدفاع المدني” في المدينة.
ووثق فريق “منسقو الاستجابة”، في نفس اليوم، استهداف النظام 14 نقطة في أريحا بقذائف المدفعية.