عنب بلدي – نور الدين رمضان
في نيسان الماضي، اشتعلت شرارة الخلافات بين رجل الأعمال رامي مخلوف (51 عامًا) وابن خاله رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد اتهام “الهيئة الناظمة للاتصالات”، التابعة لوزارة الاتصالات، شركتي “سيريتل” و”MTN” بعدم دفع المبالغ المستحقة لخزينة الدولة البالغة 233.8 مليار ليرة سورية.
وبعدها، تحول موقع “فيس بوك” إلى ساحة لمعركة إعلامية بين مخلوف وحكومة النظام، حول أحقية المبالغ المالية التي تطلبها وزارة الاتصالات من مخلوف، لتتخذ الحكومة سلسلة إجراءات تكبح نشاط مخلوف وتكبله، من بينها الحجز على أمواله وأموال زوجته وأولاده، ومنعه من مغادرة البلاد، وفرض حراسة قضائية على شركة “سيريتل”، التي يصفها مخلوف بأهم شركاته.
ومنذ نهاية تموز الماضي، يعيش الطرفان ما يشبه التهدئة، بغياب البيانات من مخلوف أو الإجراءات الحكومية بحقه، ليتصدر في ذات الوقت اسم إيهاب مخلوف (47 عامًا) شقيق رامي، ما يشير إلى تحضير الأخ الأصغر لإدارة اقتصاد إمبراطورية العائلة الاقتصادية، خاصة بعد وفاة والد الشقيقين، محمد مخلوف، في 11 من أيلول الحالي، الذي كان يعد الركيزة المالية لعائلتي الأسد ومخلوف منذ عام 1970.
إيهاب يكسب ثقة الأسد؟
هذه التكهنات عززها ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط“، في 23 من آب الماضي، عن مصادر اقتصادية لم تسمها، أن حكومة النظام السوري قررت منح عقود تشغيل الأسواق الحرة إلى إيهاب مخلوف، ورجل أعمال كويتي مقيم خارج بلاده له مواقف سياسية داعمة للنظام السوري، بعدما فسخت وزارة الاقتصاد العقد مع رامي مخلوف، وهي حركة فُسرت بأنها “إحلال” للشقيق الأصغر بديلًا عن رامي مخلوف.
واستفاد إيهاب لكسب ثقة الأسد مجددًا من موقفه خلال الخلاف بين الحكومة ورامي مخلوف، إذ أعلن حينها استقالته من منصبه نائبًا لرئيس مجلس إدارة شركة “سيريتل”، بسبب طريقة تعاطي رامي مع الأزمة.
ونشر في أكثر من مرة، عبر صفحته في “فيس بوك“، منشورات تجدد الولاء لقيادة الأسد، وفي أحدها قال إنه “في المحصلة كل مال الكون وشركات الدنيا لا تزحزح ولائي لقيادة رئيسنا وقائدنا بشار حافظ الأسد”.
من هو إيهاب مخلوف؟
عقب مؤتمر صحفي نادر عام 2011، رد رامي مخلوف على سؤال أحد الصحفيين عن حقيقة استحواذ مستثمرين كويتيين على الأسواق الحرة العائدة لإحدى شركاته في سوريا بقوله، “اسأل أخي إيهاب”، بحسب ما نقله موقع “درج” عن الصحفي الذي وجه السؤال.
ويفسر هذا الجواب الأدوار التي كان يلعبها إيهاب، باعتباره ذراعًا تنفيذية لشقيقه، إضافة إلى علاقاته الجيدة مع المستثمرين الكويتيين وشراكاته معهم، وأبرزهم عبد الحميد دشتي.
إيهاب هو أحد أبناء محمد مخلوف، شقيق زوجة حافظ الأسد، أنيسة مخلوف، والشقيق الأصغر لرامي مخلوف، وحافظ مخلوف، وإياد مخلوف، وابن خال بشار وماهر الأسد، حاصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة “دمشق”، من مواليد 1973.
شغل إيهاب منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة “سيريتل موبايل تيليكوم”، وهو خاضع للعقوبات الأمريكية منذ عام 2017، وللعقوبات الأوروبية منذ 2011، ومؤسس ومالك للشركات الآتية، بحسب موقع “الاقتصادي“:
1- شريك مؤسس في “بيشاور للاستثمار” (بحصة 99.8%).
2- شريك مؤسس في “بنيان الشام” (بحصة 10%).
3- مدير وشريك مؤسس في “أما نور” (بحصة 50%).
4- شريك مؤسس في “صروح” (بحصة تبلغ 0.001%).
5- شريك مؤسس في الجامعة “السورية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا” (بحصة 51%).
6- شريك مؤسس في شركة “فجر” (بحصة 40%). كما يدير جامعة “هاني مرتضى” (التي سميت على اسم والد رجل الأعمال مازن مرتضى).
7- شريك مؤسس في شركة “سيريتل للخدمات والاستثمارات”.
8- شريك مؤسس في شركة “حدائق للاستثمار” (بحصة 52%).
9- مدير ومالك شركة “الغمر” (بنسبة 100%).
صمام أمان عائلة مخلوف أمام الأسد
المحلل الاقتصادي يونس الكريم قال لعنب بلدي، إن موت محمد مخلوف ليس له أثر كبير على الصعيد الاقتصادي للعائلة، فأبناؤه هم من كانوا يديرون الأموال ومستمرون في ذلك، لكن أثره يظهر في الفجوة التي سيتركها خلفه، إذ كان هو الجامع لعائلة مخلوف، وهو من يستطيع الوقوف أمام بشار الأسد وزوجته أسماء، كما أنه كان يمنع التصادم بين رامي وأخيه إيهاب.
ويرى يونس الكريم أنه لا ينظر في داخل العائلة على أن إيهاب مخلوف قادر على إنقاذ العائلة، بل يظهر اسم أخيه التوأم إياد أكثر، وهو الذي تدعمه أسماء الأسد واستطاعت استمالته لمصلحتها، بحسب المحلل الاقتصادي.
ولا يُعرف كثير عن إياد مخلوف (47 عامًا) مقارنة ببقية أشقائه، وهو ضابط في مديرية المخابرات العامة، فرض عليه الاتحاد الأوروبي عقوبات عام 2011، وبرر تلك الخطوة بأنه مسؤول عن أفعال مرؤوسيه، وضالع في أعمال عنف ضد السكان المدنيين.
كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في أيار 2017، عقوبات على إياد وشقيقه إيهاب، إضافة إلى ثلاثة أشخاص آخرين.
ولإياد نشاطات اقتصادية أيضًا، رغم انخراطه في العمل الأمني، إذ يمتلك 90% من شركة “لاما” للمفروشات، بحسب موقع “الاقتصادي”.
وتوجد شراكة بين الشقيقين التوأم قد تكون في مصلحة إيهاب للعب دور اقتصادي أكبر في سوريا، إذ استخدم إياد مع شقيقه إيهاب شركة مسجلة في روسيا لشراء نصف طابق في برج “الاتحاد” بموسكو، في شباط 2019، بقيمة 9.5 مليون دولار.
كما اشترى الرجلان عقارًا واحدًا باسميهما، ومكانين لوقوف السيارات في “مدينة العواصم”، في حزيران 2017، بحسب منظمة “غلوبال ويتنس“.
توضيح للعائلة والطائفة: الخلاف مع رامي
وأضاف يونس الكريم أن الأسد، بقراره منح عقود تشغيل الأسواق الحرة لإيهاب، يريد إيصال صورة واضحة لعائلة مخلوف، أن خلافاته مع رامي فردية وليست خلافات مع كامل العائلة أو الطائفة، بل إن رامي هو من خرج عن الطاعة وتجب معاقبته.
وبغض النظر عن أدوار رجل عائلة مخلوف الجديد، أشار المحلل الاقتصادي إلى أن أي مشروع اقتصادي مقبل في سوريا لن يمر من دون موافقة الروس، وتجلى ذلك من خلال الإعلان عن 40 اتفاقية اقتصادية خلال زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، التي شارك فيها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لأول مرة منذ 2011.
كرم شعار، وهو دكتور سوري في الاقتصاد وباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن، قال لعنب بلدي إنه قد يُنظر إلى منح العقد لإيهاب على أنه محاولة من بشار لشكره على وقوفه إلى جانبه ضد أخيه رامي في الخلاف الأخير.
ويرى شعار أن هذه محاولة من بشار لاسترضاء العلويين عمومًا، وعائلة مخلوف بشكل خاص، وتبديد مخاوفها من أن نفوذهم الاقتصادي قد يتضاءل مع أفول نجم رامي.
واستشهد الباحث الاقتصادي على ذلك بالإبقاء على حسين مخلوف في الحكومة الجديدة، المشكّلة في 30 من آب الماضي، كوزير للإدارة المحلية، وهو ما يؤكد أن مشكلة الأسد هي مع رامي فقط، وليست مع عائلة مخلوف ككل.
تغلغلت العائلة في الاقتصاد السوري منذ عام 1970، وهي تنحدر من قرية بستان الباشا في ريف مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية، مستفيدة من علاقة القرابة بالأسد الأب والابن.
وتحضّر اليوم لجيل ثالث من حاملي راية الإمبراطورية الاقتصادية، بعد الجيل الأول المتمثل بالأب محمد مخلوف، والثاني المتمثل بأبنائه، والأخير الذي بدأ يدخل في سوق الاستثمارات السورية متمثلًا بالأحفاد، وأبرزهم حاليًا ابنا رامي محمد وعلي، الذي حاول رامي مخلوف الاستناد إليه في مواجهة شقيقه إيهاب، بتعيينه عضوًا في مجلس إدارة “سيريتل”، بعد استقالة شقيقه.