عنب بلدي – حليم محمد
“لو كان يعلم الأهالي ما ستؤول إليه الأوضاع حاليًا لخرج أغلبيتهم في الباصات الخضر بعد سيطرة النظام على درعا”، بهذا عبر محمد الحاج عن رأيه، مشيرًا إلى تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في محافظته.
تزايدت أعداد الشباب المغادرين لمحافظة درعا خلال الأشهر الماضية، إذ لا يمر يوم إلا ويغامر العشرات سرًا برحلة لا تخلو من المخاطر الأمنية، من اعتقال أو إصابة أو حتى الموت.
لمَ الآن؟
إلى الشمال نحو تركيا أو إلى الغرب نحو لبنان، يضع الشباب أوروبا نصب أعينهم لبدء حياة جديدة بعدما يئسوا من إمكانية تحسن الأحوال في المحافظة الخاضعة لـ”التسوية” منذ تموز 2018.
الأوضاع الأمنية الراهنة، والخوف من التجنيد للخدمة العسكرية، أسباب قديمة لمحاولة الهروب من درعا، تفاقمت بعد “تضييق النظام، وخداع الجانب الروسي وعدم إيفائه بوعوده في كبح جماح حليفه”، بحسب تقدير الباحث مطيع البطين، المنحدر من محافظة درعا.
وقال البطين، في حديثه إلى عنب بلدي، إن عمليات الاغتيال المجهولة وحالات الاعتقال التعسفية أصابت الشباب بحالة “هلع وخوف”، خاصة أن الاغتيال متعدد الأطراف ومجهول المنفذ.
وتشهد محافظة درعا عمليات اغتيال بشكل دوري، تنسب غالبًا إلى مجهولين، عدا ما تتبناه خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” عبر معرفاتها الإلكترونية.
ويترافق ذلك مع “فقر مدقع وبطالة وغلاء للأسعار وفقدان للموارد الأساسية من خبز ومحروقات، ما أدخل اليأس في نفوس الشباب من البقاء في الجنوب السوري، ودفعهم للبحث عن واقع أمني واجتماعي واقتصادي أفضل”، حسب رأي البطين.
وفي إحاطة الأمين العام لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، مارك لوكوك، لمجلس الأمن، في 16 من أيلول الحالي، قال إن أسعار الغذاء في سوريا ما زالت بأعلى المعدلات المسجلة منذ عام 2011، رغم استقرار قيمة العملة المحلية خلال آب الماضي.
وأشار إلى أثر جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، فرغم أن أعداد حالات الإصابة المسجلة لم تتجاوز أربعة آلاف، وفق البيانات الحكومية، وهي لا تعكس الانتشار الحقيقي للمرض، زاد تفشي الجائحة من الضغوط الاقتصادية، مع تسببه بإغلاق مؤقت لـ45% من الأعمال، و15% بشكل كامل.
إضافة إلى ما تمثله المشاكل الأمنية، من الاغتيالات وحالات الخطف وتزايد نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية” وانفجار مخلفات الحرب من مخاطر تزيد من أعباء الشعب السوري.
هجرة بـ“التفاهم”.. دون أمان
تجري الهجرة عن طريق وسيط بين الشخص الذي يريد مغادرة درعا وضباط النظام لتأمين المرور على الحواجز العسكرية، ويتفق الشاب مع المهرب، الذي يصفه الباحث السياسي مطيع البطين بـ“تاجر البشر”، على مبلغ يرتفع وينخفض حسب الضمانات المقدمة من المهرب لأمان الوصول إلى المكان المطلوب.
فكر أحمد، البالغ من العمر 30 عامًا، بالهجرة نحو الشمال، لكنه تراجع عن ذلك لسببين حسبما قال لعنب بلدي، الخوف من الاعتقال على حواجز النظام، وهو ما جرى لكثير من الشباب الذين حاولوا العبور، وعدم امتلاك مبلغ ثلاثة آلاف دولار الذي طلبه المهرب.
باع العديد من الشباب الراغبين بمغادرة المحافظة ممتلكاتهم لتأمين مبلغ التهريب، وقالت “أم وليد” (50 عامًا) لعنب بلدي إنها باعت مصاغها وبقرتين حتى تمكنت من إخراج ابنها من درعا.
المتاعب الاقتصادية لم تكن آخر العوائق التي عانى منها الراغبون بمغادرة مناطق النظام السوري، إذ وقع عدد من الشباب ضحية حقل من الألغام في أثناء تعرضهم لكمين قرب مناطق شمال غربي سوريا، وقُتل عدد منهم، منتصف آب الماضي.
وكان من بينهم القيادي السابق في “الجيش الحر” رمزي أبا زيد، الذي حاول المغادرة كما فعل العديد غيره من القياديين، مثل جهاد المسالمة، الذي كان يشرف على ملف “التسويات” في درعا، ومفلح كناني، و”أبو حمزة طربش”، و”أبو عبد الله البردان”.
وغادر معاون وزير الإدارة المحلية السابق في “الحكومة المؤقتة”، فاروق أبو حلاوة، من درعا إلى الشمال السوري بعد أشهر على اتفاق “التسوية” مع النظام السوري برعاية روسية، الذي أجري عام 2018.
ووفق حديث سابق لعنب بلدي، قال أبو حلاوة إن القبضة الأمنية تجاه المنضمين إلى “التسوية” في درعا تراوحت بين الملاحقات الأمنية وتحريك الدعاوى الشخصية تجاههم، أو الفصل من وظائفهم، أو الحجز على أملاكهم من قبل محكمة “الإرهاب” التابعة للنظام السوري، وهو ما دفع العديد منهم للتفكير بالهجرة.
يرى الباحث مطيع البطين أن سياسة التهجير هدف تعمل عليه إيران و”حزب الله”، لتفريغ الجنوب من المقاومين لمشروعهما بالمنطقة، والإبقاء فقط على المتعاونين ممن انضموا إلى تشكيلات النظام العسكرية والأمنية.
وشهدت المحافظة، خلال العامين الماضيين، احتجاجات من قبل الأهالي على امتناع النظام السوري والضامن الروسي عن تطبيق بنود اتفاق “التسوية”، الذي تعهد بإصلاح الأوضاع الخدمية وتخفيف القيود الأمنية، إضافة إلى مطالب بخروج إيران وهتافات ذكرت بشعارات الثورة.