نبيل محمد
يحق لمسلسل “شارع شيكاغو”، من وجهة نظر تجارية، الترويج لنفسه، مستغلًا كل ما أثير حوله من لغط، وكل ما كُتِب عنه وعن “تجاوزه” لأخلاقيات الشاشة السورية، التي يمكن لكل ناقد أن يعيد صياغتها وفق ما يرتئيه، ويحق للقائمين على العمل توظيف كل ما قيل وأُشيع عن العمل في تجميع المزيد من المشاهدين، حول حلقاته التي تبثها فضائية قناة “OSN”، ليس فقط لأن تداول الصور و”التريلر” بكثافة، وتردد اسم المسلسل في عناوين الصحف ومواقع الإنترنت، وتداوله كـ”هاشتاغ” في “السوشيال ميديا” يسهم في جماهيريته، بل لأنه ليس هناك شيء آخر يمكن أن يتّكئ العمل عليه ليحوز جماهيرية أكبر، أو حتى تداولًا بين النقاد، فسوى ما أثاره من ضجة قُبلة أبطاله، والشتائم على لسان شخصياته، لا شيء آخر في العمل يستحق الحديث عنه.
تعطيك الحلقات الأولى مع الشارة تصورًا شبه كامل عن العمل، فتضعه تلك المكونات في خانة الأعمال السورية الرائجة مؤخرًا، التي تعتمد على تقنيات تصوير ومونتاج جيدة، وتستعين بخبرات في مجال تصميم “الغرافيك” وسواه، وتأتي بنجوم هم بالعُرف الدرامي السوري “صف أول”، ثم تدمج كل هذه المكونات بماكينة ملل لغوية بطيئة، وحوارات ساذجة أكثر ما لا تمت إليه بصلة هو الواقع (في العمل الذي من المفترض أنه يحاكي واقعًا).
يتسلّم دريد لحّام مسؤولية دفة قيادة عين وذهن المشاهد نحو الملل المفرط في الحلقة الأولى، بأسلوبه المكرر ذاته، الذي لا بد أنَّ تقدمه في السن زاد من الغبار المتراكم فوق هذا الأسلوب، فكرر الجمل نفسها والحركات ذاتها التي بدأها في مطلع التسعينيات مع “أحلام أبو الهنا” ومررها عبر عدد من الأعمال دون أن يطرأ عليها أي تغيير. هنا في “شارع شيكاغو” خلاصة هذا الأسلوب (رجل مسن ذو وعي واضح وتجربة مريرة مع الحياة، لكنه يهزأ بالحاضر، ويظهر كمسكين لا يريد إلا السلام الإنساني)، هكذا يمكن تعريف دريد لحّام ببساطة في مختلف الأدوار التي ظهر بها منذ أكثر من 25 عامًا حتى اليوم، بغض النظر عن طبيعة الدور الذي يظهر به.
بين تاريخين قديم ومعاصر، تسير أحداث الشارع الدمشقي، الذي شهد على قصة حب ومن ثم جريمة غامضة، يتعقبها محقق بعد أكثر من 40 عامًا من حدوثها، تتخللّ تلك القصص التي يبدو الحديث عنها مثيرًا أكثر بكثير من الخوض في تفاصيلها ومتابعة المسلسل، حواراتٌ تحاول جاهدة المد في عمر المسلسل، وقذف الحقائق المتكشفة نحو الحلقات المتقدمة، ومحاولة غير مجدية لخلق أجواء إثارة وترقّب، وبالتأكيد تلوين كل ذلك بلغة الشارع في بعض الأحيان، متضمنة بعض الشتائم، سواء كانت في مكانها وبمبرراتها الدرامية أم لا.
أما القُبل سواء لشفاه سلاف فواخرجي، أم لقدم أمل عرفة، فلعلَّها مسؤولة عن جزء كبير من أي نجاح وجماهيرية سيحققهما المسلسل، كونه جريئًا منفتحًا، يواجه تقاليد المجتمع، الذي هو وفق تصريح مخرج العمل محمد عبد العزيز “مجتمع متناقض وازدواجي، هو ضد الشتيمة لكن يمارسها، وضد القبلة وهو أكثر من يمارس القبلة وما بعد بعد القبلة”، تصريح لا يختلف كثيرًا عن الفئة التي يهاجمها المخرج، فاستخدام اصطلاح “ما بعد بعد القبلة” يمكن الاستعاضة عنه بـ”السكس” أو “الجنس” ببساطة، لكن المخرج تردد في ذلك رغم أن هذا الفعل من المفترض أنه فعل طبيعي يمارسه المجتمع مثله مثل القبلة التي صوّرها المخرج متحديًا المجتمع.
الطريف في كل ما أُشيع وقيل وكتب عن العمل، أن أحدًا ما بدأ يطالب المخرج بالاعتذار عن الشتائم التي وردت على لسان الأبطال، هذا ما يجب على مخرج سوري أو مسلسل سوري الاعتذار عنه، في وطأة توظيف جزء كبير من الدراما السورية بشكل ممنهج وواضح في دعم آلة الجريمة التي تستهدف السوريين منذ تسع سنوات، على الدراما الاعتذار عن شتيمة، أو عن قبلة، فقط لا غير.