خطيب بدلة
خرب بيتنا عضوُ مجلس الشعب السوري خالد العبود حينما تحدث عن العودة إلى المربع الأول. ولئن كنا قد أخذنا كلامه، بادئ الأمر، بالمسخرة، وهو مسخرة طبعًا، إلا أن العودة إلى المربع الأول كانت وما زالت تعكر صفونا في كل نقاش، أو محاججة، أو حوار يجري في أماكن التجمع البشري، أو على صفحات التواصل الاجتماعي…
وللحقيقة، والتاريخ، فإن العودة “العَبُّودية” إلى المربع الأول تنطوي على سياسة استعمارية خبيثة -وخالد العبود رجل استعماري، كما تعلمون، مؤيد لاستعمار بيت الأسد سوريةَ إلى الأبد- تهدف إلى ذر الرماد في العيون، لينسى المحاوِرُ موضوعه الأساسي، ويشمر عن ساعديه، ويخوض في وحلة المربع الأول، ولا يخرج منها إلا إذا ترك “صرمايته” عالقة في الوحل، وخرج بقدمين حافيتين.
سأذكر لكم حادثتين تلخصان الموضوع الذي نحن بصدده أيما تلخيص. الأولى هي أنني نقلت كلامًا بالغ الأهمية يتحدث فيه المفكر الأستاذ جودت سعيد عن حالة الجمود التي تعيشها أمتنا، فيقول: “المسلمون تقبلوا السنن الكونية بعد صدود طويل. ظلت الطباعة والهاتف والتلفزيون والتصوير حرامًا في نظر كثير من المشايخ سنين طويلة، والمشايخ حرموا طباعة المصحف ثلاثة قرون، ولكن بعد ذلك تقبل المسلمون هذه السنن الكونية… وأصبحنا اليوم نستغرب كيف كان آباؤنا ينكرون ذلك؟”، فعلّق أحدهم بسؤال: جودت سعيد كردي؟ ورد آخر: بل شركسي… و…
الحادثة الثانية يعود تاريخها إلى ما قبل 15 سنة. قررت صحيفةُ “النور” السورية، التي يصدرها أحد فروع الحزب “الشيوعي”، تكليف كُتَّاب غير شيوعيين بكتابة مواد وزوايا، وبناء عليه كُلّفتُ بكتابة زاوية أسبوعية. وذات يوم قرأت خبرًا ينص على أن الأستاذ رياض الترك، أمين عام حزب “الشعب الديمقراطي” (المكتب السياسي سابقًا) قرر عدم ترشيح نفسه لرئاسة حزبه. طربت للخبر، لأن الأحزاب السورية اعتادت أن يبقى أمينُها العام على رأس عمله حتى بعد أن يصبح غير قادر على التبول، ثم يورث الحزب لزوجته وابنه. وللعلم فإن خالد بكداش سبق حافظ الأسد إلى التوريث بخمس سنوات. أفلا نفرح لقائد يتخلى عن القيادة وهو حي؟
كان في مكتب الجريدة بعض الرفاق الشيوعيين من الحرس القديم، عندما مررتُ لأقبض مستحقاتي المالية دعوني إلى كأس شاي وجلسوا يحكون لي عن بعض المشاكل الموجودة في شخصية رياض الترك، ويعددون لي تصرفات قام بها تبعد عنه أي نزوع ديمقراطي، ولم ينسوا، بالطبع، أن يعترفوا له بكونه مناضلًا عنيدًا وسجينًا سياسيًا مزمنًا، وأنه أول من أطلق على حافظ الأسد صفة “ديكتاتور” في مقابلة تلفزيونية علنية سنة 2000. وبينما هم ماضون في التعداد أمسكتُ الجريدة التي نشرت زاويتي، وتقصدت أن أقرأها عليهم كلها. وعندما انتهيت سألتهم: هل توجد في المقالة إشارة قريبة أو بعيدة إلى أن الأستاذ الترك ديمقراطي أو أنه دون أخطاء أو… أو…؟ يا أخي أنا حكيت في موضوع “مربع” واحد فقط، هو تحقيق حلم 23 مليون سوري في أن يروا قائدًا يتنحى وهو على قيد الحياة! وبس.