اللجنة الدستورية.. لماذا يتهرب نظام الأسد من تدوير عجلتها؟

  • 2020/09/20
  • 12:00 ص

أسامة آغي

يدرك نظام بشار الأسد أنّ مفاوضات “جنيف” المتعلقة بعمل اللجنة الدستورية هي ليست مجرد مفاوضات حول قضية عادية، بل هي مفاوضات برعاية وإشراف دوليين، من أجل الاتفاق على نص دستوري جديد لسوريا، سواء كان سلسلة تعديلات جوهرية على دستور عام 2012، أم كان دستورًا جديدًا، يضعه فرقاء التفاوض من المعارضة والنظام والمجتمع المدني.

محاولات النظام السوري عرقلة عمل اللجنة الدستورية تستند إلى دعم إيراني، في وقت بات لدى الروس، وهم “حليف النظام”، تصور مختلف عما يريده هذا النظام، فهم يلحّون على ضرورة تدوير عجلة المفاوضات، دون اشتراط مسبق لجدول زمني محدد، تُنجزُ خلاله اللجنة الدستورية مهامها.

تسويف النظام، ومحاولته وضع عراقيل أمام عمل اللجنة الدستورية، يكشف تخوفه الحقيقي من نتائج عمل هذه اللجنة، التي تتمثل بنهاية مرحلة حكمه الممتدة منذ عام 1970.

النظام يعرف تمامًا أن الروس يستطيعون إجباره على الذهاب إلى جنيف، وخوض مفاوضات دستورية، وفق صيغة وضعتها الأمم المتحدة، حيث تتشكل اللجنة الدستورية من ثلاثة أثلاث، هي ثلث للمعارضة، وثلث للنظام وثلث للمجتمع المدني.

الضغوط التي تعرّض لها النظام السوري من روسيا، دفعت وزير خارجية هذا النظام، وليد المعلم، إلى الاعتراف لأول مرة بأهمية اللجنة الدستورية، والدور المنوط بها دوليًا، إذ قال “إن صياغة دستور جديد، أو تعديل دستور عام 2012، هي من مهام اللجنة الدستورية”.

كلام المعلم ينسف ما كان يردده النظام السوري من أن تعديل الدستور، أو تغييره، يتم عبر قبة “مجلس شعبه”، وهذا يعني إقرار بدور اللجنة الدستورية، التي تفاهم المجتمع الدولي على التئامها، خلال الربع الأخير من عام 2019، ثلاث مرات.

كلام المعلم يكشف عن حجم الضغط الروسي على النظام للذهاب إلى جنيف، وإنجاز السلة الدستورية، التي تشكّل وفق رؤية التوافق الدولي مدخلًا لحل سياسي للصراع في سوريا.

ولكن كلام لافروف حول جدول زمني للانتهاء من جلسات المفاوضات، يخفي خلفه استعدادًا للتسويف والمماطلة، وهذا الكلام أتى على لسان لافروف في زيارته الأخيرة لدمشق، حيث قال: “لا سقف زمنيًا للمفاوضات بين النظام والمعارضة بموجب القرار 2254”.

عدم تحديد سقف زمني للمفاوضات هو أمر يريده النظام السوري، ويريده الروس أيضًا، فالنظام السوري لا يريد موعدًا محددًا تنتهي فيه مرحلته السياسية، التي لا تزال مستمرة منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970، وانفراده بحكم البلاد. وهذا يعني بالنسبة للنظام زمنًا إضافيًا للمراهنة على تغيرات قد تحدث على المستويين الإقليمي والدولي، تصبّ في مربع مصلحة تجديد حكمه.

النظام يبدو أنه لا يقرأ صيرورة وجوده بصورة موضوعية، وهو لا يزال أسيرًا لمقولاته السابقة، التي فككتها ثورة السوريين عليه، وهذا يلعب دورًا في عدم قدرته على الخروج من الحكم، بصورة قد تكون بأقل خسائر على آل الأسد.

عدم تحديد سقف زمني للمفاوضات روسيًا، يعني أن الروس مقتنعون بضرورة تنفيذ القرار 2254، هذا التنفيذ له تصور روسي خاص، يخرج عن سياق التصور الأمريكي والدولي، ويبتعد عن القراءة الموضوعية للقرار المذكور ومرتكزاته الأساسية في بيان “جنيف 1” وتفاهمات “فيينا” المشهورة بين الروس والأمريكيين.

الروس يرون في مساري “أستانة” و”سوتشي” تعبيرًا عن محتوى رؤيتهم للقرار 2254، ولهذا، هم يعتبرون أن مفاوضات “جنيف” سترتكز في النهاية على قاعدة نتائج “أستانة” و”سوتشي”، وهذا نموذج قراءة رغبوية تعتمد على المماطلة والتسويف لكسب الوقت وفرض الرؤية.

الروس الذين يتجاهلون مصالح الأطراف الأخرى المنخرطة بالصراع السوري، ومنهم الغرب بقيادة الولايات المتحدة، هم عمليًا يعقّدون مسار الحل، ويبعدون عتبة الوصول إليه، عبر عدم وضع سقف زمني لمسار المفاوضات، فليست هناك في الصراعات مفاوضات لأجل نفسها، بل هناك مفاوضات تأتي تعبيرًا عن الحاجة إلى مخرج سياسي ملموس.

المخرج السياسي الملموس، الذي يتجنب الروس حتى اللحظة الخوض فيه، هو وجود آل الأسد في سدّة حكم سوريا، فالروس لا يزالون يرون فيه واجهة سياسية، تمكنهم من تعميق وتوسيع رقعة نفوذهم ومصالحهم السياسية والاقتصادية والعسكرية في هذا البلد.

ولكن مرور الوقت على هذه المراهنة، يضع الروس في مربع بدء خسارة الاستثمار بالورقة السورية، وكي لا يقعوا في مربع عرقلة حل الصراع وفق اتهامات الأمريكيين والغرب لهم، ضغطوا على الأسد ونظامه للقبول بجولات مفاوضات دون سقف زمني، تجري في جنيف، ولا أحد يضمن الوصول إلى نتائج حقيقية لها توقف الحرب في هذا البلد، وتعيد إليه حياته الطبيعية بعيدًا عن الاستبداد.

إن تصريحات لافروف لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياسة الروسية في سوريا، منذ بدء الثورة الشعبية ضد نظام الأسد، وهذه السياسة المؤيدة للنظام تجد فيه عاملًا مساعدًا لمصالحها فيه، لاستخدام تدخلها في الصراع من أجل صراعات أخرى بينها وبين الغرب عمومًا.

وفق هذه الرؤية، لا يمكن التعويل كثيرًا على تغيير جدي بموقف نظام الأسد من مفاوضات اللجنة الدستورية خلال جولاتها الثلاث المقبلة، ولعل محادثات الروس بأنقرة في 15 و16 من أيلول الحالي مع الأتراك، تكشف عمق المناورة الروسية بدفع النظام السوري شكليًا لمفاوضات مراوحة في المكان كسبًا للزمن، في انتظار تغيرات قد تحدث في المشهد السياسي الدولي، وفي مقدمة هذه التغيرات، ما قد تسفر عنه الانتخابات الأمريكية، التي يراهن الروس على خسارة ترامب فيها.

لقد صرح وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، بعد انتهاء المحادثات الروسية- التركية بين الوفدين العسكريين الروسي والتركي في 17 من أيلول الحالي لقناة “CNN”، “بالنسبة لسوريا، نحن بحاجة للحفاظ على وقف إطلاق النار في منطقة إدلب أولًا، والاجتماعات مع الروس ليست مثمرة للغاية”.

عدم إقرار موسكو بضمان الأتراك للوضع في إدلب، يكشف رغبتهم العميقة بإضعاف الدور التركي في الحل السياسي للصراع في سوريا، حيث طلب الروس من الأتراك سحب أسلحتهم الثقيلة، وتقليل نقاط المراقبة، وهذا يعزز الدور الروسي في فرض مسارات حل سياسي تريده موسكو بطلاء القرار 2254.

يمكن هنا الاستنتاج أن الروس يتظاهرون بدفع عملية المفاوضات في جنيف، لكنهم على أرض الواقع يعرقلون نجاح هذه المفاوضات، ويعوقون تنفيذ القرار الدولي 2254، القاضي بانتقال سياسي حقيقي من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي. فهل تنجح روسيا بمناوراتها هذه، أم أن حبل الوقت يضيق على عنق هذه المناورات؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي