ما دور القضاء السوري في رد الممتلكات العقارية لأصحابها

  • 2020/09/19
  • 10:43 ص

رياض علي

لا شك أن كل مواطن سوري سُلِبَ أو دُمِّرَ عقاره نتيجة النزاع الدائر في سوريا لما يقارب عقدًا من الزمن، ينتظر بفارغ الصبر انتهاء النزاع والتوصل لحل سياسي مقبول يوفر الأمن والاستقرار في سوريا عامة، كي يتمكن من المطالبة بإعادة عقاره الذي حُرِمَ منه، أو تعويضه بقيمة عقاره الذي دُمِّر كليًا أو جزئيًا نتيجة الأعمال الحربية، ومن الطبيعي أن يبني آماله تلك على السلطة القضائية كونها يفترض أن تكون الملاذ الآمن لكل من تعرض للظلم والحرمان.

لكن لو نظرنا إلى واقع القضاء في سوريا وهيكليته المعقدة سيكون من الصعب جدًا أن نعلق عليه الكثير من الآمال، خاصة وأن المطالبات ستأتي بعد مرحلة طويلة من النزاع  والاصطفافات بين السوريين، ومن بينهم القضاة بطبيعة الحال، إذ تمكن النظام السوري خلال تلك الفترة من تسمية القضاة الذين ضَمِنَ ولاءهم لنهجه وسياساته، خاصة بعد انشقاق المئات من القضاة السوريين الذين لم يرتضوا البقاء ضمن سلطة قضائية يترأسها رئيس الدولة الذي لم يتورّع عن استخدام كل أنواع الأسلحة ضد شعبه الأعزل، ولم يتردد جيشه في ارتكاب كل أنواع الانتهاكات التي قد ترقى إلى مصاف “الجرائم ضد الإنسانية” و”جرائم الحرب”، وقد قام هذا النظام أيضًا بإصدار قوانين جائرة وتشكيل محاكم فالتة من التقيد بالقوانين، كـ “محكمة الإرهاب” التي نص قانون تشكيلها على إمكانية إعفائها من التقيد بالأصول القانونية المنصوص عليها في التشريعات النافذة، وذلك في جميع أدوار وإجراءات الملاحقة والمحاكمة.

ولعل ما ألمحنا إليه على عجل يتناقض مع أدنى المعايير الواجب توافرها في السلطة القضائية عمومًا، والقضاة خصوصًا، والمتعارف عليها في الدول التي وصلت إلى مرحلة متقدمة من سيادة القانون، ومن أهم تلك المعايير توفر مبدأ استقلال السلطة القضائية، وعدم هيمنة السلطة التنفيذية عليها، وعدم التدخل في شؤونها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن هذا المبدأ في سوريا طالما أنه تم التنصيص في الدستور السوري وكذلك في قانون السلطة القضائية، على أن رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس القضاء الأعلى، وينوب عنه وزير العدل في ذلك، وكلاهما يشكلان ركائز السلطة التنفيذية، وهذه الأخيرة تتدخل بكل شاردة وواردة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمحاكم الاستثنائية ذات الصلاحيات الواسعة، والتي تسلب القضاء العادي اختصاصاته في كثير من الأحيان.

وبالعودة إلى الموضوع العقاري سنجد أن المحكمة المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب والتي أُحدِثَت عام 2012 كبديل عن محكمة أمن الدولة، قد مُنِحَت صلاحيات واسعة لمصادرة عقارات الأشخاص الذين قد يمثلون أمامها، والغالبية العظمى من هؤلاء هم من المعارضين السياسيين للنظام السوري، ومعلوم للكثيرين أن هذه المحكمة تستند في أحكامها على قانون مكافحة الإرهاب رقم (19) لعام 2012 الذي يتضمن الكثير من المصطلحات الفضفاضة، التي تحتمل أكثر من تأويل، فعلى سبيل المثال تمّت محاكمة أشخاص بسبب كتابتهم لمقال أو منشور على “فيس بوك” أو “تويتر” ينتقدون فيه تصرفات الحكومة السورية، وكانت التهمة “الترويج لأعمال إرهابية” الواردة في المادة (8) من القانون المذكور.

وإن توصل السوريون برعاية الأمم المتحدة والدول الفاعلة في الملف السوري إلى اتفاق السلام المنشود، وبقيت الأمور على حالها من حيث القوانين والمحاكم الموجودة، فستكون النتائج صفرية بخصوص تحقيق العدالة الانتقالية والمطالبة بالحقوق المسلوبة ومنها العقارية، خاصة مع فرضية عدم التمكن من إحالة الملف السوري إلى “محكمة الجنايات الدولية” في ظل تعنّت روسيا والصين بتمرير هكذا قرار في مجلس الأمن، إذ كيف سيكون لمحكمة الصلح المدني أو لمحكمة البداية المدنية (القضاء العادي)، الحكم بإعادة عقار تمّت مصادرته من قبل “محكمة الإرهاب” إلى مالكه، إن لم يتم إلغاء هذه المحكمة والقانون الذي استندت عليه في إصدار أحكامها الجائرة؟

لذلك، وحتى يتمكن القضاء المدني العادي من القيام بالدور المأمول منه في إعادة الحقوق لأصحابها بالفترة التالية لاتفاق السلام المرتقب، لابد من تحرير هذا القضاء من هيمنة السلطة التنفيذية وإلغاء النصوص الدستورية والقانونية التي ترسخ هذه الهيمنة، كما ولابد من إلغاء المحاكم الاستثنائية، وكافة الأحكام التي صدرت عنها، وإحالة الملفات القائمة أمامها على وجه السرعة إلى القضاء العادي، ومن المفترض أيضًا استبعاد جميع القضاة الذين أصبحوا أداةً بيد المنظومة التي حرمت الناس حيواتهم وحرياتهم وأملاكهم، ونقصد هنا على وجه الخصوص القضاة الذين عملوا في “محكمة الإرهاب” ومحاكم الميدان العسكرية والقضاء العسكري، فمن غير المقبول أن يكون هؤلاء جزءًا من منظومة العدالة التي ستنظر في الانتهاكات التي ارتُكبت في سوريا ومنها العقارية، إذ إن من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها القاضي، والتي تمنح الطمأنينة للخصوم هي صفة الحياد، وأي حيادٍ يمكن الحديث عنه بالنسبة لهؤلاء القضاة؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي