أثار تصريح وزير الخارجية اللبناني السابق، جبران باسيل، عن نية “حزب الله” الخروج من سوريا، كثيرًا من التساؤلات حول ما يحمله التصريح من مؤشرات ربما تقود إلى تغيرات في خارطة التوزع العسكري بسوريا.
تصريح “رئيس التيار الوطني الحر” باسيل، وهو من حلفاء “حزب الله” في لبنان، جاء في حين تدنو العقوبات الأمريكية منه، ولا سيما بعد إدراج شخصيات سياسية لبنانية داعمة لـ”حزب الله” على تلك العقوبات.
وقال باسيل في مؤتمر صحفي عقده، في 13 من أيلول الحالي، “حزب الله بدأ يفكر بالعودة من سوريا وتأمين ظروفها، ونحن كلبنانيين علينا احتضان ودعم قرار كهذا”.
وأشار حينها إلى أن المبادرة التي طرحها تياره على الرئيس اللبناني، ميشال عون، ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تتضمن في شقها السياسي موضوع تحييد لبنان لمناقشته على طاولة الحوار.
مناورة مع سيف العقوبات الأمريكي وتناغم مع فرنسا
مدير موقع “جنوبية”، الصحفي علي الأمين، يرى أن رسالة باسيل تتماشى مع المشيئة الأمريكية، وأن كل ما قاله في هذا الخطاب يخالف سياسته الداخلية في لبنان وموقفه من “حزب الله”، مرجحًا أن يكون مردّ ذلك إلى تبدّل موازين القوى.
وقال الأمين لعنب بلدي، “جبران (باسيل) كان يقدم أوراق حسن نية تجاه المطالب الأمريكية المعروفة بشأن لبنان”.
وأشار إلى أنه بإدراج اسم باسيل على لائحة العقوبات الأمريكية ينتهى حلمه برئاسة لبنان، “لا سيما أنه فقد وميشال عون كثيرًا من حضورهما في البيئة المسيحية خاصة واللبنانية عمومًا”.
وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية، في 8 من أيلول الحالي، عقوبات على وزيرين لبنانيين سابقين، هما يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل، بتهمة ضلوعهما في “الفساد” ودعمهما لـ”حزب الله” الذي تصنفه واشنطن كـ”منظمة إرهابية”.
وكان فنيانوس تسلّم وزارة الأشغال العامة والنقل من عام 2016 حتى 2020، بينما تولى خليل وزارة المالية في 2014، وهو أحد أركان حركة “أمل” الشيعية.
وينتمي باسيل، وهو صهر الرئيس الحالي، ميشال عون، إلى “التيار الوطني الحر”، الذي يمتلك علاقة مع “حزب الله” توطدت بموجب ورقة تفاهم في 2006، إذ تتلخص بتوفير غطاء مسيحي للحزب في وجه الضغوط الدولية مقابل تمكين “التيار الوطني” من السلطة، وهو ما خلص إلى وصول عون إلى سدة الحكم في لبنان عام 2017.
ويتوقع مدير “جنوبية”، علي الأمين، أن باسيل يريد أن يطلق هذا الموقف مدركًا الصعوبات التي يعاني منها “حزب الله” في لبنان (الذي يشهد أزمات داخلية)، وسوريا (التي تستهدف فيها إسرائيل مواقع إيرانية).
“ويريد أن يوحي للغرب، ولا سيما أمريكا، بأن موقفه المتماشي مع حزب الله في السابق قابل للأخذ والرد”، وفق تعبير علي الأمين.
وعن تاريخ علاقة باسيل بـ”حزب الله”، قال الأمين، “بالعودة للتاريخ، باسيل ليس ابن عون، وإنما ابن حزب الله، وكل تحركاته السياسية لها جذر أساسي يعود لحزب الله، ولا يمكن أن يتبدل موقفه إلا بتبدل موازين القوى”.
على الأرض.. لا مؤشرات على الانسحاب
وكان الصحفي الفرنسي في صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية جورج مالبرونو، نشر مقالًا عن اجتماع ماكرون مع رئيس الكتلة النيابية لـ”حزب الله” اللبناني، محمد رعد، خلال زيارته إلى لبنان.
وأوضح مالبرونو في المقال أن ماكرون قال للقيادي في “حزب الله”، “أريد العمل معكم، لكن هل يمكنكم إثبات أنكم لبنانيون، فالجميع يقول إنكم تخدمون أجندات إيرانية، هل تحبون اللبنانيين؟”.
وأضاف ماكرون في الاجتماع نفسه، مخاطبًا رئيس كتلة “حزب الله” البرلمانية، “عودوا إلى بلادكم، غادروا سوريا واليمن حالًا، وقوموا بما يلزم من أجل لبنان، لأن هذه الدولة ستعود بالفائدة على عوائلكم”، وفق مالبرونو.
وأثار المقال غضب الرئيس الفرنسي، إذ وبخ الأخير الصحفي الفرنسي، وقال، “ما فعلته هناك (في المقال)، مع الأخذ بعين الاعتبار حساسية الموضوع، ومع كل ما تعرفه من تاريخ هذا البلد، هو عمل غير مسؤول”، وفق شبكة “LCI” الفرنسية.
"Ce que vous avez fait est grave !" : colère d'Emmanuel Macron au Liban contre le journaliste français Georges Malbrunot du Figaro après la publication d'un article sur la rencontre entre Macron et Mohammed Raad, chef du bloc parlementaire du Hezbollah.pic.twitter.com/j9KCFkWphA
— Infos Françaises (@InfosFrancaises) September 2, 2020
آثار خروج “حزب الله” من سوريا.. فرضيات وحقائق
“حديث جبران باسيل عن عودة الحزب من سوريا تسويقي بحت، ويتناغم مع المبادرة الفرنسية ودورها الذي يكبر بلبنان”، وفق حديث شعبان، الذي أوضح أن وجود “حزب الله” في سوريا يأخذ شكل الاستثمار الطويل الأمد، بعد سنوات من الاستثمار العسكري والأمني.
وعن فرضية خروج “حزب الله” من سوريا وانتهاء دوره بانتهاء وجوده العسكري، أجاب الباحث العسكري شعبان بالنفي، فـ”حزب الله، كما إيران، عمل على تعزيز سيطرته في الأجهزة المحلية الأمنية والعسكرية بالمرحلة الأولى، ثم الاقتصادية والسياسية في المرحلة الثانية، ثم في المجتمع”.
وأوضح أن الحزب مختلف عن إيران، فهو موجود قبل الوجود الإيراني في سوريا من خلال العلاقات مع المهربين على الحدود اللبنانية ومع رجال أعمال واقتصاديين، مضيفًا أن الحزب عمل على حماية هذه المصالح ثم انتقل إلى تعزيز الجانب العسكري بعد دخول إيران “نظرًا للشراكة بينهما”.
من جانبه، يذهب مدير “جنوبية”، علي الأمين، إلى أن “مسألة انسحاب حزب الله من سوريا مرتبط بالاستراتيجية الإيرانية وهو شأن إيراني مباشر”.
وأضاف، “لا يمكن أن نتوقع انسحابًا فعليًا ومباشرًا للحزب من سوريا إلا بصفقة كبيرة وسرية، وإيران جزء فيها”.
ويقاتل “حزب الله” المدعوم من إيران إلى جانب قوات النظام في سوريا منذ عام 2013 (بدأ بدخوله مدينة القصير في حمص)، وساعد النظام السوري في قمع الاحتجاجات التي خرجت ضده في أنحاء سوريا، وامتص الهجمات والعمليات العسكرية التي بدأتها فصائل “الجيش الحر” في السنوات الأولى من تشكيلها.
وتتعرض قوات الحزب وإيران، في السنوات الأخيرة، لغارات متكررة من الطيران الإسرائيلي، تركز معظمها في محيط مطار “دمشق الدولي” والمنطقة الجنوبية، وصرح مسؤولون إسرائيليون مرارًا أن تل أبيب ستوسع عملياتها العسكرية في سوريا “عند الحاجة”، متذرعة بالخطر الإيراني المتنامي في سوريا، وخطر “حزب الله” عند حدودها.
–