تأخذ أزمة شرقي المتوسط منحى تصعيديًا بين تركيا واليونان، وتواصل الدولتان تحشيداتهما العسكرية في مياه المتوسط، فضلًا عن مناكفات بين الطرفين بأحقية كل منهما بمصادر الطاقة المحتملة في المتوسط.
هذه الأزمة الجيوسياسية بين الدولتين، العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ترافقها تحركات وزيارات دولية لمنطقة المتوسط، وسط ضغوط من فرنسا واليونان وقبرص الرومية، لتحريك عقوبات أوروبية ضد تركيا في قمة زعماء الاتحاد الأوروبي المرتقبة في 24 من أيلول الحالي.
وقال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أمس الاثنين 14 من أيلول، إنه لا يتوقع صدور عقوبات ضد بلاده من قمة زعماء الاتحاد الأوروبي آنفة الذكر، وإن أنقرة لا تستبعد ذلك أيضًا.
وأضاف أن هناك مساعي من قبل فرنسا واليونان وإدارة قبرص الرومية لدفع الاتحاد الأوروبي إلى إصدار عقوبات ضد تركيا، “وحتى الآن لم تحظَ بدعم أوروبي”.
وتصاعد التوتر بين الطرفين، بعدما أرسلت أنقرة، في آب الماضي، سفينة “أوروتش ريس” لتحديد آفاق التنقيب عن النفط والغاز عبر المسح الزلزالي في منطقة متنازع عليها بين تركيا وقبرص وبين اليونان.
وتتهم أثينا أنقرة بالتنقيب بشكل غير مشروع عن الغاز الطبيعي قبالة جزرها، وترد أنقرة بأنها تنقب في مناطق تنتمي إلى الجرف القاري التركي.
من المتوسط.. رسائل تركية إلى اليونان
وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، وصل، في 13 من أيلول الحالي، مع وفد عسكري تركي إلى منطقة كاش الساحلية (تابعة لولاية أنطاليا) المطلة على جزيرة “ميس”، بالتزامن مع زيارة رئيسة اليونان، كاترينا ساكيلاروبولو، للجزيرة ذاتها.
ونقلت وكالة “الأناضول” عن آكار قوله، إن اليونان سلحت 18 جزيرة بشكل مخالف للاتفاقيات، وهذا يصعّد التوتر ويقوّض الحوار، وأردف، “من وجهة نظرنا لن يفيد التوتر والحركات الاستفزازية أيًا كان وخصوصًا اليونان”.
كما أكد وزير الداخلية التركي تأييد بلاده للحوار، ورغبتها بحل المشاكل في المنطقة عبر الوسائل السلمية والسياسية، وأضاف في حديثه، “لن نتراجع عن حقوقنا في شرق المتوسط”.
وعرفت الجزيرة المذكورة بأسماء عدة، أشهرها كاستيلوريزو (باليونانية)، وميس، وكزل حصار (أي القلعة الحمراء باللغة التركية)، وتعد هذه الجزيرة بحكم اتفاقيات مبرمة جزيرة منزوعة السلاح، لكنها لطالما كانت إحدى بؤر التوتر بين تركيا واليونان.
ووفقًا للمادة 14 من اتفاقية “باريس” التي وقعتها 21 دولة، كان على اليونان نزع السلاح وإخلاء الجزر المعنية من الجنود، مع إبقاء عدد قليل من الدرك، وقوات الشرطة لحفظ الأمن، بحسب تصريح عضو هيئة التدريس بجامعة “معمار سنان” للفنون الجميلة البروفيسور سليمان قيزيل طوبراق لـ”الأناضول”.
ردود يونانية على بعد كيلومترين
كلمة آكار في كاش تزامنت مع حضور رئيسة اليونان، كاترينا ساكيلاروبولو، إلى جزيرة “ميس”، مشددة على أهمية الجزيرة بالنسبة لأثينا.
وقالت ساكيلاروبولو إن مطالب اليونان فيما يخص جزيرة “ميس” تشكل “أهمية استراتيجية عليا”، وأضافت في معرض حديثها أن “تصريحات القادة الأتراك تضر بأجواء حسن الجوار والسلام القائمة بين الشعبين التركي واليوناني”، بحسب ما نقلته “الأناضول”.
في حين أبدت رئيسة اليونان استعداد بلادها للحوار مع تركيا وفق القوانين الدولية.
وتقع هذه الجزيرة، التي تفرض اليونان سيادتها عليها، على بعد كيلومترين فقط من ساحل كاش، وتبعد عن البر اليوناني أكثر من 580 كيلومترًا.
وكان رئيس قسم الحقوق الدولية بكلية الحقوق في جامعة “مرمرة”، البروفيسور سلامي قوران، أوضح لـ”الأناضول” أن اليونان بالنسبة للجزر في المتوسط (12 جزيرة) “انتهكت شرط الوضع غير العسكري لمدة 60 عامًا، وهو ما يعد انتهاكًا لمعاهدة باريس، التي نصت على نقل الجزر الـ12 إليها”، وفق قوله.
بومبيو حاضر في المتوسط أيضًا.. بماذا أوصى؟
من ضمن التحركات الدولية في أزمة المتوسط، أتى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 12 من أيلول الحالي، إلى القسم الرومي من جزيرة قبرص، حيث التقى زعيم المنطقة، نيكوس أناستاسيادس، بحضور نظيره، نيكوس كريستودوليدس.
ودعا بومبيو هناك دول شرقي البحر المتوسط لحل خلافاتها بشأن الأمن وموارد الطاقة والبحار، بطرق دبلوماسية وسلمية، بحسب “الأناضول”.
كما أعرب بومبيو عن قلق الولايات المتحدة الكبير من الأنشطة التي تقوم بها تركيا شرقي المتوسط، وقال “إن جمهورية قبرص لديها الحق في الاستفادة من مواردها الطبيعية، بما في ذلك موارد الهيدروكربون في منطقتها الاقتصادية الخالصة”، وفق تعبيره.
وأضاف وزير الخارجية الأمريكي في حديثه، “سيتم تقاسم موارد الطاقة بين القبارصة الروم والقبارصة الأتراك”، لافتًا إلى أن رئيس بلاده، دونالد ترامب، تباحث هاتفيًا مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، حول التوتر المتصاعد في المنطقة.
بدوره قال أناستاسيادس، إنه أبلغ بومبيو باستعدادهم لترسيم حدود المناطق البحرية الشمالية والغربية من قبرص مع تركيا، عن طريق التفاوض أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
وجرى خلال اللقاء توقيع مذكرة تفاهم بشأن زيادة التعاون في القضايا الأمنية والعسكرية بين الطرفين.
كما أعلنت الخارجية الأمريكية، حينها، أن مذكرة التفاهم تشمل إنشاء مركز الأمن البري والبحري والموانئ في قبرص، مشيرة إلى أن المركز سيضمن للولايات المتحدة وشركائها تقديم الدعم الفني للشطر الرومي في مجال أمن الحدود والموانئ والجمارك.
–