حمص- عروة المنذر
“خسرتُ بما فيه الكفاية خلال السنوات السابقة نتيجة عدم استثمار أرضي الزراعية لعدم توفر مياه السقاية، ما دفعني للانتقال إلى تجارة المواد الغذائية وتأجير أرضي”.
يروى محمد الخليل، وهو مزارع من سهل قرية الفراحنية في ريف حمص الشمالي، معاناته لعنب بلدي، وهو مالك لأرض زراعية في المنطقة، لكنه قرر مزاولة مهنة أخرى بعيدًا عن الزراعة، بعدما فقد الأمل بعودة مياه الري لسقاية أرضه.
لكن محمد يفكر بالعودة إلى الزراعة إذا عاد ضخ المياه كالمعتاد في الحالة الطبيعية، وليس بشكل تجريبي.
وعادت مياه الري إلى قنوات ريف حمص الشمالي لفترة “تجريبية” ولأقل من شهر، بعد تسع سنوات من انقطاعها نتيجة المعارك الدائرة في المنطقة، التي تسببت بأضرار في القناة الأساسية التي تمر في أحياء ريف حمص، من المصدر الرئيس وهو سد بحيرة “قطينة”.
خسائر لا تعد ولا تحصى
اضطر المزارعون نتيجة انقطاع المياه عن أراضيهم للانتقال إلى الزراعة البعلية المعتمدة على مياه الأمطار، ما كلفهم خسائر فادحة، وأصبحت الزراعة استثمارًا غير مضمون الربح لدى كثيرين منهم اضطروا إلى بيع محاصيلهم بأقل من التكلفة.
وقال المزارع حسن العبد الله (اسم مستعار لضرورة أمنية)، من مدينه تلبيسة، إن انقطاع المياه تسبب بانخفاض منسوب الآبار، وأدى أيضًا إلى انقطاع التيار الكهربائي، ما تسبب بزيادة تكاليف ضخ مياه الآبار باستخدام مولدات “الديزل”، ونتيجة لذلك ابتعد الفلاحون عن زراعة المحاصيل المروية.
ناصر عز الدين، مهندس زراعي من مدينة الرستن، قال لعنب بلدي إن منطقة ريف حمص فقدت غطاءها الشجري بنسبة 80%، وخفّض انقطاع مياه الري منسوب المياه الجوفية لأكثر من 70 مترًا، ما زاد في تكلفة استخراجه.
وأضاف عز الدين أن حصار المنطقة وعزلها عن محيطها أدى إلى عجز المزارعين عن تصريف منتجاتهم الزراعية خلال عامي 2013 و2014، وخسروا خسائر فادحة قبل افتتاح سوق “الهال” المحلي الخاص بالمنطقة، ما دفعهم لقلع الأشجار وبيعها في سوق الحطب.
أملًا بعودة الموسم الزراعي
يوسف عبد السلام أحد مزارعي مدينة تلبيسة تحدث عن استبشاره مع عودة ضخ المياه، فـ”مع عودة ضخ المياه بدأنا التفكير بشكل فعلي بالعودة إلى التشجير والعناية بالأشجار، وبدأنا التحضير للعودة لري المزروعات التي غابت عنا منذ عشر سنوات”.
ويعتمد المزارعون بريف حمص الشمالي بشكل أساسي على الأشجار المثمرة، كالدراق والخوخ والمشمش، لكن انقطاع مياه الري دفع عددًا منهم إلى قص أشجارهم وبيعها كحطب للتدفئة.
ارتفاع أسعار “الضمان”
ترافقت عودة المياه إلى الأراضي الزراعية في ريف حمص الشمالي مع ارتفاع أجور “الضمان”، التي يدفعها المستأجر لقاء انتفاعه من أرض المالك الأساسي.
وكان بعض مالكي الأراضي الزراعية قرروا تأجير أراضيهم منذ انقطاع المياه وفقدانهم الثقة بالربح من الأراضي، بينما فضل آخرون استثمارها.
مهندس زراعي من مدينة تلبيسة، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، “بعد فصلي من وظيفتي بسبب اعتقالي لعدة أشهر لم أجد خيارًا إلا العمل الزراعي، فانطلقتُ من مزرعتي وتوسعتُ باستئجار أراضٍ إضافية في العام الحالي، لكن أجور الضمان ازدادت مع عودة المياه بشكل تجريبي إلى المنطقة منذ آب الماضي”.
وذكر أن أجور “الضمان” ارتفعت من 20 ألف ليرة سورية للدونم الواحد في عام 2019 إلى 40 ألف ليرة سورية للدونم في العام الحالي.
ولفت إلى ارتفاع أجور حراثة الأراضي، فمع عودة الإقبال على الاستثمار في القطاع الزراعي، ارتفع سعر الدونم بمعدل الثلث، مشيرًا إلى أن عودة المياه ستشكل منعطفًا إيجابيًا على الصعيد المادي للفلاحين الذين يشكلون ما نسبته أكثر من الثلث من السكان في المنطقة.
وعود بإطلاق المياه تباعًا
قال مدير الموارد المائية في حمص، إسماعيل إسماعيل، في 10 من آب الماضي، إن المياه أُطلقت باتجاه الأجزاء التي انتهت من عملية إعادة التأهيل، وستطلق تباعًا عندما تصبح بقية الأقنية جاهزة، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وأوضح إسماعيل أن هذه الشبكة تروي نحو 11 ألف هكتار في ريف حمص الشمالي وفي منطقة تلبيسة والرستن، إضافة إلى نحو 20 قرية أخرى، ما يسهم في إحياء الأراضي الزراعية في المنطقة، التي تشكل بدورها سلة غذائية لمحافظة حمص.