هل هذا زمن الزهد بالمناصب؟
جريدة عنب بلدي – العدد 37 – الاحد – 4-11-2012
هنا الحلبي – حلب
هل هذا زمن الزهد بالمناصب؟ هل يصحّ وفي هذا الوقت تحديدًا، ونحن في خضم هذه الثورة التي تكالبت عليها الأمم، أن يتراجع الشرفاء وينأوا بأنفسهم عن تسلم زمام الأمور والوجود في الصفوف الأولى لقيادة هذه الثورة؟
كثرت بين الثوار الحق ممن كان لهم الأسبقية في الحراك الثوري مقولة: ليس لنا مطامع سياسية، أو نحن لا نركض وراء المناصب، ليثبتوا للناس أنهم شرفاء ووطنيون ويعملون للبلد وليس لمنافع شخصية.
ومَنْ مِنَ المفترض أن يتولى زمام الأمور؟ أَثُرنا على هذا الطاغية لنولي أمرنا لطاغية آخر؟؟! وهل ستبقى كلمة منصب مرتبطة في أذهاننا بنهب البلاد والتحالف مع مافيات الاقتصاد التي تحتكر اقتصاد البلد لها؟ أليس حريًا بالثورة أن ترتقي بمفهوم المنصب من مطمع إلى مسؤولية تقع على عاتق شاغرها؟
من الملاحظ في الآونة الأخيرة، وخاصة في حلب، أن كل من كان له الأسبقية في الخروج في المظاهرات يعمل إلى الآن في المؤسسات والتكتلات الصغيرة التي بدأت تتأسس كنواة للدولة الحديثة، ولكن من يتولى قيادة هذه المؤسسات الوليدة؟ هناك أموال طائلة تصل إلى تركيا كمساعدات للثورة على الصعيدين الإغاثي والطبي، لم لا يصل منها إلا القليل القليل «ربما لا يتجاوز نسبة الـ 10%» أين تذهب هذه الأموال؟ أليست في رقبتنا ونحن المسؤولون عنها؟ لم لا يتولى الشرفاء بأنفسهم ترؤس هذه المؤسسات للحد من النهب وتوجيه هذه الأموال إلى مكانها الصحيح وعدم سرقتها أو إساءة التصرف بها؟
وكذلك على الصعيد العسكري، حَمَل السلاحَ أنبلُ شباب البلد وأكثرهم وطنية ومخافة من الله، ولكن إلى الآن نرى في بعض قيادات الجيش الحر ضباطًا متسلطين ولصوصًا، كانت لهم اليد الكبرى في تأخير النصر، فسمحوا بنهب مبالغ طائلة تحت سلطة السلاح وباسم الجيش الحر، وفرضوا سيطرتهم على مناطق وقرى كاملة تحت سلطة السلاح وكوّنوا ثروات طائلة. برزت عدة حالات من هذه الظاهرة في الريف الحلبي، ودخلت بكتائبها إلى داخل حلب أمثال عفش في عندان، والداديخي في اعزاز الذي أحكم سيطرته على المدينة وفرض على الناس أتاوات وعاقب من شتمه بعقوبة 100 ألف ليرة بالإضافة إلى سجنه لمدة ثلاثة أشهر!! فهل قمنا بهذه الثورة لنستنسخ نسخًا جديدة للأسد؟
ما عاد مفهوم القوة بالظلم والتسلط، نحن ثُرْنا على الظلم، ونحن أقوياء لأننا على الحق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم. ونحن الثوار مسؤولون عن الأموال التي تُقدَّم إلينا ونحن الآن نبني لسوريا المستقبل، كفانا ضعفًا وتنازلًا عن الحقوق، اليوم هو يوم القوة المستمدة من الحق.
صلاح الحاكم يعني حضارة ونهضة شعب كامل، عندما تولى رجب طيب أردوغان الحكم في تركيا، نهض بها خلال عشرة أعوام ليصبح ترتيبها على الصعيد الاقتصادي السادسة عشرة على المستوى العالمي. سئل يومًا عن سبب هذه النهضة السريعة، فأجاب وبكل بساطة: «حاربنا السرقة».
ولّى زمن تجنب السياسة لأنها قذرة، ما قدمنا كل هذه الأرواح ثمنًا لتبقى السياسة والسياسيين قذرين، ولا لتبقى المناصب بابًا لنهب هذا الشعب. في ثورتنا ثُرنا أيضًا على مفهوم المناصب وممارسة العمل السياسي، فلم تعد هذه المناصب تُهمةً لممارسيها، وإنما هي مسؤولية ونحن مسؤولون عن التهرب منها.
ليس المغزى من هذا الكلام هو التشجيع على الركض وراء المناصب وإنما الشعور بالمسؤولية اتجاه قيادة دفة هذا البلد ولاسيما في هذا الوقت العصيب، والقدرة على تصحيح المسار، وحتى القدرة على التصويت ضد من يخرب هذا البلد وإمكانية إقالته من منصبه، وعدم التهرب من تحمّل المسؤولية لمن تُوكَلُ إليه أية مهمة فيها خدمة هذا البلد ولو كانت منصبًا رفيعًا، قال صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإن أُعطيتَها عن مسألة وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتَها عن غير مسألةٍ أُعنتَ عليها).
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :