السويداء- ريان الأطرش
عند محطة وقود في مدينة السويداء، في 6 من أيلول الحالي، وفي أثناء اصطفاف طابور سيارات في الصباح لتعبئة الوقود، نشب شجار بين شخصين تطور لاستدعاء أحدهما مسلحين مجهولين من فصيل محلي، وعند وصولهم حدث إطلاق نار كثيف أصيب بسببه ثلاثة أشخاص نُقلوا إلى المستشفى، ثم هاجم عدة أشخاص مجهولين محطة الوقود، وحطموا زجاجها احتجاجًا على القائمين عليها لعدم تنظيم دور السيارات.
يختصر هذا المشهد مدى عمق أزمة البنزين التي تعيشها محافظة السويداء، حيث ينام أصحاب سيارات داخلها منذ ساعات الليل للحصول على البنزين في صباح اليوم التالي.
سائق سيارة أجرة اختار اسم “أبو عمر” للتعريف بنفسه، قال لعنب بلدي إن مصدر رزقه ورزق أسرته يعتمد على عمله وراء مقود السيارة، واضطر إلى ركن سيارته قبل الساعة الـ12 ليلًا خلف 50 سيارة تنتظر الوقود أمام إحدى المحطات للحصول على البنزين، وقد أحضر معه الماء ووجبة صغيرة من الطعام لأنه لا يستطيع ترك سيارته خوفًا من السرقات.
عادة ينتظر السائقون صباح اليوم التالي ليصل صهريج البنزين لتعبئة خزانات وقود سياراتهم وينطلقون إلى العمل، لكن هذا الصباح لم يحالف الحظ السائقين، فالصهريج لم يأتِ لسبب مجهول، وخسر “أبو عمر” الساعات التي انتظرها هباء ليبدأ مع بقية السائقين البحث عن محطة وقود أخرى.
عدم وصول الصهريج يعني لـ”أبو عمر” وللسائقين عدم العمل طوال اليوم، وعدم تأمين دخلهم ليلحقوا بقطار الأسعار السريع.
يتكرر هذا المشهد أمام محطات وقود أخرى، منذ بداية أيلول الحالي، فمن السائقين من يأتي دوره متأخرًا فتكون كمية الوقود في المحطة قد نفدت، وقليل من يملأ خزان وقود سيارته بكمية الوقود المخصصة له على بطاقته “الذكية”، وهي 30 ليترًا فقط لا تكفي لأكثر من عشرة أيام، بعد أن خفضتها حكومة النظام السوري من 40 ليترًا.
وشهدت السويداء خاصة والمحافظات السورية بشكل عام عدة أزمات وقود، لكنها كانت الأكثر شدة هذه المرة.
بنزين “البسطات” حل مرتفع الثمن.. ما مصدره؟
خلال السنوات السابقة، اعتاد أهالي المحافظة على شراء البنزين من “بسطات” في شوارع محافظة السويداء، ويتراوح سعره من 400 إلى 500 ليرة سورية لليتر الواحد، لكن أزمة الوقود وانخفاض قيمة الليرة أمام الدولار، دفعت بالسعر إلى الارتفاع ليصل، في 12 من أيلول الحالي، إلى ألف ليرة في حال توفره (الدولار يقابل 2000 ليرة وسطيًا).
بينما يبلغ سعره المدعوم في محطات الوقود 250 ليرة سورية لليتر الواحد “نوع أوكتان 90” و575 ليرة “نوع أوكتان 95″، ويحصر البيع بالسعر المدعوم بـ”البطاقة الذكية” فقط.
مصدر البنزين الذي يباع في “بسطات” أو أكشاك المدينة، بحسب ما قاله أحد مالكيها لعنب بلدي، من المنطقة الصناعية في عدرا بريف دمشق، إذ يتفق مع صاحب معمل في المنطقة على تعبئة خزان سيارته بسعة خمسة آلاف ليتر من البنزين المخصص لتشغيل المعمل، ثم يعود إلى السويداء مع دفع بعض “الرشى” على حواجز قوات النظام خلال طريق العودة.
توفر مادة البنزين في السوق السوداء ونقصها في المحطات النظامية يزيد تذمر الأهالي من الأزمة، إذ قال خالد العشعوش، وهو أستاذ في إحدى مدارس السويداء، إن الأهالي ضحية أمرين، إما الاصطفاف لساعات طويلة أمام محطات الوقود، وإما الشراء من موزعي السوق السوداء بأربعة أضعاف سعر البنزين في المحطات.
ودفع اضطرار بعض سائقي سيارات الأجرة لشراء الوقود من السوق السوداء إلى رفع أجور النقل، لتعويض ما دفعوه، إذ يتراوح سعر التوصيل بالسيارة داخل المدينة بين 700 و1200 ليرة.
كيف تبرر الحكومة الأزمة؟
“المكتب الصحفي لمحافظة السويداء” برر، عبر صحفته في “فيس بوك”، في 8 من أيلول الحالي، سبب الأزمة بتخفيض مخصصات المحافظة إلى أقل من نصف احتياجاتها من البنزين.
وأضاف أن الأزمة تعيشها جميع المحافظات السورية، وأن الأمر “متابع من الجهات المعنية في الحكومة”.
وكانت محافظة السويداء شهدت، في أيار الماضي، احتجاجات من الأهالي على الوضع المعيشي، وارتفعت أصوات المحتجين إلى حد المطالبة برحيل النظام السوري.