لماذا تتصارع إيران وروسيا على استثمارات “معطلة” في سوريا

  • 2020/09/13
  • 2:32 م

أشخاص يخوضون حريقًا بالقرب من بئر نفطية في حقل زراعي في بلدة القحطانية في محافظة الحسكة- 10 من حزيران 2019 (AFP)

عنب بلدي – علي درويش

تعلن كل من روسيا وإيران عن مشاريع استثمارية في سوريا، لكن هذه الاستثمارات لم تدخل حيز التنفيذ، ولم تظهر جدواها الاقتصادية، ولم تسند الاقتصاد السوري المتهالك، ما يفتح باب التساؤل عن الأهداف التي تريدها الدولتان من وتيرة الإعلانات المتسارعة عن هذه المشاريع.

تحدّث رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن عزمه إنجاح المشاريع الاستثمارية الروسية في سوريا، وذلك خلال زيارة وفد روسي رفيع المستوى إلى دمشق، في 7 من أيلول الحالي.

ومن هذه المشاريع الإعلان عن استثمارات روسية في حقول نفط خارج سيطرة النظام السوري أو تشغيل مطار “القامشلي”، وهو ما لم يحدث أيضًا.

وتشابه هذه المشاريع إعلان الحكومة الإيرانية عن مشروع إنشاء مصفاة نفط بالقرب من حمص في 2017، وبناء 200 ألف وحدة سكنية في 2019، وكلا المشروعين لم يرَ النور.

ومن بين 118 مشروعًا وافقت عليها وكالة الاستثمار السورية عام 2018، اتخذت 46% فقط خطوات جدية نحو التنفيذ اعتبارًا من أوائل العام الحالي، حسب دراسة للباحث السوري في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن، الدكتور في الاقتصاد كرم شعار، الذي وصف الاستثمارات بـ”الصورية”.

فكثير من المشاريع وُقّعت مع النظام الإيراني عام 2017، وتبين لاحقًا، حسب تصريحات المسؤولين، أنها عبارة عن مذكرات تفاهم، ولم يوقّع النظام السوري على الاتفاقيات بشكل نهائي، ما يعني عدم قابلية الاستثمار للتطبيق، حسب حديث المحلل والباحث الاقتصادي يونس الكريم، إلى عنب بلدي.

تسابق في الإعلان عن مشاريع.. ما الهدف

تسعى “كثير” من الإعلانات الاستثمارية لروسيا وإيران في سوريا إلى “ذر الرماد في الأعين”، حسب الباحث كرم شعار، الذي قال إن الحكومات الداعمة للنظام السوري تظهر لشعوبها أنها تحصل على مردود اقتصادي لقاء نفقاتها المترتبة على حماية “نظام الأسد”.

بينما لا تملك إيران أي استثمارات ذات مردود اقتصادي يُذكر في سوريا إلى اليوم، رغم كل الحديث الدائر في الإعلام عن استثماراتها.

ورغم أن روسيا حصلت على مردود أعلى من إيران، يبقى محدودًا بـميناء “طرطوس” التجاري، واستثمار حقول الفوسفات في البادية السورية، وعقد تشغيل لشركة أسمدة حمص، وعقد استكشاف نفط وغاز في مياه سوريا الإقليمية بحوض المتوسط، حسب شعار.

ويرى الباحث والمحلل الاقتصادي يونس الكريم، في حديثه إلى عنب بلدي، أن الإعلان المتكرر عن المشاريع الاقتصادية يهدف إلى عدة نقاط تتمثل بـ:

· إيصال رسالة إلى المجتمع الدولي أن المشاريع المعلن عنها للدولتين (روسيا وإيران).

· التأكيد أن هذه المشاريع شرعية متفق عليها مع حكومة النظام، وأن النظام وقّع عليها بحرية الإرادة.

· إيصال رسالة إلى المستثمرين أن هذه المشاريع محجوزة لطهران وموسكو ولن تتنازلا عنها، وفي حال الرغبة بالحصول على هذه المشاريع، لا بد من الدخول مع هاتين الدولتين للمقايضة والتفاوض.

· وللقول إن الروس والإيرانيين في المنطقة لحماية مصالحهم الاقتصادية ومشاريعهم، وهذا حق دولي لهم من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنهم قادمون بموافقة “حكومة الأسد”، وهي الحكومة “الشرعية” وفق معايير الأمم المتحدة، وبالتالي وجودهم “شرعي”.

فرق في استراتيجية الاستثمار..

روسيا “مباشرة”.. إيران تعتمد “حاضنة فقيرة”

وتختلف استراتيجية البلدين في السيطرة على الاستثمارات، حسب الباحث يونس الكريم، فالروسية تعتمد الحصول على المشاريع الجاهزة القابلة للاستثمار مباشرة، وبالتالي لا توجد تكاليف إضافية تدفعها الحكومة الروسية تمهيدًا لاستثمارها.

وهذا يعود إلى العقلية “المافياوية”، بحسب تعبير الكريم، إذ تريد روسيا الآن الحصول على هذه المشاريع، ثم بيع المشاريع التي لا تحتاج إليها أو التي لا تدخل ضمن استراتيجياتها إلى دول أخرى، والمقايضة عليها بملفات أخرى، وهي مشاريع كثيرة ليست لها أهمية الآن، مثل استثمار “M4” الذي يتمتع بأهمية استراتيجية واقتصادية، إلا أنه ليس مهمًا لروسيا بشكل جوهري، وتريد التفاوض والضغط على تركيا عبره بملفات كثيرة.

إضافة إلى مشروع السيطرة على الغاز في ريف حمص، فالكميات المستخدمة ليست كبيرة، لكن لها أهمية كبيرة بالتفاوض مع الدول الأخرى والضغط على القرار السياسي السوري.

أما الاستراتيجية الإيرانية فأصبحت تقوم على تكوين حاضنات شعبية تعتمد على الفقراء، نتيجة التمدد الروسي.

وفي حال محاولة أي طرف دولي، سواء روسيا أم الولايات المتحدة أم تركيا أم حتى النظام إخراج إيران من المعادلة السياسية، تحرك إيران حاضنتها ضد الحكومة السورية، ويؤدي ذلك إلى ضغط على المستثمرين، لأن الاستثمارات هشة وتقابلها فوضى سياسية، وبالتالي تجبر الحكومة على تقديم تنازلات، كما أن الحاضنة تصبح جزءًا من القرار السياسي، كالذي حدث في الضاحية الجنوبية بلبنان ونفوذ الحوثيين في اليمن وأتباع الصدر في العراق، حسب يونس الكريم.

صراع على الاستثمار

لخّص يونس الكريم الصراع الروسي- الإيراني على الاستثمارات في سوريا، بطرق نقل الطاقة ومناجم الفوسفات وآبار النفط، أما بقية الاستثمارات فلا يوجد تقاسم مصالح بقدر ما هي محاولات للحصول على استثمارات لتثبيت الشرعية، والحصول على جزء من القرار السياسي السوري.

ومن أبرز الملفات التي تشهد صراعًا استثماريًا، حيازة استثمارات على البحر المتوسط الذي يعتبر بوابة لأسواق الاستهلاك العالمي، والصراع على مناجم الفوسفات، وعلى استثمار القمح والغاز والنفط في شمال شرقي سوريا.

وتصارع إيران على “M4″، بسبب أهميته لها بنقل التجارة الإيرانية إلى حوض المتوسط، والطريق الذي تمر منه خطوط نقل الغاز (أنبوب الصداقة) في بادية حمص.

أسباب منعت تحسّن اقتصاد النظام

استبعد الباحث كرم شعار حصول أي تحسّن حقيقي في الاقتصاد السوري في ظل العقوبات الغربية التي تستهدف عملية إعادة الإعمار.

ومن المبكر الحديث عن تأثير العقود التي ذكرها رئيس النظام السوري، في 7 من أيلول الحالي، ويقدر عددها بـ40 مشروعًا، بسبب عدم معرفة طبيعتها أو تفاصيلها، حسب شعار.

فالاقتصاد السوري أصبح في حالة من “الفوضى” بسبب استثمارات “صورية”، يعلم المستثمرون فيها عند توقيع العقود أن هذه المشاريع “لن تحقق أي تقدم” في مجال الاستثمار الاقتصادي.

وأوضح الباحث يونس الكريم أن الاستثمارات لم تؤدِّ إلى تحسن في الاقتصاد السوري لعدة أسباب، الأول له علاقة بالعقوبات الاقتصادية.

فالعقوبات تمنع أي مشروع أن يكون ذا جدوى اقتصادية قابلة للاستثمار، خاصة مع عدم انطلاق إعادة الإعمار، وعدم وجود التمويل الكافي والعلاقة مع العالم الخارجي، لتصبح هذه الاستثمارات مكلفة.

والثاني، ارتفاع سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأخرى، فانخفاض القوة الشرائية للمواطن السوري يجعل أي استثمار موجه للداخل السوري غير مجدٍ اقتصاديًا، لعدم القدرة على شراء هذه السلع أو الخدمات التي تنتجها، وبالتالي هذه الاستثمارات ورقية غير قابلة للتنفيذ لعدم جدواها اقتصاديًا.

كما أن استمرار “الصراع والنزاع المسلح” دوليًا وإقليميًا في سوريا، يعرّض أي استثمار لمخاطر، كالتدمير من الأطراف الأخرى أو الضغط على المستثمرين.

إضافة إلى ظهور أمراء الحرب، والاغتيالات الداخلية بين كل طرف مع التيارات الأخرى، وانتشار الفساد داخل مؤسسات الدولة السورية.

واُستخدمت وزارات الدولة كأداة من أدوات الحرب، كما حدث مع استخدام وزارة المالية في الحجز الاحتياطي على أموال كثير من الأطراف المتصارعة المحسوبة “قليلًا” على التيار الروسي والإيراني في 2019 و2020، وهذا يعوق أي طرف من الأطراف عن أن يضخ أموالًا للاستثمار.

كما تُفشل البنية القانونية المتهالكة للاقتصاد السوري الاستثمارات، إذ لم يطرح النظام أي تغيير بالبنية الاقتصادية السورية، وعلى العكس أُصدرت بضع لوائح تنفيذية، وعُرقل أي تطوير في البنية الاقتصادية، كمنع التعامل بالدولار ومنع إخراجه وآلية النقل بين المحافظات كلها.

وهناك أسباب أخرى تعرقل هذه الاستثمارات، فهي تحتاج إلى أموال ضخمة جدًا غير متوفرة الآن لدى الدولتين، وهما تعانيان من حصار اقتصادي دولي.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية