غابات سوريا تحترق بنيران الإهمال والفساد

  • 2020/09/13
  • 4:00 م
رجل يحاول إخماد النار باستخدام غصن شجرة في ريف حماة الغربي - 8 أيلول 2020 (AFP)

رجل يحاول إخماد النار باستخدام غصن شجرة في ريف حماة الغربي - 8 أيلول 2020 (AFP)

حباء شحادة | عمار زيادة

ارتفعت أعمدة الدخان عاليًا، وامتزج لونها الأبيض مع لون اللهب البرتقالي وهو يلتهم أوراق الأشجار الخضراء، حرائق تداولت مشاهدها وسائل الإعلام المحلية منذ نهاية آب الماضي، كاد عبد المعين أن يشتمّ رائحتها مسترجعًا ذكريات الظلم والفساد التي اعتاد عليها كل عام من جبل اللاذقية المجاور لقريته في سهل الغاب.

توالت عشرات الحرائق في الأراضي الزراعية والحرجية في سهل الغاب وريف حماة وسلسلة الجبال الساحلية مع بدء موسم الجفاف في سوريا، وتتابعت الأنباء عن جهود مكافحتها وإلقاء القبض على المتهمين بافتعالها، في حين استمر لهيبها في التصاعد مثيرًا التساؤلات بشأن مصير الغابات والمستفيدين حقًا من إيذائها في البلد الذي لا تعرف حكومته الشفافية.

بين الأرقام الحكومية والتقديرات الأممية وآراء المحللين والخبراء، تحاول عنب بلدي في هذا الملف الوقوف على أسباب اشتعال الحرائق في الغابات، ومن المستفيد منها، وما آثارها على سوريا في الحاضر والمستقبل.

خسر عبد المعين المصري، رئيس المجلس المحلي في قبرفضة، داره، بعد أن وقعت القرية التي تبعد كيلومترات قليلة عن جبل اللاذقية في يد قوات النظام عام 2015، إلا أنه لم يخسر ذكرياتها.

عشرات السنين استرجع أحداثها الرجل الأربعيني ليقول إن موسم “إشعال” الحرائق معتاد في المنطقة، ومعروف الأسباب والمسببين، إذ يتزامن لهيبها مع اقتراب الشتاء لأجل التحطيب واستثمار الأراضي المحروقة “بمعرفة الدولة”.

اندلع 57 حريقًا حرجيًا، والتهم 1.7 هكتار من الأراضي المحمية، منذ بداية العام الحالي حتى 9 من أيلول الحالي، وفقًا لبيانات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في حكومة النظام السوري، ألقي القبض إثرها على ستة مشتبه بهم “بجرم التسبب بالحرائق”، حسبما أعلنت وزارة الداخلية، في 11 من أيلول الحالي، “بعد أن تبين أنهم قاموا بإشعال النار في أراضيهم الزراعية ومن ثم انتقلت إلى الحراج”.

برأي عبد المعين فإن الحرائق لا تحدث لأسباب طبيعية ولكن “مفتعلة”، ويستثمرها أهالي المنطقة في الزراعة والتحطيب وتجارة الفحم، الذي تعلن الدولة عن استثماره بعد إخماد النيران، إلا أنها “تمنع عنه سكان المناطق المجاورة”، حسبما قال رئيس المجلس المحلي لعنب بلدي.

فرق الدفاع المدني السوري يطفؤون الحرائق الممتدة إلى جسر الشغور في ريف إدلب الغربي من الجنوب – 11 أيلول 2020 (الدفاع المدني سوريا – محافظة إدلب فيسبوك)

ما الغابات التي تملكها سوريا؟

غطت الغابات معظم مساحة الأراضي السورية في قديم الزمان، حسبما تبين الآثار التاريخية، إلا أن تلك المساحة انحسرت قرنًا تلو آخر حتى “أدركت الحكومة أهمية الغابات والأشجار، وأعلنت الخميس الأخير من كل عام عيدًا للشجرة”، حسبما ذكر تقرير قدمته مديرية الأحراج في وزارة الزراعة السورية إلى منظمة الأغذية والزراعة الأممية (FAO) عام 1993.

أقيم الحفل الأول بـ”عيد الشجرة” عام 1952، وفي عام 1960 أصبحت مشاريع التشجير ضمن الخطط الخمسية للحكومة، وخصصت لها ميزانية خاصة، مع ما تحمله الغابات من أهمية اقتصادية تتجلى في تقديمها الخشب الصناعي ومتطلبات صناعة الورق والصناديق والفحم النباتي ومواد صناعية أخرى للسوق المحلي.

قسّم التقرير مساحة الغابات، البالغة 445 ألف هكتار، إلى 150 ألفًا في طرطوس واللاذقية وإدلب وحماة، تتشكل من الصنوبر والأرز والشوح والسنديان والبلوط، و225 ألف هكتار من تغطية غابية متفرقة “لا تناسب إلا صناعة الفحم النباتي”، في دمشق وحمص وحلب والسويداء، و70 ألف هكتار من الغابات في حماة ودمشق، يشكل الفستق الحلبي والعرعر أهم أنواعها.

منذ العام 1952، بدأت جهود توسيع الرقعة الحرجية من خلال استصلاح ثمانية آلاف هكتار ما بين عامي 1952 و1976، وما بين 1977 و1984 غُرست أكثر من 25 مليون غرسة سنويًا وزُرع أكثر من 96 ألف هكتار، ثم ارتفع عدد الغراس إلى 30 مليونًا كل عام.

أرقام لم تتمكن وزارة الزراعة من مواكبتها خلال سنوات الحرب، مع انخفاض أعداد الغراس، وفق تصريحات مدير الحراج في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي حسان فارس، إلى مليون ونصف المليون غرسة عام 2018، ولم تترجم على أرض الواقع، فمع تسجيل وكالة الأغذية والزراعة الأممية (FAO) ارتفاعًا في النسبة التي تشكلها الغابات والأحراج في سوريا ما بين عامي 1997 و2017، من 2.3% إلى 2.7%، فإن الزيادة في أعداد الأشجار لم تتجاوز 104 ملايين شجرة منذ عام 1995 وحتى عام 2018، وفق إحصائيات وزارة الزراعة، أي ما يقل عن أربع سنوات من خطة الاستصلاح الحكومية.

وفي حين تقدم المجموعات الإحصائية في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بيانات تفصيلية عن أعداد الأشجار والمحاصيل وتوزعها في سوريا من عام 1995 وحتى عام 2018، إلا أنها تتجاهل تمامًا دور الحرائق وأثرها على تعداد الأشجار في المناطق الحرجية.

وفي تقرير عام 1993، ذكرت الوزارة أن الغابات الطبيعية تغطي 450 ألف هكتار، مع 270 ألف هكتار من الأراضي المستصلحة، إلا أن بياناتها المؤرشفة لعام 1993 ذكرت أن مساحة التحريج الصناعي كانت 143 ألف هكتار ذاك العام، مع 232.840 هكتار من الحراج الطبيعي، الذي بقيت مساحته ثابتة حتى عام 2018، في حين ارتفعت مساحة الأراضي الحرجية المستصلحة بنحو 151 ألف هكتار.

وتميز البيانات الحكومية ما بين مساحة الغابات الفعلية وما بين المساحة المسجلة للغابات، التي ارتفعت من 585.287 هكتار عام 1993 إلى 586.112 عام 2018 بزيادة قدرها 825 هكتارًا.

نسبة الغابات التي احترقت ما بين عامي 1976 وحتى 1991 كانت 3% وفقًا لتقرير الوزارة، بمعدل 174 حريقًا كل عام، تأتي على 1443 هكتارًا سنويًا، بتكلفة 50 ألف ليرة سورية للهكتار، وفق تقديرات عام 1993.

وضعت سوريا نظامًا للإنذار المبكر حول الحرائق عام 1984، ولكنه لم يكن فعالًا بتقليل أعداد الحرائق ولا شدتها، حسبما ذكر التقرير قبل 27 عامًا، “لأن منشآت الإطفاء الأخرى من رجال الإطفاء والمعدات والمعلومات وغيرها لم تتطور معه”، وهي على ما يبدو الحال المستمرة حتى الآن، إذ حسب إحصائيات مديرية الحراج بلغ عدد الحرائق الحرجية عام 2019 وحده 627 حريقًا.

 

الحرائق تشتعل.. فتش عن المستفيد

تحصل معظم الحرائق في موسم الجفاف، خاصة في أشهر آب وأيلول وتشرين الأول والثاني، ووفقًا لتحليل أجرته وكالة الأغذية والزراعة الأممية (FAO) فإن الحرائق تلحق الضرر الأكبر بالغابات أكثر من أي من العوامل الطبيعية الأخرى من الآفات البكتيرية والحشرات والأعاصير والصقيع وغيرها.

وفي منطقة حوض المتوسط، وعلى عكس بقية المناطق حول العالم حيث تعزى النسبة الكبرى للحرائق إلى الأسباب الطبيعية، خاصة الصواعق، فإن الحرائق المفتعلة هي الطاغية، في حين لا تمثل النسبة الطبيعية سوى 1 إلى 5% من مجموع الحرائق حسب البلد.

ومما يلاحظ في منطقة المتوسط، حسب التقرير، ارتفاع نسبة الحرائق المجهولة السبب، أما ما يعرف منها فنسبته الأكبر تعود للإهمال والجهل، وترتبط بخطوط الطاقة ومكبات النفايات والتفحيم والحرائق التي يفقد الإنسان سيطرته عليها، وأعقاب السجائر.

وفي الحالة السورية، تقسم الأسباب إما للجهل والإهمال، وإما لغاية “الربح الشخصي” لزيادة مساحة المراعي والسيطرة على الحيوانات البرية مثل الخنازير البرية، وللصيد، ولاستغلال الحطب، ولزيادة مساحة الأراضي الزراعية.

تفرض حكومة النظام السوري قوانين صارمة لمنع المخالفات على الأراضي الحرجية، لكنها تمنح تراخيص تسمح بقطع الأشجار أو الاستفادة من حطبها أو استصلاح الأراضي أو الرعي بها أو استخدامها للتفحيم، بعد تقديم تعهدات خطية بتعويض خسارة المنطقة، وتقديم تأمينات لا تتجاوز ألفي ليرة سورية.

من المستفيد؟

عندما تحدث الحرائق وتختفي الأشجار “هناك مستفيد”، ليس بالضرورة أن يكون الشخص الذي تسبب بحرقها، بحسب دكتور الاقتصاد الزراعي ووزير الزراعة السوري الأسبق، نور الدين منى، وهو مسؤول وممثل لمنظمة الأغذية والزراعة الأممية (FAO).

وأوضح  الوزير لعنب بلدي أنه يمكن بعد الحرائق الاعتداء على حرم الغابة، وزيادة المساحات الزراعية التي تمنع زراعتها، على الرغم من “قانون الحراج” السوري “رقم 6” لعام 2018.

وتعزو أرقام الأمم المتحدة 95% من الحرائق حول العالم للعامل البشري (إما لهدف مقصود مفتعل، ويكون لغايات خاصة اقتصادية، وإما لخطأ بشري غير مقصود: رمي أعقاب السجائر، عدم إطفاء مخلفات الشواء وتركها، إهمال…) بينما تمثل الحوادث الطبيعية (البرق، ارتفاع حرارة مع إمكانية وجود مخلفات زجاجية أو صخور ذات طبيعة معينة، أو تماس كهربائي إذا كان التوتر العالي يمر من الغابة) 5% فقط.

لكن الدكتور نور الدين منى يرجح أن تصل نسبة الحرائق التي وراءها عامل بشري في سوريا إلى 98% سواء كانت مفتعلة أم سببها الإهمال.

أشجار تحترق في ريف حماة الغربي – أيلول 2020 (AFP)

ماذا يقول القانون؟

يتعامل “قانون الحراج” بشكل صارم مع الاستفادة من موارد الحراج، ففي مادته السادسة، لا يسمح لأي جهة عامة عامة أو خاصة بالمباشرة بأي عمل باستخراج مواد من الأراضي الحرجية قبل الحصول على موافقة الوزارة المسبقة على الترخيص من الجهات المختصة.

ويحصر منح التراخيص لاستخراج الموارد بقرار من الوزير، مشترطًا:

– دفع قيمة الأشجار والشجيرات وغيرها التي يتم قطعها في الموقع المرخص.

– أن تتعهد الجهة الطالبة للترخيص بإعادة تأهيل الموقع وتحريجه على نفقتها.

– تكلف الجهة الطالبة للترخيص بدفع تأمين لدى أحد المصارف العامة كأمانات حرجية يعادل مقدار تكلفة إعادة تأهيل الموقع المطلوب ترخيصه، ويحدد بقرار من الوزير.

– في حال عدم تأهيل الموقع وتحريجه من قبل الجهة المرخصة، تقوم الوحدة التنظيمية بتأهيل وتحريج الموقع على نفقة الجهة المرخصة، وتستوفى المبالغ من التأمينات المودعة في المصرف لهذه الغاية وفق القوانين والأنظمة النافذة، وفي حال عدم كفايتها يتم استيفاؤها حسب قانون جباية الأموال العامة.

يصف الدكتور منى القانون بـ”المتطور”، لكن المشكلة ليست فيه، وإنما بتطبيقه، كما الحال في العديد من القوانين السورية.

ويعزو غياب تطبيق قانون الحراج إلى الفساد، وغياب المراقبة، وضعف الثقافة والوعي البيئي، والتنصل من المسؤولية.

 

فرضية التفحيم.. تضليل في الرواية الرسمية

بعد تداول ناشطين اتهامات عن افتعال الحرائق في سهل الغاب بهدف تصنيع الفحم من أخشابها، نفى فوج إطفاء اللاذقية، في 6 من أيلول الحالي، هذه الفرضية، واصفًا المعلومات بـ”المضللة”.

وقال الفوج، في بيان عبر صفحته في “فيس بوك”، إن “إشعال الحرائق للحصول على الفحم يعد معلومات مضللة وغير صحيحة، فالخشب المحروق لا يصلح أبدًا ليكون فحمًا”، وعزا أسباب الحرائق إلى أخطاء بشرية وعوامل طبيعية.

وأوضح الفوج أن أغلبية الحرائق الضخمة “سببها المواطن”، وذلك “إما من خلال حرقه الأعشاب بهدف تنظيف أرضه، وإما حرق الأحراج المجاورة له بغية توسيع أرضه”، مردفًا أن احتمالية وجود عمل تخريبي قائمة حتى إثبات العكس.

وأشار الفوج إلى أن اشتداد قوة الرياح التي قد تؤدي إلى تلامس كابلات التوتر العالي المارة من فوق الغابات، قد تسبب نشوب الحرائق، مشيرًا إلى أنه من شهر أيلول إلى تشرين الثاني من كل عام تشتد الرياح لتساعد على تحويل أي حريق بسيط إلى ضخم.

لكن هذه الرواية ليست دقيقة، فبحسب ما قاله الدكتور في الاقتصاد الزراعي ووزير الزراعة الأسبق، نور الدين منى، لعنب بلدي، تعد أخشاب أشجار البلوط والسنديان، التي تشتهر بها المنطقة، من أفضل أنواع الأخشاب لتحويلها إلى فحم.

ولا يمكن الاستفادة من كل أنواع الأشجار، لكن أشجار الحمضيات واللوزيات، التي يشتهر بها الساحل السوري، تستخدم أيضًا بالتفحيم.

وأشار منى إلى أن عملية التفحيم تحتاج إلى “احتراق ناقص” للأخشاب، لكن على الرغم من الاحتراق الكامل في الغابات تبقى تكلفة الحصول على الفحم أقل، إذ تختصر الجهد والوقت على المصانع.

“التفحيم” هو عملية حرق “غير كامل” لأغصان الأشجار والحطب مع عزلها عن الهواء بحفرة قليلة العمق تغطى بها الأغصان بقماش عازل، وهي مهنة لا تفرض تكاليف باهظة للإنتاج مع ربح يغري كثيرًا من أهالي الساحل السوري.

يستخرج العاملون بهذه المهنة رخصة التفحيم إن كان عملهم بهدف التجارة أو التصدير، حسبما قال العامل السابق بالمهنة يوسف أبو سليم لعنب بلدي، أما إذا كان الهدف خاصًا فيكون التفحيم بـ”الخفاء”.

ورغم أحكام القوانين الحكومية فإن مرور شرطة الحراج لا يشكل هاجسًا لدى العاملين بالتفحيم، لأنهم “يتجاهلونك عند دفع مبلغ زهيد”، حسبما قال يوسف.

صلاحية أشجار الساحل السوري للتفحيم لا يعني أنها تبقى كذلك بعد احتراقها الكامل، لذا ينفي يوسف أن يستفيد العاملون بالتفحيم من تلك الحرائق التي لا تبقي سوى الأخشاب الكبيرة، التي “يستفيد منها تجار الأخشاب”.

ووفقًا لإحصائيات وزارة الزراعة السورية ما بين عامي 2009 و2018، تراجع إنتاج الفحم الخشبي من 7548 طنًا إلى 22 طنًا فقط عام 2018.

تراجع شاركه فيه الحطب الوقيد، الذي كان إنتاجه لعام 2009 يزيد على 54 ألف طن وأصبح 505 أطنان عام 2018، والخشب الصناعي المنتج الذي كان إنتاجه 41.928 طنًا تحول إلى 2.259 طنًا خلال الأعوام نفسها.

حرائق الأراضي الحراجية في سهل الغاب – 6 أيلول 2020 (وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي فيسبوك)

ويمنح “قانون الحراج” الدولة، ممثلة بمديرية الحراج، الحق باستثمار الأخشاب الناتجة عن الحريق، بما في ذلك بيعها وفق أحكام نظام العقود النافذ، بحسب المادة التاسعة من القانون.

لكنه يفرض عقوبات قاسية بحق المتسببين بإضرام الحريق، إذ يفصّل “الفصل 11” من القانون العقوبات بـ:

– يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن سبع سنوات كل من يضرم النار قصدًا، بأي وسيلة كانت في الحراج أو الأراضي الحرجية أو المحميات الحرجية أو مناطق الوقاية. وهذا يعني ببساطة غياب تطبيق قانون الحراج نتيجة الفساد، وغياب المراقبة، وضعف الثقافة والوعي البيئي، والتنصل من المسؤولية.

– تشدد العقوبة بمقدار النصف إذا نجم عن إضرام النار إصابة إنسان بعاهة دائمة.

– تشدد العقوبة إلى الإعدام إذا نجم عن إضرام النار وفاة إنسان.

– يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من يقوم بعمليات استثمار في أراضي حراج الدولة المحروقة أو زراعتها.

– يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة كل من تسبب بنشوب حريق في الحراج أو الأراضي الحرجية أو المحميات الحرجية أو مناطق الوقاية نتيجة إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة النافذة.

– تشدد العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة إذا نجم عن التسبب بنشوب حريق إصابة إنسان بعاهة دائمة.

– تشدد العقوبة إلى الأشغال الشاقة مدة لا تقل عن سبع سنوات إذا نجم عن التسبب بنشوب حريق وفاة إنسان.

إن لم يكن بالفحم فبالقصف

اشتعلت حرائق متعددة خلال أعوام النزاع في الأحراج والمناطق المتاخمة لخطوط التماس بين القوات المتحاربة، حرائق وصفها المتحدث الرسمي باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، ناجي مصطفى، بـ”المفتعلة”.

وقال مصطفى لعنب بلدي، إن المناطق التي كان النظام السوري يخشى تقدم فصائل المعارضة فيها كان يلجأ لإحراقها، في حين “خانته الرياح” نهاية آب الماضي عند محاولته خرق اتفاق “وقف إطلاق النار” بالقصف جنوبي إدلب، لتشتعل الحرائق في مناطق سيطرته جنوبًا.

وبيّنت دراسة تركية حول الحرائق الممتدة من سوريا إلى تركيا ما بين عامي 2002 و2012، أنه من أصل 59 حريقًا اشتعل في الغابات الحدودية، كان 28 حريقًا مصدرها من سوريا، أتت نيرانها على 2217.6 هكتار، وسببها المباشر هو “المعارك”.

تزامن الحرائق مع القصف الذي استهدف قوافل النازحين الذين حاولوا اللجوء إلى الحدود التركية، كان الدليل الذي استندت إليه الدراسة، إضافة إلى الاختلال الواضح في أعداد الحرائق الممتدة خلال تلك الفترة ما بين البلدين، إذ كان من بين الحرائق الـ28 حريق واحد عام 2004 واثنان آخران عام 2007 و25 عام 2012.

الدكتور في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” في واشنطن كرم شعار، نفى في حديثه إلى عنب بلدي أن يكون النظام السوري وراء إشعال الحرائق الأخيرة، مشيرًا إلى أن آثارها ستكون “سلبية عليه اقتصاديًا وشعبيًا”، مع عدم تمكنه من إخماد تلك الحرائق.

ولا يعتبر شعار أن سوريا حالة خاصة في انتشار الحرائق، إذ تتوالى الأنباء العالمية عن الحرائق الواسعة في أستراليا وأمريكا مع ردها لـ”التغير المناخي” الذي يؤثر على العالم أجمع.

من يتحمل المسؤولية؟

عبر صفحته في “فيس بوك”، يحاول الدكتور نور الدين منى الضغط على الحكومة لتحمل مسؤولياتها حيال ما يصفها بالخسارة الوطنية لكل أبناء الوطن، باستثناء الذين قاموا بحرق هذه الغابات.

وقال إن وسائل مكافحة الحرائق لم تكن ناجعة، ولا التقنيات المستخدمة كانت متطورة، ولا كل قواعد الحيطة والحذر وإدارة المخاطر كانت متبعة، رغم أن الحرائق ليست جديدة وهي روتينية متكررة، وتزامن لومه مع نشر وزارة الزراعة صورًا تبيّن استخدام المواطنين العصي في محاولة وقف تمدد النيران.

واعتبر منى أن هذا يعكس “سبات وسكونية وفشل السياسة الحكومية تجاه الأحراج”، مطالبًا بأن تعترف الجهات الحكومية بكل شفافية وعلى الإعلام بماذا حدث ومن المسؤول.

وفي حين تصاعد النقد الشعبي لغياب المساعدات الروسية والإيرانية لإطفاء الحرائق، مع قرب القواعد العسكرية الجوية الروسية من مواقعها، بدأت وزارة الزراعة، بعد أيام من انتشار النيران، بنشر صور الحوامات التابعة للجيش السوري، مع زفها نبأ مشاركة طائرة إيرانية بجهود إطفاء الحريق.

من جانبه، قال رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، إنه لا يتوقع أن يكون النظام السوري قد طلب أي معونة من حليفه الروسي لإطفاء الحرائق، كونها من فعل المسهمين في “منظومة الفساد” وتمثل مصالحهم.

بعد أن تصبح أراضي الغابات خالية يستملكها المسببون بدعوى استصلاحها، حسبما قال القاضي لعنب بلدي، مشيرًا إلى غياب أي تحقيق رسمي شفاف في سوريا خلال الأعوام الـ50 الأخيرة بمسببات الحرائق إن كانت بالغابات أو الشركات أو غيرها.

بقايا أشجار متفحمة نتيجة حريق في شمالي سوريا – أيلول 2020 (سانا)

آثار خفية لحرائق الغابات السورية

وزير الزراعة السوري الأسبق، نور الدين منى، قال إنه لا يمكن النظر للحرائق من جانب آثارها الاقتصادية فقط.

وأوضح، في حديث إلى عنب بلدي، أن الغابة نظام حيوي بيئي متكامل، يضم نباتات متنوعة وحيوانات وحشرات وطيورًا وأشجارًا وشجيرات وأعشابًا وبكتيريا، وقد يحتوي مساقط مائية وينابيع، وكلها تعمل في نظم متوازن ومنسجم، وحتى لو تعرضت لصدمات سواء كانت من القطع أو الحرق تكون قادرة على تجديد ذاتها بذاتها.

ولخص الدكتور نور الدين منى، المنحدر من منطقة قريبة من حرائق الغابات في سوريا، ما وصفها بالآثار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية المدمرة جراء قطع الأشجار في الغابات أو الحرائق المشتعلة حاليًا بـ:

آثار بيئية: تنتج الحرائق تحويرًا وتغييرًا أو تدميرًا في خصائص الموئل الحيوي الحرجي، وهي عملية يصبح فيها الموئل الطبيعي غير قادر على دعم أنواعه الأصلية. في هذه العملية، تختفي العضيات التي كانت تستخدم هذا الموئل أو تفنى، ما يقلل من حجم التنوع الحيوي.

وهو ما وصفه الدكتور نور الدين منى بـ”التخليل النسبي في التنوع الحيوي المتوازن” في الغابة المحروقة، من حيث التنوع في الجزء النباتي (فلورا) بالعلاقة مع الجزء النباتي (فونا).

وبسبب الصدمات والهزات في التنوع الحيوي قد تموت حيوانات وطيور أو تهاجر، أو تظهر نباتات جديدة لم تكن في هذا النظام الحيوي قبل الحرائق، تسمى “نباتات غازية” وقد تكون خطيرة أو سامة.

وتؤثر الحرائق على التربة وخواصها، وتحول المنطقة لتكون عارية وجرداء، وبما أننا في سوريا خاضعون للنظام المتوسطي، فيمكن أن تؤدي الأمطار الغزيرة إلى انجراف التربة، الذي يؤثر على الأراضي الزراعية والتجمعات السكنية، وبذلك تتحول الأمطار من عامل إيجابي إلى عامل سلبي.

وتنتج الحرائق (أو قطع الأشجار) أيضًا ارتفاعًا بالحرارة خلال فصل الصيف وانخفاضها في الفصل البارد نتيجة التعرية، وتتأثر كل من الرطوبة والهواء والإشعاع الشمسي في الغابة، نتيجة إزالة كثير من الأشجار.

ترفد الغابة المياه الجوفية، وتؤثر الحرائق سلبًا فيها، من حيث الكمية والنوع، وكذلك على خصوبة التربة.

آثار اجتماعية: تتمثل بمقتل عناصر من فوج الإطفاء أو من سكان التجمعات البشرية القريبة من الغابة، أو نزوح بعض التجمعات من منطقة لأخرى، يضاف إليه تكاليف وخسائر مادية من الترميم والنزوح.

ويفقد المواطنون، بشكل عام، وسكان التجمعات القريبة، ما يسمى الأثر البصري بالاستجمام والترويح.

آثار اقتصادية: للحرائق آثار اقتصادية أبرزها خسارة في الأخشاب وفي قيمة أخشاب الأشجار المتبقية من حيث النوعية.

بينما تعيش بعض التجمعات السكنية قرب الغابات على حصاد أو جني وجمع النباتات الطبية والعطرية وبيعها، وبالتالي تؤثر الحرائق على مستوى دخلها المحدود.

عشرات السنين لإعادة الغابات

توجد في كل دول العالم قوانين لحماية ورعاية وإدارة الثروة الحرجية، إضافة إلى استراتيجيات معتمدة، تنفذ من خلال برامج توظف للاستفادة من الغابة بيئيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وترويحيًا.

وعند النظر إلى المدى المتوقع لترقيع الخلل الناجم عن الحرائق والقطع العشوائي، فإن الجواب يختلف من دولة إلى أخرى، إذ تعمل بعض الدول على ما يسمى “التحريج الصناعي” لأنواع الأشجار المحروقة، باستخدام بادرات شجرية بأعمار معينة (سنتان إلى ثلاث سنوات)، لتقصير مدة إعادة الغطاء الحرجي.

لكن في سوريا لا توجد هذه الإمكانيات، وإذا تُركت الغابة لإعادة ترميم نفسها قد تستغرق عشرات السنوات (ليس أقل من 15 عامًا) لتعود إلى سابق عهدها، ويتوقف ذلك على عدة عوامل منها: نوع الأشجار (الكينا مثلًا يحتاج إلى وقت أقل)، كمية الأمطار، جهة السطوع الشمسي…

الدكتور نور الدين منى أكد أن هذه الفترة الطويلة ممكنة لعودة الغابات فقط، “إذا لم تطلها يد الفاسدين والمتنفذين، باستثمارات صناعية ومشاريع وتعديات متنوعة الأغراض، ترضي مكاسبهم الشخصية على حساب المواطنين والوطن”.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات