تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري أزمة اقتصادية على جميع المستويات، ويعد أحدثها أزمة مادة البنزين، عقب تخفيض وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام السوري مخصصات البنزين للسيارات الخاصة مع كل تعبئة.
ونقل مراسلو عنب بلدي في أكثر من محافظة سورية مشاهد لطوابير سيارات تنتظر في سبيل تعبئة البنزين.
وقال سائق سيارة الأجرة عبد العزيز محمد، من محافظة درعا، “كنت أعمل على سيارة الأجرة، ولكن بسبب تزويد محطات قليلة في المحافظة كميات قليلة من البنزين المدعوم، تشكّلت طوابير طويلة للحصول على المادة، ما أوقفني عن العمل”.
ويصل سعر ليتر البنزين في السوق السوداء إلى ألف ليرة، بينما يبلغ سعره المدعوم في محطات الوقود 250 ليرة سورية لليتر الواحد من “نوع أوكتان 90” و575 ليرة من “نوع أوكتان 95″، ويحصر البيع بالسعر المدعوم بـ”البطاقة الذكية” فقط.
بموازاة ذلك، يشتكي سائق في مدينة السويداء (فضل عدم ذكر اسمه) وقوفه على طابور البنزين لساعات طويلة، لافتًا إلى أن أكثر من 200 سيارة تنتظر أمامه، وأن سيارة الأجرة مصدر دخله الوحيد.
وكانت صحيفة “الوطن” نقلت عمن وصفته بـ”مصدر مسؤول” في وزارة النفط، في 4 أيلول الحالي، إن الوزارة قررت “تخفيض كمية تعبئة البنزين للسيارات الخاصة من 40 إلى 30 ليترًا”.
شركات النفط والحلفاء فقدوا شهيتهم
رئيس منتدى الاقتصاديين العرب، سمير العيطة، قال لعنب بلدي، السبت 12 أيلول، إن العقوبات الغربية على النظام السوري أثرت على مخزون المشتقات النفطية طيلة سنوات الحرب.
وأشار إلى أن الميزان النفطي لسوريا كان يميل إلى العجز حتى قبل 2011، رغم ما كان يصدر من نفط، ثم أتت العقوبات الغربية لتجعل هذا العجز بين 2 و4 مليار دولار سنويًا رغم انخفاض الاستهلاك بشكل كبير”.
وأوضح العيطة أن العقوبات الغربية حالت دون استيراد المشتقات النفطية بشكل مباشر، إذ “لا يمكن فتح اعتمادات شراء ولا إجراء تأمين للسفن لنقلها كنتيجة مباشرة أو ثانوية للعقوبات، وهو ما أدى إلى زيادة التبعية لإيران وروسيا، وبالتالي ازدياد حركة التهريب”.
وبحسب بياناتٍ موقع “بريتش بتروليوم” للنفط، فإن إنتاج النفط في سوريا، بلغ 406 آلاف برميل في عام 2008، وانخفض إلى 24 ألف برميل في عام 2018.
بدوره يرى الخبير الاقتصادي المالي الدكتور فراس شعبو أن أزمة البنزين مصدرها سوء إدارة من النظام السوري وعدم القدرة على الحل، فضلًا عن “غياب رغبة الروس والإيرانيين بإمداد النظام إلى ما لا نهاية”.
وأوضح شعبو، في حديث لعنب بلدي، أن الروس يرغبون بالاستثمار في سوريا، “لذلك روجت موسكو لعودة الحياة في سوريا، ودعت لعودة اللاجئين (…) لكنها تقوم بحلول إسعافية وليست جذرية في سوريا”.
وأضاف أن “النظام كان يستورد موارد الطاقة من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شرق الفرات، ولكن التعاملات معها تراجعت هذه الأيام، فضلاً عن شح القطع الأجنبي الذي يمنعه من الاستيراد المباشر من الخارج”.
مؤشرات تنذر بـ”مجاعة”.. و”قيصر” ليس سببًا
رئيس منتدى الاقتصاديين العرب، سمير العيطة، أوضح أن النظام السوري يواجه أزمة حقيقية في تأمين وتمويل الواردات النفطية، سواء البنزين أو المازوت أو الغاز، مشيرًا إلى أن النظام يؤمن بعضًا من موارد الطاقة عن طريق روسيا وإيران بالمقام الأول، ودول الجوار كالعراق ولبنان ثانيًا.
ويسلط العيطة الضوء على تبعات أزمة المحروقات، قائلًا إن “الزراعة تعتمد بشكل أساسي على المازوت في ضخ مياه ري، ومن دونه قد تتجه المنطقة إلى مجاعة”، مبينًا أن غياب مادة البنزين أيضًا كفيل بتوقف حركة النقل وبتالي ارتفاع الأسعار بالمنطقة.
كما أشار إلى أن المساعدات من الدول الحليفة للنظام ليست كافية لتوفير الأمن الغذائي.
وتتوافق تصريحات العيطة مع تحذيرات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من ارتفاع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا إذا لم تتوفر “مساعدة عاجلة”.
وقال البرنامج، عبر حسابه الرسمي في “تويتر”، في 31 من آب، إن 9.3 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومن دون مساعدة عاجلة.
وأضاف أنه من الممكن أن ينزلق أكثر من 2.2 مليون إلى حافة الجوع والفقر.
ولفت إلى أن أسعار المواد الغذائية في سوريا وصلت إلى “مستويات قياسية”، فيما تعتبر المساعدات التي يقدمها البرنامج “أمرًا بالغ الأهمية لمساعدة العائلات التي لم يتبق لها شيء بعد سنوات من الصراع”.
بينما يرى الدكتور فراس شعبو أنه فرض النظام لموضوع مخصصات الوقود، ورسوم الخروج والدخول من وإلى سوريا وغيرها، يدل على أنه “دخل في مرحلة تقاسم لقمة العيش مع المواطنين للتخفيف من أعبائه، وهو مؤشر على نية النظام رفع الدعم عن جميع البضائع والسلع في وقت لاحق”.
كما حذر الخبير الاقتصادي المالي من أن مناطق النظام قد تكون مقبلة على كارثة إنسانية تتمثل بمجاعة في ظل غياب الأمن الاقتصادي والاجتماعي، موضحًا أن “ارتفاع الأسعار يقابله فقدان المواد، وهو ما قد يؤدي إلى فلتان أمني بالمنطقة إذا لم يتدارك النظام الأمر”.
ولا علاقة لعقوبات “قيصر” بأزمة المحروقات، إذ قال العيطة إن “عقوبات قيصر لا تتخطى الإطار الإعلامي للعقوبات”، في حين يرى شعبو أن “الحجج المعلقة على قيصر واهية”.