عنب بلدي – درعا
تجري الأفرع الأمنية التابعة لقوات النظام السوري “تسويات” جديدة في محافظة درعا، جنوبي سوريا.
وافتتحت مركزين لعمليات “التسوية”، الأول في بصرى الشام بريف درعا الشرقي، وهو مخصص لعناصر “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” المشكّل روسيًا، الذين راجعوا المركز ليومين في 7 و8 من أيلول الحالي، والثاني في مدرسة “ميسلون” بمدينة درعا لجميع المطلوبين، وهو ما أطلق عليه مركز “تسوية ميسلون”.
“تسوية” بشروط خاصة في “الفيلق الثامن”
اجتمع الأسبوع الماضي ممثلون من اللجنة الأمنية التابعة للنظام في الجنوب السوري، مع ممثلين عن روسيا وقيادات الصف الأول في “اللواء الثامن”، الذي يقوده القيادي السابق في “الجيش الحر” (قائد فصيل “شباب السنة” سابقًا)، أحمد العودة.
واتفق المجتمعون على إجراء “تسوية شاملة” لعناصر “اللواء الثامن” والضباط والمنشقين المنضمين إليه، وذلك عن طريق مكتب الأمن القومي (الذي يشرف على عمل بقية الأجهزة الأمنية)، بقيادة اللواء علي مملوك.
وبحسب اتفاق “التسوية” الجديد، تشطب أسماء المئات من عناصر “اللواء” من قائمة المطلوبين للجهات الأمنية، ويمنحون حرية الحركة والتنقل دون التعرض للملاحقة والاعتقال، حسب حديث الباحث في الجامعة “الأوروبية” وفي معهد “الشرق الأوسط”، المتخصص في ديناميكيات الجنوب السوري، عبد الله الجباصيني، لعنب بلدي.
“التسوية” تبرز دور “اللواء الثامن” وتستقطب مقاتلين
تدل “التسوية” الجديدة والضمانات الأمنية التي ستقدم لعناصر “اللواء الثامن” على أمرين، حسب الباحث عبد الله الجباصيني، الأول التباين في درجة التزام روسيا بتأمين الحماية لمقاتلي المعارضة السابقين الموجودين في المناطق التي دخلت في مفاوضات صيف 2018 في درعا، ما يسهم في بروز “اللواء الثامن” كجسم عسكري ووسيط قادر على تأمين الحماية.
وذلك مقارنة بلجنة المفاوضات المركزية (اللجنة المركزية للريف الغربي، واللجنة المركزية لدعا البلد)، التي على الرغم من جهود أعضائها وشعبيتهم على المستوى المحلي، تفتقر للعب دور مماثل، ما يسهم بضمور دورها تدريجيًا، بحسب الجباصيني.
الأمر الثاني، أنه بناء على الوعود بالحماية الشاملة، ستستقطب “التسوية” الجديدة، التي تشمل فقط مقاتلي “اللواء الثامن”، العديد من مقاتلي المعارضة السابقين إلى “اللواء”.
ويرى العديد من المقاتلين في “التسوية” الجديدة في بصرى الشام خطوة لنزع غطاء الحماية الروسية عن مقاتلي المعارضة السابقين الموجودين في أماكن أخرى بدرعا.
بينما تساءل محافظ درعا السابق، علي الصلخدي، في حديث إلى عنب بلدي، عن إجراء النظام “تسوية” لعناصر “اللواء الثامن” الذي يقوده العودة، رغم خضوعهم لـ”تسوية” سابقة، معتقدًا بوجود ما وصفها بـ”لعبة جديدة على شباب وأهالي حوران”.
وتأتي “التسوية” بعد إدراك النظام ضرورة إزالة أسماء العناصر المطلوبين أمنيًا، حسب حديث عضو “اللجنة المركزية لدرعا البلد” المحامي عدنان مسالمة، إلى عنب بلدي.
كما أن النظام لا يريد التصعيد حاليًا مع “اللواء الثامن” المدعوم روسيًا، و”ذلك لن يستمر طويلًا، وسيعمل النظام على تفكيكه بعد تغيير مواقف الروس من اللواء”، حسب حديث نقيب “المحامين الأحرار” سابقًا في درعا، سليمان القرفان، إلى عنب بلدي.
لكن أحد عناصر “اللواء الثامن” قال لعنب بلدي، إن “التسوية” الجديدة جاءت بضغط روسي على الأمن القومي، لإزالة جميع الدعاوى الأمنية بحق عناصر “الفيلق”، لتسهيل حركتهم على الحواجز في سوريا، لأن عددًا كبيرًا من عناصره ما زالوا مطلوبين للأفرع الأمنية للنظام، وقد شهد المركز إقبالًا كبيرًا من العناصر على مدار يومي 7 و8 من أيلول الحالي.
“تسوية ميسلون” تقوية لـ”الفرقة الرابعة”؟
اعتبر عضو “اللجنة المركزية لمدينة درعا” المحامي عدنان مسالمة، في حديثه إلى عنب بلدي، أن مركز “التسوية” الجديد في ميسلون هو ابتداع من “الفرقة الرابعة” في قوات النظام، التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام، بشار الأسد، لاستيعاب من يرغب بالانضمام إليها من العسكريين.
بينما نفى عضو آخر بـ”اللجنة المركزية”، في حديث إلى عنب بلدي، تحفظ على ذكر اسمه، أن يكون مركز “التسوية” الجديد في مدينة درعا له علاقة بـ”الفرقة الرابعة”، لأن بعض الذين خضعوا لـ”التسوية” الحالية غير مسجلين في “الفرقة الرابعة”، كما توجد بينهم نساء.
“من جرب المجرب عقله مخرب”
“من جرب المجرب عقله مخرب”، مثلٌ بدأ فيه محافظ درعا السابق، علي الصلخدي، حديثه إلى عنب بلدي، يصف به “التسوية” الحالية، قائلًا إنه ومنذ ستينيات القرن الماضي، حين استولى “نظام الأسد” على السلطة، بعد ما يسمى “ثورة آذار” في عام 1963 و”الحركة التصحيحية” في 1970 حتى اليوم، لا توجد حالة واحدة عمل فيها النظام “تسوية”، أو صفح عن أي معارض سياسي.
واستذكر الصلخدي حادثة اعتقال اللواء أحمد سويداني، الذي جاء من العراق بعد وعود من النظام ببراءته، إلا أن النظام سجنه 25 عامًا، كما ذكّر بتعامل النظام مع العميد محمد عمران، ورئيس الجمهورية الأسبق، نور الدين الأتاسي.
والنظام، حسب الصلخدي، “لا عهد له ولا مصداقية”، وأول من اعتقله وقتله بعد السيطرة على درعا هم قادة أجروا “التسوية”، كـ”أبو باسل أبو زيد”، ومشهور كناكري، رغم أنهم ساعدوه بالدخول إلى بعض المناطق.
وبالنتيجة لا توجد ضمانات لـ”التسوية” السابقة والحالية أيضًا، والثقة معدومة بين كل الأطراف، فالتشكيلة المفاوضة لم تتغير، سواء الضباط والقوى الأمنية من جانب النظام، أم اللجان من جانب الأهالي، أم الضامن الروسي، حسب الصلخدي.
وهو رأي يتوافق معه المحامي سليمان القرفان، إذ أكد أن النظام لم يحترم أي “تسوية” سابقًا ولن يحترمها مستقبلًا، معتبرًا أن “التسوية” الحالية “ذر للرماد”، وضغط من الروس لامتصاص حالة التشنج والغضب التي تسيطر على الشارع بمحافظة درعا، مضيفًا أن الروس غير جادين بوضع حد لانتهاكات النظام وحالة الفوضى بالمحافظة.
ويتخوف الشباب المطلوبون في المدينة من إجراء “التسوية”، نتيجة عدم ثقتهم بالأجهزة الأمنية، لأن “كل فرع أمني في سوريا دولة مستقلة لا تضبطه تسويات شكلية”، حسب تعبير شاب في مدينة درعا لعنب بلدي، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية.
وكانت “التسوية” الأولى في محافظة درعا أجريت في تموز 2018، بعد مفاوضات بين قوات النظام و”اللجان المركزية” المكوّنة من عاملين في الشأن المدني من هيئات وشيوخ عشائر وقادة سابقين في “الجيش الحر” بوساطة روسية.
وشملت خروج المعتقلين، وإجراء عمليات “التسوية”، وتأجيل خدمة العلم، وعودة الخدمات المدنية إلى المدينة، لكن رغم توقيعها اعتقل النظام أكثر من ألف شخص حاصل على بطاقة “تسوية”.
“الفيلق الخامس” كمشرف على “التسويات”
لعب “الفيلق الخامس” دور الوسيط والمشرف على “التسويات” في مختلف مناطق درعا.
ففي آذار الماضي، هاجمت قوات النظام مدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، واستخدمت الدبابات والمدفعية للمرة الأولى منذ اتفاق “التسوية” في المنطقة الجنوبية في تموز 2018، واشتبكت مع مقاتلين رفضوا تلك “التسوية” وفضلوا البقاء في درعا.
واستطاعت قوات النظام فرض حصار عليهم في الأحياء الغربية من المدينة، إلى أن تدخل “اللواء الثامن” بقيادة العودة، وفض النزاع وفرض هدنة، انتهت بترحيل المقاتلين نحو الشمال السوري، و”تسوية” أوضاع الراغبين بالبقاء بشرط تسليم السلاح.
ولم يقتصر حينها دور “الفيلق” على الوساطة، بل سحب، في 18 من آذار الماضي، جثث قوات النظام بعد تعرض حاجز لها لهجوم عند منطقة مساكن جلين، وتزامن ذلك مع إشرافه على فرض “تسوية” في بلدة ناحتة، انتهت بتسليم 20 قطعة سلاح مقابل خروج معتقلين لدى النظام، و”تسوية” أوضاع شباب من البلدة.