“قماشتي المفضلة”.. في اكتشاف الجسد

  • 2020/09/13
  • 2:55 م

مشهد من الفيلم

نبيل محمد

ليس متاحًا وسط الإنتاج السينمائي السوري، أن تجد فيلمًا قادرًا على أن يتميز بجرأة غير مصطنعة، وأن يقدم بالفعل ما هو جديد نسبيًا، في ظل قطاع لعله يكون واحدًا من أضعف القطاعات الفنية السورية، أي السينما، إذا ما استثنينا مجموعة الأفلام التسجيلية التي لعبت بطولاتها الأمكنة والأحداث قبل الواقفين خلف كاميراتها.

فيلم “قماشتي المفضلة” للمخرجة السورية غايا جيجي، قارب مساحات ليس من المعتاد أن تقرب منها كاميرات سورية، وخرج بصورة وروح أنثوية واضحة، وجدت أماكن بثها في مشاهد بعضها بدا متكاملًا، بينما وجدت كثيرًا مما يعوقها، في ظل ترميزات غير ذات دلالة واضحة، وإسقاطات أصابت الفيلم بمقتل.

في الفيلم الذي حضر في مهرجان “كان” السينمائي، والذي عُرض قبل أيام على شاشة “ARTE” الفرنسية، وهو من إنتاج فرنسي- تركي- ألماني، بيئات أنثوية خالصة، متناقضة ومختلفة بمكوناتها وبسلوكياتها، متقاطعة مع بعضها بسبب وجودها في مكان واحد، هذا المكان بناء في أحد أحياء دمشق، المتوسطة أو الأقرب إلى الفقيرة، يضم بيتين أحدهما يجمع أمًا وثلاث بنات بعد وفاة الأب، والثاني يجمع سيدة تدير بيت دعارة مع بنات الليل فيه، يفصلهما طابقان، وهي المسافة التي تحتاج إليها “نهلة” لتكتشف جسدها ورغباتها وأحلامها، ولتخرج من الجو الرتيب الممل الكئيب الذي تحياه.

استطاعت الكاميرا مضاعفة الكآبة التي تحاول الشخصيات بأدائها، والسيناريو بتركيبته، أن يكثفا من حضورها، في غرف المساحات الضيقة التي لا تجد فيها الفتيات من عمل سوى انتظار عريس قادم من الخارج لكي يخلصهن من هذه الحياة الرتيبة، ومن هذه البلاد، وفي بيت الدعارة الذي تطغى أيضًا الكآبة على كل ما يمكن أن يخلقه من إثارة بما فيه من شخصيات وعوالم.

الاستثناء الوحيد في كل هذا هي “نهلة”، التي تتمسك ببيت الدعارة لتتخلص من ظروفها، ولتستكشف فيه ما لا يمكنها استكشافه في مكان آخر، سواء بين أختيها اللتين تُسَرُّ إحداهما بأن العريس الذي جاء ليخطب “نهلة” قد اختارها بدلًا عنها، أم في العمل الذي تقضي ساعات طويلة فيه بين سكون وانتظار وخيالات وسجائر مشتركة مع زميلة يبدو أنها أكثر من يفهم ما يجول بخاطر “نهلة”.

في بيت الدعارة، وفي الغرفة التي تستأجرها فيه “نهلة”، تنصت الفتاة العشرينية إلى حكايات فتيات الليل لزبائنهن، الذين أحدهم هو عسكري يُقدَّمُ على أنه غريب أطوار، يرمّز بطريقة ما، إلى أنه جاء من معركته ضد المتظاهرين (تدور الأحداث في ربيع 2011)، لينتقي ما شاء من فتيات الليل في هذا المنزل. كما تعيش “نهلة” في خيالاتها مع شخصية تحبها، وتمارس معها الجنس افتراضيًا، الشخصية التي تعيش طوال الفيلم متنقلة بين الحقيقة والواقع، في رمزيات غير ذات أثر أو رسالة.

تحضر دمشق في الفيلم بصورة كئيبة تشبهها في تلك المرحلة، حيث بدأت العمليات العسكرية والأمنية ضد الثورة، وطغت صور بشار الأسد على الشوارع، وأخباره وخطاباته على وسائل الإعلام، إلا أن إقحامًا واضحًا للحدث العام يظهر جليًا في الفيلم، وفي مكامن ليست بحاجة لاستعارة حدث عام لإعطائها رمزيتها أو لفتح الأحداث على مضمون عام وعدم حصرها في البناء وشخصياته، مع أن بقاءها هناك، بل وفصامها الكامل مع الخارج، لن يعني أبدًا عدم إمكانية إسقاطها على ما هو أوسع من مكانها.

أداء جيد لطاقم الممثلين في الفيلم، بدءًا من بطلته اللبنانية منال عيسى، وللصورة أيضًا، الصورة التي لعلَّها كانت الأقدر على قول ما لم تقله الشخصيات والأحداث، أو حتى ما أخطأت بقوله أو بالغت بترميزه.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي