ندعم المنطقة الآمنة وندين تجاوزات الجندرمة

  • 2015/08/16
  • 12:29 ص

مقابلة_ورد_فراتي

تواجه مدينة حلب وأريافها صراعًا معقدًا وسيناريوهات مفتوحة الاحتمالات، بين محاولات فصائل الثورة السيطرة على الأحياء الغربية من المدينة الخاضعة لسيطرة النظام وبين الدفاع عن ريفها الشمالي والشرقي لإيقاف تمدد تنظيم “الدولة الإسلامية”، إضافةً إلى التوجه التركي لإنشاء “منطقة آمنة” شمالًا.

عنب بلدي التقت، ورد فراتي، عضو المكتب السياسي في تجمع “فاستقم كما أمرت” ومدير مكتبه الإعلامي، متحدثًا عن موقف الفصائل من هذه السيناريوهات والتحضير للتعامل معها، إضافةً إلى الإشكاليات العالقة في إدارة المدينة.

حاوره: عمار زيادة

في ظل توجه الحكومة التركية لإقامة “منطقة آمنة” بعمق 90 كيلومترًا شمال حلب، اعتبر فراتي المنطقة “مطلبًا شعبيًا منذ بدايات الثورة، وازدادت حدته مع قصف الطيران”، مؤكدًا أن قصف البراميل المتفجرة منذ أكثر من سنة ونصف “دمر المدينة ومسحها”.

المنطقة.. لتأمين المدنيين ومواجهة «داعش»

خريطة مدينة حلب وأريافها

وتضع غرفة عمليات “فتح حلب”، التي تنضوي أغلب الفصائل العسكرية في حلب تحتها، على طاولتها تأمين المدنيين في الأحياء الغربية في حال تحررت، وعددهم قرابة مليونين ونصف، وفق فراتي، خصوصًا إذا تعامل النظام بالقصف مع الأحياء المحررة كما تعامل معها في إدلب.

كما أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يضرب الخاصرة الشمالية كلما بدأت الأعمال العسكرية في المدينة، وقد سيطر على البل وأم القرى وصوران في المنطقة نهاية أيار مع انطلاق معارك “الفتح”، لتنقسم القوة المتجهة لتحرير أجزاء من المدينة إلى هجوم وردع.

واقتحم التنظيم قرية أم حوش، وتسببت سيارة مفخخة تابعة له بمقتل قرابة 60 عنصرًا من الجيش الحر، الأحد 9 آب؛ وتأتي العملية بعد انتهاء شهر رمضان وعودة التحضيرات للاقتحام، لتتوجه الأرتال إلى المنطقة مجددًا.

وعليه، يدعم التجمع وهو من أكبر فصائل المعارضة في المدينة المنطقة العازلة، بالإضافة إلى أغلب فصائل الثورة، بتواصلٍ وتنسيق مع الحكومة التركية بشكل عام، لكن أغلب الدراسات والمشاورات ليست معلنةً وليس بالإمكان الحديث عنها حاليًا.

لكن المتحدث نفى أن تكون المنطقة منطلقًا للعمليات العسكرية لفصائل الثورة، فغايتها حماية المدنيين وكون الطيران لا يستطيع التحليق فوقها “هو الأهم بالنسبة لنا”.

الناس في مناطق النظام «أهلنا»

واستقرأ عضو الهيئة السياسية في التجمع ما قدمته فصائل الثورة منذ دخولها حلب وتحريرها ثلثي المدينة، وهي الأحياء الشعبية والفقيرة التي توجد فيها الخزانات البشرية للمدينة (في رمضان 2012).

وعانت هذه المناطق في الأشهر الأربعة الأولى من جوعٍ وضعفٍ كبيرٍ في الإمكانيات والخدمات لأنها مرحلة جديدة، ثم “ازدهرت الحياة فعليًا وبدأت تتجه نحو التنظيم عبر مجالس وهيئات أدارت الحياة في المدينة، حتى وصلنا إلى مرحلة كان الناس فيها يخرجون من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلى القسم المحرر من المدينة ليعملوا أو يتاجروا أو يعيشوا جوًا من الحرية”، وفق فراتي، مشيرًا إلى ثلاث مظاهرات مؤيدة لنظام الأسد بعد التحرير بـ 8 أشهر، نظمتها عائلة بري بعد القبض على شبيح منهم، لم يتم التعرض لها بقتل أو مضايقات.

لكن النظام حين أحس بحياة كاملة تخرج عن سيطرته وتدار على بعد أمتار “بدأ القصف بالبراميل وعملية إبادة ممنهجة للبشر والشجر والحجر وكل ما يكون خارج سيطرته”، لكن “الثوار لم يقوموا برد فعلٍ مماثلٍ وحتى أدنى شيء من تحقيق توازن الرعب، وأما بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، فما زال الناس في تلك المناطق يعيشون بشبه أمان من القصف ويتحملون في ذلك الذل”.

وأضاف “لو أردنا أن نقيس القدرة التي يملكها الثوار منذ أكثر من عام، من سلاح المدفعية الأول وهو جهنم أو حمم وغيره، فهم يستطيعون تهجير الناس في تلك المناطق وأن لا تقوم حياة فيها، لكنهم لم يقوموا بذلك، لأن الناس في أحياء النظام هم أهلنا”.

ويعتقد فراتي أن فصائل الثورة ليست المطالبة بتقديم الضمانات، إذ تحدثت أكثر من مرة بشكل رسمي عبر غرفة عمليات فتح حلب، أن “كلّ من لا يحمل السلاح مهما كان موقفه فليس لنا مشكلة معه، وحتى من يحمل السلاح لن يكون هناك أي عمل عدائي ضده أو انتقامي بل سيعرض على المحكمة”.

إدارة مدنية والمجلس القضائي “يلزم الفصائل”

وأقرّت غرفة عمليات فتح حلب أن إدارة المدينة، بعد التحرير، ستكون مدنية بالكامل، في بيان صادرٍ عنها في 26 حزيران 2015، مؤكدةً في أولى مبادئه على وجوب عدم التعرض للمدنيين بمختلف طوائفهم في دمائهم وأموالهم، مستثنية من ذلك من ثبت تعاونه ومشاركته في “جرائم” مع نظام الأسد، على أن يتم تنفيذ الأحكام تحت السلطة القضائية المختصة.

واعتبر فراتي أن الغرفة، التي تشكل قرابة 95 بالمئة من القوة العسكرية في المحافظة، قادرة على إلزام الفصائل المنضوية تحتها، منوهًا إلى “دراسات ومشاريع كاملة تحضر لطرق إدارة المدينة منذ أكثر من شهرين”.

وفي ظل العمل للوصول إلى “هيئات رسمية” يأتي توحد المحاكم والهيئات الشرعية في الريفين الغربي والشمالي والمدينة تحت “المجلس القضائي الأعلى” نهاية تموز الفائت، وهو صاحب سلطة على الفصائل من ناحيتين: الأولى هي أن كل هيئة كانت صاحبة سلطة على الفصيل الموجود في مناطقها، والثاني هو تعهدات قادة الفصائل وتوقيعهم بأنهم سيكونون تحت قرار المحكمة.

الواقع الأمني في حدوده الدنيا

لا يوجد جهة رسمية تمسك الملف الأمني في الأحياء المحررة وهو واقع أسفر عن تجاوزات وصفها فراتي بـ “الفردية”، معللًا أنه لا توجد حرب إلا وتركت مساحة للفوضى، وبينما لا تمتلك الفصائل الثقل الكافي لضبط الأمن ويتوجه ثقلها نحو الجبهات العسكرية، تنصب جهود المنظمات الداعمة على الإغاثة.

لكن فراتي أردف “نحن ملزمون بالحدود الدنيا من الأمن، ونأمل أن يشكّل المجلس القضائي الجديد ضبطًا لهذه التجاوزات، وأن يكون مسؤولًا عن الملف الأمني”.

تجاوزات الجندرمة على الحدود «مرفوض»

لا يوجد موقف رسمي من مؤسسات الثورة وهيئاتها أو الفصائل العسكرية من تجاوزات الجندرمة (شرطة الحدود التركية) بحق الهاربين نحو الأراضي التركية، ولا يعلم فراتي من الناحية القانونية ما إذا كان قرار إغلاق الحدود من الجانب التركي يتيح للعسكر إيقاف وصول الهاربين بالقوة، لكنّه أردف “باسم تجمع فاستقم نرفض وندين حرفيًا التجاوزات، ونطالب السلطات التركية بمحاسبة المسؤولين”.

وتكررت التجاوزات بعد إغلاق المعابر الرئيسية بشكل رسمي منذ آذار الماضي، واقتصرت على دخول البضائع التجارية والإنسانية والحالات الإسعافية للجرحى والمرضى، وكان آخرها مقتل الفلسطينية رغد عبود التي تبلغ 18 عامًا، الاثنين 10 آب، واستبعد فراتي أن تكون الشابة تحمل سلاحًا أو تستطيع تهريبه.

ما الذي يحول دون اندماج الفصائل؟

عاشت حلب تجربة طويلة من سلسلة التوحدات بين فصائل المعارضة كجيش المجاهدين والجبهة الإسلامية والجبهة الشامية لكنها ما لبثت أن تفككت بسرعة، ويمثل تجمع فاستقم كما أمرت تجربة أخرى للاندماج أيضًا بين لواء حلب المدينة، ولواء الشهباء، ولواء السلام.

وعزا ورد فراتي أسباب “الفشل الذريع” إلى عدة مشاكل، أولها اختلاف أصدقاء سوريا على الدعم العسكري وتحكمهم به، مستدلًا بتشكيل الجبهة الشامية أواخر 2014 من كبرى فصائل حلب، لكنّ الدول الداعمة رفضت دعمها ومدّها بالمال، لتبقى شهرين أو ثلاثة بدون وارد مادي أو رواتب أو ذخيرة، وبالنتيجة انهارت الجبهة.

كما توجد بعض “الحساسيات الشخصية بين القادة والمناطق، وهناك جيوب لا يخلو فصيل منها، بنسب متفاوتة، تتحرك ضد أي توحد وتحاول إفشاله، وتنجح بسبب قوتها”، إضافة إلى “توجه منظمات المجتمع المدني لإفراغ حلب من ناشطيها وشبابها منذ سنة ونصف، إذ تعطي مبالغ بسيطة ومتقطعة في الداخل مقابل رواتب عالية في الخارج”.

ولم تبق كوادر “تعين” الفصائل على توحدها وصياغة الهيكليات الإدارية أو تساعد في تلافي الأخطاء، إذ يعتبر الطالب الجامعي اليوم “نخبة مثقفة” وليس الخريج أو من يحمل الشهادات والخبرات، وفق فراتي الذي اعتبر أن الفصائل “تركت لتتلقى المسبات”.

وفي الختام دعا فراتي السوريين ليبادروا ويكونوا جزءًا من ثورتهم أو يؤثروا فيها، لأنها “ثورة السوريين كلهم، وما قدموه حتى الآن لا يوجد شعب فعله في التاريخ الحديث، لكن هذا يحتاج مزيدًا من الجَلَد والصبر، وربما يكون النصر صبر ساعة”.

مقالات متعلقة

لقاءات

المزيد من لقاءات