حمص – أمير الحمصي
مازالت الثورة السورية مستمرة في أدائها الذي أبهر جميع الشعوب، تشقّ طريقها بكل إصرار بالرغم من عوائق عديدة تعترض الأداء الأمثل لثورة الشعب السوري، عوائق داخلية وأخرى خارجية، وما أعتبره هنا عائقًا إنما كان نتاج واقع مُعاش للشعب السوري، وطبعًا عندما نتكلم عن الواقع فإن الجانب الاقتصادي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بهذا الواقع المليء بالتحديات.
لا أريد لأحد أن يفهم من كلامي أنّي سأتحدث عن الحالة الاقتصادية المزرية لنظام الأسد، أو عن الحالة الاقتصادية المنهارة لللاجئين أو المحاصرين الذين يعيشون هذه الأيام على المساعدات بشكل كامل… لكنّي اليوم أحببت أن أسلّط قلمي على الواقع الاقتصادي على من هم داخل بعض الأحياء التي لم يستطع الجيش الحر حتى هذه الأيام دخولها وتحريرها، ولاتزال تحت الاحتلال الأسدي، على من يعيشون في أحياء غير أحيائهم ولكن في نفس المدينة… في حمص. ترى ماهو تأثير العامل الاقتصادي لهذه الفئة على الحراك الثوري بشقيه السلمي والعسكري؟!
أولًا سأذكّر القارئ الكريم بنمط حياة شباب حمص في المرحلة الأولى من الثورة والتي سبقت العمليات العسكرية البربرية لكتائب الأسد، فلم يكن مستغربًا حينها أن تلتقي بشاب قد تخلى عن عمله أو قد خفف من جهده المبذول لعمله الذي يكسب منه ماله، أو أن تجد شابًا جامعيًا قلل من تركيزه على مقرراته، أو ربما نسي شيئًا اسمه «دراسة»… وكل ذلك في سبيل تقديم كل مايستطيع للثورة أو حتى للمواظبة على إحياء المظاهرات في أحياء مدينة حمص يوميًا… بل دعني أقول أنّ هذه الظاهرة كانت منتشرة بين شباب حمص بشكل كبير، فالمعنويات كانت مرتفعة جدًا والأمل ليس له حدود، وشباب حمص مستعدون ليضحوا بأرواحهم ، فما بالك بعملهم!
ثم جاءت العمليات البربرية لكتائب الأسد في أحياء حمص، وصمود الجيش الحر أمامه ونزوح أهالي كثير من الأحياء بسبب القصف والقنص، إلى أحياء أخرى أشبه بأماكن إقامة جبرية خاضعة لسيطرة كتائب الأسد بعد أن أغلقوا الطرقات ووضعوا الحواجز بشكل جنوني… وهنا بدأ واقع جديد بالظهور…
فعدد لابأس به من شباب حمص ممن لم يهاجروا بحثًا عن حياة أكثر هدوءًا ورفاهًا على حد وصف أولئك!! اضطروا أخيرًا إلى أن يهاجروا هذه المرة ليحصّلوا بعض المال اللازم لإعالة عوائلهم بعد أن خسروا كل شيء، وفئة أخرى من الحمصيين اضطروا للعمل في مهن لاتتناسب إطلاقًا مع تحصيلهم العلمي أو مع خبرتهم في المجال الذي عملوا به طوال سنوات… وطبعًا الهمّ هو الحصول على قوت اليوم الذي يؤمن الغذاء والكساء والمسكن…
هنا يظهر العائق أمام الحراك الثوري، فلنتخيل أناسًا جاؤوا من أربعة عشر حيًا في حمص ليستقرّوا في أربعة أحياء، ويمارسوا أعمال بسيطة ضرورية لحفظ ماء وجههم وتأمين حاجاتهم، فهؤلاء سيتأثرون كثيرًا إذا ما خرجت مظاهرات في أي حي من هذه الأحياء، لأنهم فقدوا القدرة على تحمل ظلم كتائب الأسد، وعليهم المحافظة على مصدر عيشهم، وهذا طبعًا كان له أثرٌ على مسيرة شباب حمص الذي يريدون المواظبة على تحدي الواقع، وإرسال رسائل مواجهة لنظام بشار بالخروج بمظاهرات ولو كانت «طيارة» لإثبات أنهم موجودون وأن جميع خطط كتائب المخابرات باءت بالفشل…
فكيف أثر ذلك؟!
عندما تخرج مظاهرة ولو كانت «طيارة» فإن الرسالة تصل لقوات الأسد وعناصر مخابراته والذين يسعون بالمقابل للتصدي لها، فيأتون بكامل عتادهم العسكري لملاحقة شباب حمص، وبالتالي ستتوقف أعمال أصحاب «البسطات» أو المحلات الصغيرة في هذه الأحياء، وهم طبعًا لن يستحملوا هذا التوقف! وبالتالي سيطالبون الشباب الثائر بالتوقف عن المظاهرات ضمانًا لقوت يومهم.
وصراحة هذا تجلّى في تراجع عدد المظاهرات في هذه الأحياء بشكل كبير مراعاة لأحوال الناس…. والنظام ربما أحسّ بهذا الشي مما دفعه للإكثار من الحواجز التي تضيّق على السكان الفارّين وتضر بأعمالهم الصغيرة أصلًا، مما يدفع هؤلاء الناس لحساسية أكبر تجاه أي حراك ثوري!
لكن، وكعادة شباب حمص، خرجت منهم فئة لم تخضع لهذه الضغوط، وآثرت على نفسها وبقيت على عهدها في التقديم للثورة، ومازال شباب حمص ينخرطون في صفوف الجيش الحر، ولكم أن تتصورا شابًا حمصيًا فقد بيته، وفقدت أسرتُه باب رزقها، وربما استشهد أحد أخوته أو أصيب، فرأى أن الخيار الصحيح هو الاستمرار في نهج الثورة، فانضمّ مع إخوانه تحت راية الأحرار…
وبالتالي فالعامل الاقتصادي ربما ـ برأيي ـ كان دافعًا للبعض للانضمام للجيش الحر فلم يعد لديه ما يخسره بعد أن سلبه نظام بشار كل مايملك!!! لكن! … ماتصرف الشباب الثوري السلميّ؟ هل سيبقى مضطرًا للتخفيف من حراكه، أم سيكون له كلمة في الوقت والمكان المناسب؟! هذا ماسنراه منهم في الأسابيع القادمة في مدينة حمص.