دولة تأليه الخوف
جريدة عنب بلدي – العدد 37 – الاحد – 4-11-2012
محمد محمود صارم
أن يكون العنف وسيلةً لتحقيق غاية ما عجزت عن تحقيقه السياسة أمرٌ مفهوم، وقد نكون لسوء الحظ، مضطرين للتسليم به في كثير من الأحيان. أما أن يكون العنف الركيزة الأساسية للحكم، والسياسة الأولى والأخيرة لنظام أنهى السياسية واغتال السياسيين منذ أربعين عامًا فذلك أمر مختلف تمامًا، لا ينضوي تحت باب السياسة ولا يمتّ بصلة لأدبيات الحرب.
وإذا كان السلام هو ما تصبو إليه نفوس الأسوياء من المعذّبين في الأرض، وهو القاعدة التي تؤسس عليها الأمم، فإن لنظام الأسد قاعدةً أخرى ألا وهي الصراع الذي كان توليده بين فئات الشعب المتعددة الضامن الأبرز لاستمرار طغيانه طيلة هذه الفترة الطويلة، والسبب الرئيس في تقويض بنيان الوطن السوري. كما كانت دعاية الصراع ضد «العدو» الإسرائيلي بدايةً، والإسلامي المتطرف حاليًا، والإمبريالي الاستعماري دائمًا وأبدًا هي المبرر لتزعم نظام الممانعة الحياة السورية بكل تفاصيلها.
انطلاقًا من تصنيف رجال السياسة في خمسينيات القرن الماضي إلى رجعيين عملاء مقابل تقدميين أحرار!! وصولاً إلى تصنيف عامة الشعب اليوم إلى مجموعات إرهابية مسلحة مقابل مجموعات من الطيبين الملتفين حول قيادتهم الحكيمة وجيشها الباسل، كانت الطائفية الورقة الأساسية التي أتقن النظام توظيفها منذ البداية، وكان الصامتون أبرز ضحايا الخوف.
نظام الأسد لا يمارس الاحتلال فحسب، ولكنه يمارسه بنجاح منقطع النظير – مُطبقًا بكثير من الأمانة- مقولة الاحتلال الاستعماري: «فرّق تسد» وبكثير من الإبداع الشيطاني والحرفية سياسات الاحتلال الاستيطاني وعلى رأسها سياسة الأرض المحروقة.
نظام الأسد ليس نظامًا فاسدًا فحسب، الفساد آفة ترافق أي منظومة حكم في أي بلد في العالم ولكن في «سوريا الأسد» الفساد هو جوهر النظام، هو علة وجوده وليس نتيجته.
نظام الأسد ليس دكتاتورية عسكرية تنصّب الجنرال ملكاً فحسب، إنما هي دكتاتورية تقصف المدنيين بالطائرات الحربية وتُدخل جيشها بالدبابات إلى الأحياء الآمنة، وهو ما يعجز التاريخ نفسه عن تصور فظاعته.
نظام الأسد ليس الدولة الأمنية القمعية التي تكم الأفواه وتتعقب معارضيها وترمي بهم في السجون فحسب، إنما هو دولة تكريس الفروع الأمنية وتأليه الخوف.
من المعلوم أن التاريخ يكتبه المنتصرون، لو فرضنا أن دول المحور هي التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، هل كان العالم سيهلل اليوم لهتلر باني ألمانيا الحديثة!!؟؟ هل كانت ستؤلف أغاني الأوبرا الإيطالية التي تتغنى بموسوليني الذي ضخ الدم الشاب في أحفاد الرومان؟؟ إن الحلفاء قاموا أيضًا بالكثير من الجرائم ولكنهم على سوئهم أقل سوءًا من النازيين والفاشيين الذين نظّروا الجريمة وطبقوها. في الديمقراطيات الغربية المولودة من رحم الحرب العالمية الثانية يتم انتقاد جرائم السلطة المرتكبة ضد شعبها أو الشعوب الأخرى في البلد نفسه قبل أي مكان آخر، على الأقل هناك هامش للاحتجاج، هناك فرصة للتغيير، هناك فسحة للأمل… في سوريا لا أرى سوى بقعة الدماء.
من الصحيح وبما لا يقبل مجالًا للشك أن مجتمعنا السوري يعاني الكثير من الأمراض، إننا متسلطون وإلغائيون وطائفيون، ولكن من الخاطئ القول بأن نظام الأسد هو ليس إلا صورة عن مجتمعنا وأنه خرج منا!! صحيح أنه لم يأت من الفضاء الخارجي، ولكنه يمثل شريحة الإجرام المنظم في مجتمعنا، هل يجوز القول أن كل الشعب الإيطالي مجرم باعتبار أن المافيا ولدت فيه؟ أو هل يجوز القول بأن كل المسلمين إرهابيون بدليل القاعدة وبن لادن؟ النظام يمثل حالة شديدة التطرف في المجتمع السوري ولا تمثل قيم المجتمع السوري ولا تعكس تاريخه أو تطلعاته.
نعم، الثورة لا تنتهي بسقوط النظام، الثورة ينبغي أن تستمر بعد سقوط النظام ضد الطائفية والانغلاق والتعصب والخوف والتخوين والثأرية والحقد والذكورية وكل الأفكار والممارسات السلبية الظاهرة والمستورة في مجتمعنا والتي رسخها النظام على مر العقود الأربعة السابقة، علمًا أنه لم يأت بها هو ولكنه لم يحاول القضاء عليها بل استغلها ووظفها لتثبيت سلطته.
هناك فرق كبير بين نظام يرتكب المجازر (المدانة قطعاً) وبين نظام قائم على الجريمة، نظام الأسد لا يضم مجموعة من السياسيين الفاسدين والعسكريين المصابين بجنون العظمة ورجال الأمن منعدمي الإنسانية بل إنه يضم مجموعة من المجرمين، إنه مافيا تحكم.. وليس حكمًا تؤثر عليه المافيا وهناك فرق كبير.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :