أمراء الحرب… أمراء السلام: اتفاقية “دايتون” بعد خمسة وعشرين عامًا

  • 2020/09/09
  • 9:15 ص
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

تجادل هذه المقالة على أن اتفاقية “دايتون” للسلام عام 1995، وبضمنها الملحق السابع المتعلق باللاجئين واللاجئات والأشخاص المشردين، التي سعت إلى تقويض إنشاء دويلات “متجانسة عرقيًا” في منطقة البلقان، ونجحت في تمكين غالبية المهجرين، نساءً ورجالًا، من العودة إلى بلادهم وبيوتهم الفعلية التي كانوا يسكنونها قبل الحرب، وتكريس حقهم باستعادة ممتلكاتهم التي حرموا منها، أو الحصول على تعويضات في حال لم يستطيعوا استعادتها، لكن الصفوة الذكورية المتنفذة المدعومة بسطوة القوات المسلحة نجحت في التوافق على تقسيم البلاد، إذ أدت الاتفاقية إلى تقسيم البوسنة لكيانين، فيدرالية البوسنة والهرسك، وجمهورية صرب البوسنة (صربيسكا)، ونجحت أيضًا في إقصاء النساء عن المشاركة في اتفاقية “دايتون” للسلام، سواءً كمفاوضِات رئيسيات فيها، أو كمشارِكات في فرق التفاوض، وكشاهدات و/ أو موقِّعات عليها، وقد أثر تغييب النساء هذا على قدرتهن في كسب الاعتراف بهن كصانعات للتغيير في العمليات اللاحقة، ولم يتمكّنّ من إدراج المنظور الجندري في النقاشات المتعلقة بالإصلاحات الدستورية، وتم التعامل معهن كضحايا/ناجيات وأمهات و/ أو زوجات للشهداء.

وبعد خمسة وعشرين عامًا من اتفاقية “دايتون”، يُسجل على الصفوة السياسية والعسكرية المتنفذة بأنها كرست الانقسام والسياسة العرقية، وقوضت المصالحة كما سمم خطابها المجتمعات.    

في آثار الحرب والتطهير العرقي

استخدمت عبارة “التطهير العرقي” للمرة الأولى بالحرب التي اشتعل فتيلها في نيسان من عام 1992، إثر تصادم المصالح الانفصالية في دول البلقان، وطرد الآلاف من بلداتهم وبيوتهم بهدف ما يُسمى بـ “النقاء العرقي“، وتم تهجير مليوني شخص من إجمالي عدد السكان 4.4 ملايين شخص قبل الحرب، أي ما يعادل نصف سكان البوسنة والهرسك، منهم مليون شخص لجؤوا إلى دول مختلفة من العالم، بعض النازحين داخليًا سكنوا في المراكز الجماعية، أي في بيوت مملوكة لمهجرين آخرين، والبعض الآخر بقي عند الأقارب في الكيانات التي تتبع أعراقهم، أي توجه صرب البوسنة إلى جمهورية صرب البوسنة، وكروات البوسنة والبوشناق (البوسنيون المسلمون) إلى الاتحاد الفيدرالي الذي بقي مقسمًا عرقيًا، وسيطر كروات البوسنة على 20% من أراضيه، بينما كان 30% منه تحت سيطرة البوشناق، وما تبقى سيطر عليه صرب البوسنة، وبدأ تعريف صرب البوسنة، وكروات البوسنة، والبوشناق بـ “الأقليات” عندما يكون أيًا منهم في مناطق لا تمتلك فيها جماعاتهم النفوذ والسلطة.  

ترافق الدمار الديمغرافي مع تغيير جذري بقطاع الإسكان في البوسنة والهرسك، وتضررت نحو 453 ألف وحدة سكنية، أو دُمرت بالكامل خلال الفترة الممتدة بين عامي 1992 و1995، أي 42% من مجموع الوحدات السكنية التي كانت قبل الحرب، ودمرت تمامًا نحو 80 ألف وحدة سكنية، تضررت بشكل متوسط نحو 270 ألف وحدة، كما دمرت المدن والقرى والتراث المعماري والمرافق الاجتماعية والهياكل الأساسية العامة، وقدرت الخسائر الاقتصادية بمبلغ يتراوح بين 50 – 70 مليار دولار.  

كيف قوضت الصفوة الذكورية المتنفذة المصالحة وكرست “التجانس العرقي”

ارتبط مقياس نجاح اتفاقية “دايتون” بتحقيق حق العودة كهدف هام في تسوية الصراع، واستعادة البوسنة والهرسك متعددة الثقافات، لكن الصفوة الذكورية المتنفذة عرقلت وأعاقت عودة “الأقليات”، أي من أصبحت مجموعتهم العرقية أقلية في موطن سكناهم الأصلي، حفاظًا منها على مكتسبات الحرب، وغالبًا، نجحت في تحشيد الجموع ضد عودتهم، وتمثلت أنماط إعاقة العودة بالعنف العرقي والتمييز العنصري وصعوبة الحصول على مسكن وعمل مناسبين، عندئذ قرر المجتمع الدولي التركيز على تنفيذ قانون الملكية الجديد (PLIP)، وتم معالجة 93% من 216 ألفًا و26 مطالبة باسترداد الممتلكات، ونجحت نوعًا ما عودة “الأقليات”، وتم إنجاز عملية رد الممتلكات إلى أصحابها اللاجئين والنازحين في نهاية عام 2006

ختامًا، رغم أن اتفاقية “دايتون” للسلام أنهت الحرب وجمدت النزاع وأبطلت إنشاء كيانات عرقية، إلا أن السياسة العرقية تجذرت بعدة وسائل، منها على سبيل المثال، التعليم الذي أصبح مقسمًا عرقيًا، كما أخفقت جهود المصالحة على المستويين المجتمعي والوطني، وازدادت حصانة التقسيمات، وازداد “استخدام المروّجين للسياسة القومية والانفصال المحتمل لها، ما ولّد حالة متجددة من (التخلخل) السياسي في البلاد”، وهو ما انعكس بالطبع على الاقتصاد.   

تعود محدودية نجاح تنفيذ الملحق السابع في اتفاقية “دايتون” للسلام، إلى أن السلطات التي أوكِل إليها بناء السلام، ودولة القانون، وحماية الحقوق هي نفسها التي أمرت خلال الحرب باتباع نهج التطهير العرقي، وهو الأمر الذي نخشى تكراره في القضية السورية، بأن يكون أمراء الحرب هم نفسهم أمراء السلام.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي