الاستيلاء على الملكيات في دير الزور وصعوبات الاستعادة

  • 2020/09/08
  • 9:07 ص

جلال الحمد

“لن أتخلّى عن منزل العُمر، إن لم أتمكن من العودة سيكون لأحفادي نصيب فيه”.

جملة لا تفارق فاهَ السيدة أم عمر كلّما سُئلت عن منزلها في ديرالزور، الذي غادرته منذ سبع سنوات تحت ضغوط الحرب المشتعلة في المحافظة منذ العام 2012.

أم عمر، هو اسم مستعار لسيدة ديرية فضّلت عدم ذكر اسمها الحقيقي، إذ لا تريد أن يُعكر أمل عودتها يومًا أي عائق أمني، وهي بذلك تحاول الهروب من شبح الملفات الأمنية التي تلاحق أبناءها المعروفين بنشاطهم المناهض للسلطة السورية، وغير القادرين على العودة إلى منزلهم وأملاكهم.

يقع منزل أم عمر بالقرب من حي القصور في مدينة ديرالزور شرقي سوريا، وقد بذلت محاولات للبقاء فيه وعدم النزوح، إلا أن قصفًا عشوائيًا طال المنزل ألحق فيه ضررًا، الأمر الذي أثّر على حالتها النفسية بشكل كبير، واضطرت للخروج برفقة عائلتها، ومنذ ذلك الوقت لم تتمكن من العودة بسبب الحصار، إضافة إلى رسائل من قبل مقربين من السلطة تذكرها بين الحين والآخر بأن عودتها قد لا تكون آمنة بسبب ملفات أبنائها الأمنية.

 بدأ الاستيلاء على المنازل في دير الزور من قبل الأجهزة الأمنية والمليشيات الاجنبية مبكرًا، إذ نزح مئات الآلاف منذ حزيران 2012 مع بدء الحملة العسكرية الكبيرة للجيش السوري على المحافظة، مستخدمًا الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي والمروحي. قُصفت الأحياء التي خرجت عن سيطرته، وهي مكتظة بالسكان، بالبراميل المتفجرة والصواريخ وقُتل المئات، ولم يُفرق القصف بين مدنيين وعسكريين، أو بين أهداف عسكرية ومواقع مدنية.

لم تسلَم المناطق التي بقيت تحت سيطرة الحكومة السورية من بطش السلطة التي لاحقت كل من يشتبه بتعامله مع المعارضة، أو بقيامه بأي نشاط معارض مهما كان، تُوّجت هذه الملاحقات باقتحام حيي الجورة والقصور المسيطر عليها من قبلها بشكل كامل في نهاية شهر أيلول من عام 2012، حيث قتلت واعتقلت المئات، بهدف بث الخوف الرعب في نفوس الأهالي للكف عن التفوّه بأي كلمة مناهضة للسلطة ولانتهاكاتها، وهو ما تسبب بنزوح مئات العوائل.

بالمقابل فإن فصائل المعارضة المسلحة استهدفت بقذائف الهاون والقذائف محلية الصنع الأحياء المسيطر عليها من قبل الجيش السوري، وكانت توقع ضحايا بين المدنيين وتلحق أضرارًا كبيرة في ممتلكاتهم.

بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مناطق واسعة في ديرالزور منتصف عام 2014، استمر في استهداف الأحياء المذكورة بعد محاصرتها ومنع دخول أي نوع من الغذاء والدواء إليها، ولم تقدّم الحكومة السورية حينها أي حلول للتعامل مع القصف أو الحصار، ولم تسهّل في الكثير من الأوقات دخول المواد الإغاثية للمحاصرين، بل على العكس ساهمت أحيانًا في عرقلتها.

وقد سبّبت هذه المراحل الثلاث الممتدة من منتصف عام 2012 ولغاية عام 2017 خلو آلاف المنازل من أصحابها، واستولت عناصر أمنية ومليشيات أجنبية على عدد منها تحت ذريعة عمل أصحابها في صفوف المعارضة. 

بعد العام 2017 وسيطرة قوات الحكومة السورية مدعومة بالقوات الروسية ومليشيات أجنبية من بينها “حزب الله” (اللبناني) على المدن الثلاث (دير الزور والميادين والبوكمال)، وكامل مناطق شمال نهر الفرات، عاد آلاف أهالي دير الزور إلى مناطقهم، وقد كانت استعادة المنازل واحدة من أعقد القضايا التي واجهتهم، وإن استطاع معظم العائدين إخراج العناصر المستولية باستخدام المال أو العلاقات مع الأجهزة الأمنية أو عن طريق المحاكم، إلا أن من لم يعودوا، أو يواجهون صعوبات بذلك، أو لن يتمكنوا من العودة، فلا مجال للحديث عن استعادة أملاكهم.

تحاول أم عمر منذ أن استولى عناصر محليون موالون للسلطة على منزلها أن تستعيده إما بواسطة أقارب لها مقربين من الأجهزة الأمنية، أو عن طريق بيعه صوريًا، أو تأجيره لشخص موثوق، لكن فشلت كل هذه المحاولات واشترط المتواجدون في المنزل أو المقربون من السلطة عودة أي فرد من العائلة لتسليمه المنزل، على الرغم من علمهم بصعوبة تنفيذ هذا الشرط، وعلى ما يبدو أنهم يتقصّدون ذلك.

أصبحت المنازل المستولى عليها في ديرالزور رهينة لدى السلطات وأجهزتها الأمنية، وفرصة للحصول على المكاسب، وذلك من خلال الاتصال بأصحابها وعرض شرائها بمبالغ أقل من سعرها الحقيقي، يضطر البعض للبيع مفضلين مكسبًا ماليًا متاحًا على إمكانية خسارتها مستقبلًا.

تعد حماية أملاك النازحين واللاجئين أمرًا أساسيًا، لما لها من تأثير على عودتهم مستقبلًا، في حال سنحت الظروف بذلك، إضافة لما لها من أثر على أي عملية سلام مستقبلية، وبالتالي فإن “اللجنة الدستورية” (السورية) مطالبة بأن تكون قضية حماية الأملاك من أولى أولوياتها.

كما أن المنظمات الحقوقية المحلية والدولية مدعوّة دومًا لمواصلة رصد وتوثيق هذا النوع من الانتهاكات، وهو ما سيمكّن من توفير المزيد من الأدلة لحماية حقوق الملكيّة، كما أن على النازحين واللاجئين الاحتفاظ بوثائق إثبات الملكية، والعمل على الحصول عليها قدر الإمكان في حال فقدانها أو ضياعها، ما يساعد في الدفاع عن هذه الحقوق.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي