“كافة الخدمات التي تقدمها الطبابة الشرعية مجانية، من استقبال جثث الضحايا الذين يقضون نتيجة القصف أو الحرائق أو الغرق، وحتى الذين تكون أسباب وفاتهم جنائية (جرائم قتل) … ولا تقتصر الخدمات على استلام جثث الثوار، المدنيين والعسكريين، فتستلم جثث جنود النظام وتوثقها وتدفنها”.
تأسست الطبابة الشرعية منذ بداية الثورة السورية، لتعمل على توثيق ودفن جثث الضحايا، الذين يقتلهم النظام ويلقيهم في الشوارع. وقد بدأت تأخذ الطابع القانوني والمتعارف عليه في أنظمة الطبابة الشرعية العالمي، بعد مجزرة نهر الشهداء يوم 29 كانون الأول 2013، والتي راح ضحيتها قرابة 100 شهيد.
محمد كحيل، المكنى بأبي جعفر، هو مدير الطبابة الشرعية في المناطق المحررة داخل محافظة حلب، ومختصٌ في العلوم الشرعية (مسرح جريمة)، وخبير محلف لدى الجهات القضائية قبل الثورة، يقول إن 23 موظفًا يعملون في الطبابة ضمن فريقين، الأول يضم 17 شخصًا يعملون في الطبابة الشرعية، والثاني يضم 6 آخرين، هم فريق الأدلة الجنائية ومختصي مسرح الجريمة، ويوثقون جرائم النظام.
أبو جعفر قال إن الفريق يوثق الجثث، ومعظمها يأتي مجهول الهوية، ثم يسلمها إلى ذويها بعد التعرف عليها، “وإن لم يستطع أحد التعرف عليها ندفنها ونُرقّم القبور لتدخل ضمن أرشيفنا”.
والطبابة الشرعية هي الجهة الوحيدة المعتمدة لمنح شهادات الوفاة لدى كافة الجهات (العسكرية والمدنية)، وفق إفادة سابقة لأبي جعفر في حديثٍ مع عنب بلدي، أشار فيها إلى أنهم يستعينون بأطباء من مؤسسات ثورية أخرى في فحص ومنح تقارير طبية عن حالة المصابين في حالات الشجار والتعدي، تحدد فيها نسب العجز والاستشفاء.
للحديث عن طبيعة عمل الموثقين في الطبابة، التقت عنب بلدي محمد نور رسلان، أبو وسيم، وهو موثق في ديوان الطبابة الشرعية، ويعمل على توثيق الضحايا والإصابات والجرائم الجنائية، وشرح عن أهمية العمل في ظل القصف المستمر التي تعاني منه المنطقة:
وتعتمد الطبابة على التوثيق المؤتمت في عملها أيضًا. خالد قلعجي، وهو مسؤول التوثيق المؤتمت في الطبابة الشرعية، قال إن الأتمتة أفضل من التوثيق الورقي، للحفاظ على الملفات والوثائق المهمة من التلف، مشيرًا إلى معاناة الطبابة الشرعية من نقص المعدات كأحبار الطابعات وأدوات أخرى، في ظل غياب الدعم عنها.
مساعٍ لتشكيل هيئة خبراء محلفين
نتيجة نقص الخبرات وقلة الكوادر الاختصاصية، نظمت الطبابة الشرعية مطلع آب الجاري دورة في الأدلة الجنائية، التحق بها 5 أشخاص، “للرقي بالعمل الجنائي في ظل الحرب”، بحسب أبي جعفر، الذي قال إن معظم العاملين في قسم الشرطة والنقاط الأمنية الأخرى أشخاصٌ غير مختصين، كون اختصاص الأدلة الجنائية نادر، “حاولنا تنمية المهارات لديهم ورفع مستواهم العملي في هذا المجال ليكونوا عونًا لفريق الطبابة الشرعية وللجهات القضائية”.
ويحاول فريق الطبابة بعد الدورة، خلق نواة للعلوم الجنائية في المناطق المحررة، وخاصة في مدينة حلب، ويسعى إلى تشكيل هيئة خبراء محلفين تتضمن خبراء: خطوط، تواقيع، تحليل كيميائي، مساحة، زراعة …الخ، بعد التنسيق مع الجهات القضائية والأطباء وأصحاب الخبرة.
ويشرح أبو جعفر مضمون الدورة والعلوم التي يسعى كمدير للطبابة لتعليمها للمتدربين كي يصبحوا جاهزين للقيام بعملهم على أكمل وجه:
https://soundcloud.com/enab-baladi/d5ebewddakjv
وسيم، وهو أحد المنتسبين للدورة التدريبية ويعمل ضمن فريق الطبابة الشرعية، قال إن الدورة تساعدهم في معرفة طريقة أخذ البصمات، وفي تمييز التواقيع المزورة كونهم يتدربون على هذه الأمور بشكل عملي وتطبيقي.
ويضيف وسيم لعنب بلدي، إن اختصاص الخبير الجنائي نادر جدًا “وكوني ممرض فهذا يسهل علي الأمر قليلًا”، مردفًا “أحاول زيادة معلوماتي خلال الدورة، وأتعرف على الاختصاص بشكل موسع فمن الممكن أن أعمل به في المستقبل وأبدع أيضًا”.
“ننحت الصخر بأظافرنا”
بدأت الطبابة الشرعية عملها منذ التأسيس بدون تمويل، واعتمدت على أشخاص في دعمها، وتتبع ماليًا لمديرية الصحة في محافظة حلب الحرة، أما إداريًا فهي هيئة مستقلة لا تتبع لأي فصيل أو تيار سياسي، وتعتمد على التبرعات المتقطعة من بعض المنظمات، بحسب أبي جعفر، “لا تزال الديون تتراكم على الطبابة، ولم نستطع حتى الآن تأمين المعدات الأدوات اللازمة لنرتقي بعملنا”.
براميل الطيران المروحي استهدفت مقر الطبابة الشرعية مرات عديدة، ودمرت قسمًا كبيرًا من المبنى الذي يحتضنها، وأعطبت العديد من الأدوات والأجهزة، كما تصدعت جدران قسم التبريد الذي تحفظ بداخله الجثث أكثر من مرة.
ويشير أبو جعفر إلى أن قلة الدعم المادي واللوجستي هي العائق الأكبر أمام عمل الطبابة، “لدينا سيارة واحدة فقط لنقل الجثث وهي بوضع شبه مأساوي، كما ينقصنا العديد من الأدوات والأمور الضرورية الأخرى”.
عنب بلدي التقت عددًا من الناشطين في مدينة حلب، وتحدثوا عن رأيهم بعمل الطبابة الشرعية، ومدى الاستفادة منه وسط الوضع الطبي المتدهور التي تعاني منه المدينة:
لا رد للحكومة والمجلس متوقف عن العمل
حاولت عنب بلدي التواصل مع وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، محمد وجيه جمعة، بالاتصال به شخصيًا ثم عن طريق مدير مكتبه، للاطلاع على دور الحكومة في دعم هذه المشاريع، لكننا لم نجدًا ردًا.
كما تواصلت الجريدة مع المجلس المحلي في مدينة حلب لسؤاله عن دوره في دعم القطاع الطبي في المدينة، وقيل لنا إن المكتب الطبي الذي يتبع له متوقف عن العمل.
يزداد الواقع الطبي سوءًا في مدينة حلب وسط تعرضها للقصف بعشرات البراميل المتفجرة يوميًا، بينما يزداد عدد النازحين بعد الدمار الهائل الذي تعرضت له أحياؤها، وتتصاعد بالمقابل أعداد الشهداء والجرحى على اختلاف درجات إصابتهم. ويبقى السؤال إلى أين سيؤول القطاع الطبي في حلب وسط عجز الهيئات الرسمية والمحاولات الخجولة من أبنائها على الرغم من قلة الموارد؟
أعدت هذه المادة بدعم من البرنامج الإقليمي السوري