تعتبر الموازنة العامة لأي دولة من الدول الخطة المالية للسنة المالية القادمة، التي تعتبر مؤشرًا على توجهات حكومة تلك الدولة في المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية وتعكس أولويات تلك الحكومة فيما يتعلق بمناحي الحياة المختلفة والتي تمس أبناء تلك الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتتشكل الموازنة العامة للدولة من مكونين أساسيين هما جانب الإيرادات وجانب النفقات.
ويمثل جانب الإيرادات جميع الأموال التي تدخل إلى الخزينة العامة للدولة أو تصب فيها والتي تتاتى من عدة مصادر أهمها الضرائب والرسوم المفروضة على المواطنين كضرائب الدخل والضريبة على المبيعات (ومنها ضريبة القيمة المضافة أو رسم الإنفاق الاستهلاكي) والضرائب على الثروة والتي يتم العمل بها في بعض البلدان، ويضاف إليها الرسوم المفروضة على الخدمات العامة المختلفة التي تقدمها الدولة من خلال أجهزتها المتعددة. ويضاف إلى الضرائب والرسوم في تشكيل الإيرادات العامة ما يسمى إيرادات أملاك الدولة الناجمة عن نشاط الدولة وأجهزتها في بعض القطاعات كالمناجم والتنقيب.
أما الجانب الآخر فهو جانب النفقات والذي يتضمن أوجه ومجالات إنفاق هذه الأموال العامة والتي تتوجه إلى القطاعات التربوية والتعليمية والصحية والثقافية والاجتماعية وغيرها. وينقسم الإنفاق العام إلى إنفاق جارٍ وإنفاق استثماري.
أما الإنفاق الجاري فيشمل النفقات التي تقوم بها الدولة بهدف استمرار عملها ونشاطها، ويشمل هذا الإنفاق دفع الرواتب والأجور للعاملين في القطاع الام والحكومي إضافة إلى المصاريف الأخرى والتي يمكن وصفها بالدورية سواء كانت يومية أم شهرية وربما سنوية في بعض الأحيان ومن هذه النفقات نفقات القرطاسية ومصاريف الكهرباء والماء والمصاريف النثرية الأخرى. أما الإنفاق الاستثماري فهو يمثل المبالغ التي تصرفها الدولة في مجالات وقطاعات تمثل استثمارا يحقق عائدًا ماليًا أو بشريًا لها أو يخلق المزيد من فرص العمل، ومن مظاهر الإنفاق الاستثماري الإنفاق على إنشاء أبنية جديدة سواء كانت تلك الأبنية لمدارس جديدة أو لمشاريع إنتاجية صناعية أو غيرها.
وبمقارنة إجمالي الإيرادات العامة مع إجمالي النفقات العامة نكون أمام توازن الموازنة العامة في حال تساويهما، ونكون في حالة فائض في الموازنة إذا ما كانت الإيرادات أكثر من النفقات، أما إذا كانت الإيرادات أقل من النفقات فعندها نكون أمام حالة عجز الموازنة وهي الحالة التي تمر بها كثير من دول العالم ومنها سوريا، وعادة ما يتم تغطية هذا العجز من خلال الاقتراض داخليًا من المصرف المركزي للدولة نفسها أو من خلال الاقتراض الخارجي من دول أو مؤسسات مالية.
ومن خلال تركيبة كل من الإيرادات والننفقات تتبين توجهات الحكومة وأولوياتها، وتتضح قدرتها على تنفيذ سياساتها التي وعدت بها أو التي تسعى إليها.
وفي سوريا، أقرت الحكومة بجلستها المنعقدة يوم الثلاثاء بتاريخ 23 تشرين الأول 2012 مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2013 باعتمادات إجمالية قُدّرت بـ /1383/ مليار ليرة سورية بزيادة مقدارها 4% عن موازنة العام الحالي 2012 والتي كانت مقدرة بـ /1326/ مليار ليرة سورية.
ومن خلال نظرة سريعة على بنود هذه الموازنة نجد أن الحكومة قد خصصت القسم الأكبر من الموازنة للإنفاق الجاري، إذ تبلغ اعتماداته /1108/ مليار ليرة سورية، أي مايعادل 80,12% من إجمالي الإنفاق العام، بينما بلغت اعتمادات الإنفاق الاستثماري العام ما مقداره /275/ مليار ليرة سورية أي ما نسبته 19,88% من إجمالي اعتمادات الموازنة العامة. وبمقارنة هذه الأرقام مع اعتمادات الموازنة العامة للدولة للعام 2012 نجد أن اعتمادات الإنفاق الاستثماري قد تراجعت بقيمتها المطلقة وبنسبتها من الموازنة الإجمالية، إذ كان الإنفاق الاستثماري في العام 2012 كان مقدرًا بـ 375 مليار ليرة سورية ويمثل ما نسبته 28% من إجمالي اعتمادات الموازنة لتلك السنة.
إن تراجع الإنفاق الاستثماري عبارة عن مؤشر يشرح إعادة ترتيب أولويات الحكومة وخططها الاقتصادية، فلم يعد التركيز على المستقبل هدف الحكومة، إنما التركيز على تمويل العمليات الجارية على الأرض والتي تهدف إلى ضمان بقاء الحكومة والنظام.
بينما يقرأ وزير المالية محمد الجليلاتي هذه الأرقام بشكل مختلف، حيث يفسر السبب الرئيسي لزيادة نسبة الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري إلى: «الظروف الحالية والحرب الكونية التي تُشنّ على سورية، والعقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها والتي تهدف الى إيجاد خلل في التوازن الاقتصادي في سوريا من خلال الخلل البنيوي في التوازن الكلي على صعيد الاقتصاد سواء التوازن في ميزان المدفوعات أي الميزان التجاري من خلال الفرق بين الاستيراد والتصدير، وأيضًا ميزان العمليات الراسمالية والمقصود بها رؤوس الأموال أو الاستثمارات الوافدة إلى سوريا وذلك عبر إخلال توازن الموازنة العامة للدولة وزيادة عجوز الموازنة وزيادة التضخم والبطالة». بينما تجاهل السيد الوزير أنه لم يعد هناك معامل وورش قادرة على استمرار الإنتاج وتصديره لإحداث التوازن في الميزان التجاري، وأن سبب عجز ميزان العمليات الرأسمالية يعود إلى هروب معظم رؤوس الأموال السورية نحو الخارج وإنعدام الاستثمارات الأجنبية في دولة تُحارب شعبها وتقصف المدن والقرى وتدمر كل مقومات الاستثمار والحياة.
السؤال الذي يطرح نفسه، كيف سيتم تغطية نفقات الحكومة في ظل تراجع النشاط الاقتصادي والضرائب؟
تقدر الحكومة الموارد المحلية لعام 2013 بمقدار 634 مليار ليرة في ظل نمو سالب متوقع للناتج المحلي الإجمالي. وتشير التقديرات إلى تراجع كتلة الضرائب والرسوم التي بلغت في العام الحالي 267 مليار ليرة، بينما تقدر بـ 180 مليار ليرة للعام المقبل 2013، حيث تحتل الضرائب المحصلة من قطاع النفط 70% من إجمالي الضرائب. وفي ضوء هذه الأرقام يقدر حجم العجز بالموازنة العامة بنسبة 45.84%.
المشكلة الأكبر تتمثل في كيفية تمويل العجز، فهل سيتم عن طريق الإقتراض الداخلي بإصدار مزيد من سندات القرض؟ وهل هناك أي مواطن أو مستثمر مستعد للاكتتاب بسندات لحكومة متوقع سقوطها في أية لحظة؟
أم أنه سيتم بيعها لروسيا والصين وإيران كما تم سابقًا والتي قدرت بـ 15 مليار دولار، حسبما صرح معاون وزير النفط المنشق عبده حسام الدين. وفي حال تم بيع السندات الحكومية لهذا الدول، فإن ذلك يعني مزيدًا من القيود والمشاكل المالية المستقبلية المترتبة على سوريا بعد سقوط النظام، ورَهنُ سوريا بيد دول محور الشر التي تشترك في تمويل الرصاص الذي يقتل الشعب السوري.
الكارثة الكبرى أيضًا أنه إذا تم التمويل عن طريق إصدار أوراق نقدية جديدة، وهذا يعني مزيدًا من التضخم والارتفاع في الأسعار، وتراجعًا في سعر صرف الليرة السورية، وأين سيتم طباعة هذه العملة بعدما رفضت جميع الدول ذات المصداقية بالقيام بذلك تخوفًا من استخدام النظام لهذه العملة في تمويل عملياته العسكرية ضد شعبه.