عنب بلدي – علي درويش
تعمل “هيئة تحرير الشام” على برهنة تكيفها مع الشأن الداخلي في سوريا، ليكون لها أي نصيب في أي عملية سياسية مستقبلية، وتبعث برسائل دولية أو إقليمية، آخرها الحديث عن فتح علاقات مع دول أجنبية.
على مدار السنوات السابقة، شهدت “تحرير الشام” عدة تحولات في بنيتها الأيديولوجية والعسكرية، لكن لقاء القائد العام للفصيل، “أبو محمد الجولاني”، مع “مجموعة الأزمات الدولية“، في 20 من شباط الماضي، الذي أكد فيه أن جماعته حركة محلية ولا تمارس “الإرهاب الخارجي”، كان نقطة تحول في سلوك الفصيل.
وعملت “تحرير الشام”، خلال الأشهر الأخيرة، على تفكيك الجماعات “الجهادية” في مناطق سيطرتها، ومنعها من القيام بأي عمل عسكري أو فتح مقرات دون إذن منها، واعتقلت قياديين بارزين في هذه الجماعات.
بينما صرح الشرعي العام في الفصيل، عبد الرحيم عطون، الملقب بـ”أبو عبد الله الشامي”، لصحيفة “LETEMPS” السويسرية، في 4 من أيلول الحالي، بشكل مباشر عن تطبيع العلاقات مع دول غربية.
وقبل أيام، تحدثت “تحرير الشام” في لقاء مع صحفيين عن إدلب كدولة تحكمها سلطة ومؤسسات، حتى من دون اعتراف الدول، ما أثار تساؤلات عن التخطيط المستقبلي لـ”تحرير الشام”.
مشروع حزب سياسي؟
لم تستبعد الباحثة في الجماعات “الجهادية” روان الرجولة، في حديثها إلى عنب بلدي، أن تتحول “تحرير الشام” إلى حزب سياسي أو أن تخلق جناحًا سياسيًا لها على غرار “حزب الله” اللبناني، وحركة “حماس” الفلسطينية.
وتهدف “تحرير الشام” لخلق مكان لها على طاولة التفاوض السياسي والحياة السياسية، من خلال “استخدام العنف والإرهاب والقبض بشكل حديدي على تقديم نموذج من الحوكمة المتشدد، الذي يؤمّن خدمات الدولة والأمن”.
أما الدول الغربية فتتعاطى مع الأجنحة السياسية لمنظمات كهذه، لأنها في النهاية ممثلة لشريحة محلية ولها دعم محلي، وهذا يعني في المقابل أن هذه الحركات يجب أن تغير من بنيتها “الإرهابية” ولغتها وخطابها المعادي للغرب.
وهي معادلة ذات توازنات وأبعاد دقيقة بالأخص فيما يتعلق بـ”تحرير الشام”، لأنها ترتبط بشكل مباشر بدول إقليمية ذات تأثير كبير على بنيتها الشرعية والأيديولوجية والعسكرية والسياسية، حسب الباحثة روان الرجولة.
فالجغرافيا في العلاقات الدولية تلعب دورًا مهمًا في تعريف محددات التعامل والتعاطي بين مختلف اللاعبين في مشهد معقّد مثل المسرح السوري، ولا يمكن إغفال ديناميكيات التفاعل بين الجماعات “الجهادية” من منظور أيديولوجي وبراغماتي.
ولعب “التشدد” بالعقيدة وتنظير الشرعيين دورًا في انشقاق الجماعات “الجهادية” عن “تحرير الشام”، ومنها تنظيم “حراس الدين” فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، كما لعبت المصالح الدولية والبراغماتية في تحديد الأهداف القصيرة والطويلة لقائد “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”.
وتبرر الباحثة هذا الشقاق بين الجانبين، بالفرق في “عمق العقيدة والتشدد بها” بين الجماعات “الجهادية” و”الجهادية السلفية” الأجنبية والمحلية، فبشكل عام تكون الجماعات الأجنبية أكثر “تطرفًا” وأقل قبولًا محليًا، على عكس الجماعات “الجهادية” ذات الطابع والقيادة المحلية (كتحرير الشام)، وتحكمها البراغماتية والتأقلم مع التغييرات الدولية والإقليمية.
تسعى للتطبيع مع الغرب
في آخر ظهور له، دعا الشرعي العام في “تحرير الشام”، عبد الرحيم عطون، إلى تطبيع العلاقات مع الدول الغربية، وذلك خلال حديثه مع صحيفة “LETEMPS ” السويسرية الناطقة بالفرنسية، في 4 من أيلول الحالي.
وتحدث عطون عن ضروروة تطبيع العلاقات بين الأهالي في مناطق سيطرة “تحرير الشام” (محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي) والدول الأجنبية.
وأضاف، “نحن نحاول حاليًا تنظيف صورتنا، والهدف ليس تجميل الواقع إنما عرضه كما هو”.
واعتبر أن السكان في إدلب لا يعيشون كما كان يعيش سكان محافظة الرقة شمال شرقي سوريا خلال سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” عليها.
وأكد أن فصيله يريد “الخروج من القائمة السوداء (…) وعندها فقط ستتمكن المنطقة من التعافي”.
وبرر عطون التطبيع بأن المنطقة بحاجة إلى مساعدة دولية لإعادة البناء، مضيفًا، “نحن آخر من قاتل النظام وحلفاءه، لكننا لن نتمكن من القضاء عليه دون مساعدة”، في إشارة منه إلى طلب المساعدة من الدول الغربية للقضاء على النظام، فـ”تحرير الشام” والمنطقة لا تستطيع الاستمرار دون مساعدة الدول الغربية.
بدوره، قال رئيس الوزراء في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، علي كده، في حديثه لصحيفة “LETEMPS“، إن على الاتحاد الأوروبي تمييز الواقع على الأرض، وإن الشعب السوري يريد السلام لكن النظام السوري “إرهابي”.
وذكر أن هناك ضرورة لإقامة علاقات مع المجتمع الدولي لمحاربة النظام السوري، قائلًا إن المنطقة بحاجة إلى كل شيء، من كهرباء وماء وخدمات، وبحاجة إلى المساعدة الدولية، والتنسيق مع حكومة “الإنقاذ” لإدخال المساعدات إلى المنطقة.
ورهن كده إدخال المساعدات الدولية إلى إدلب بتعاون المنظمات الدولية مع حكومة “الإنقاذ”، قائلًا إنه “يجب على المنظمات الدولية إدخال المساعدات بالتعاون مع حكومة الإنقاذ”.
وتفرض “هيئة تحرير الشام” سيطرتها العسكرية على إدلب وريفها إلى جانب ريف حلب الغربي، في ظل وجود حكومة “الإنقاذ” التي تُتهم بالتبعية لـ”الهيئة”، وتتحكم بقطاعات المحروقات والكهرباء والاتصالات.
إدلب “دولة” باعتراف الدول أو دونه
قالت “الهيئة” في اجتماع لقياديين مع إعلاميين وناشطين، في 30 من آب الماضي، “في المحرر دولة سواء اعترف بها أم لا، لها سلطة ومؤسسات، تدير المنطقة على كل الصعد، والحرب الإعلامية ليست بأقل من بقية الحروب التي نخوضها يومًا بعد يوم”، معتبرة أن الأراضي الخاضعة لسيطرتها تعتبر دولة تحكمها سلطة ومؤسسات.
وأضافت أن “منطقة إدلب فيها ما يناهز أربعة ملايين، تدار من قبل إدارة خرجت من رحم الثورة ومن ركام القصف، الأمر الذي يعطيها شرعية أمام أبناء الشعب وأمام العالم أجمع، وهذا يعد نصرًا استراتيجيًا”.
واعتمدت “تحرير الشام” على “رأس مال المنطقة، وهو الشباب والشعب، إلى جانب خبرات ومقدرات الداخل المحرر، وأي تقاطع لمصالح مع جهات أخرى هو ربح إضافي”.
اعتقال “جهاديين” وتفكيك فصائل “جهادية”
اعتقلت “تحرير الشام” القيادي السابق في صفوفها سراج الدين مختاروف، المعروف باسم “أبو صلاح الأوزبكي” والمطلوب من الإنتربول الدولي، في 18 من حزيران الماضي، وكان منضويًا ضمن صفوف تنظيم “جبهة أنصار الدين” (الجهادي).
ثم اعتقلت بعد عدة أيام القيادي السابق في صفوفها، “أبو مالك التلي”، المحسوب على التيار “المتشدد”، في 22 من حزيران الماضي، وبررت “تحرير الشام” اعتقاله متهمة إياه بمحاولة “إضعاف الصف وتمزيق الممزق”.
وأدى اعتقال “التلي” و”الأوزبكي” إلى معارك بين غرفة عمليات “فاثبتوا” التي تضم خمسة فصائل جهادية هي: “تنسيقية الجهاد” بقيادة القيادي السابق “أبو العبد أشداء” الذي اعتقل مرتين نتيجة انتقاده لـ”الهيئة”، و”لواء المقاتلين الأنصار”، و”جماعة أنصار الدين”، و”جماعة أنصار الإسلام”، وتنظيم “حراس الدين”.
وانتهت الاشتباكات بتوقيع اتفاق بين الطرفين على إخلاء المقرات التابعة لـ”فاثبتوا” في مناطق إدلب، ومنع إنشاء أي مقرات جديدة، أو نشر حواجز إلا من قبل “إدارة الحواجز العامة” التابعة لـحكومة “الإنقاذ”، المتهمة بالتبعية لـ”تحرير الشام”.
كما منعت “تحرير الشام” تشكيل أي فصيل أو غرفة عمليات في مناطق سيطرتها، وحصرت الأعمال العسكرية في غرفة عمليات “الفتح المبين”، منذ 26 من حزيران الماضي، بعد توقيع اتفاق وقف القتال مع غرفة “فاثبتوا”، وسيطرت على كامل مناطق التماس مع النظام.
وتضم غرفة عمليات “الفتح المبين” كلًا من “هيئة تحرير الشام”، و”الجبهة الوطنية للتحرير” المنضوية ضمن “الجيش الوطني السوري”، إلى جانب “جيش العزة”.
كما اعتقلت “تحرير الشام” “الجهادي” الفرنسي عمر ديابي الملقب بـ”عمر أومسين”، وبررت اعتقاله “بعدة دعاوى رفعت بحقه”، وتفرده بإقامة “إدارة مصغرة”.
ويقود ديابي (41 عامًا) مجموعة من المقاتلين الفرنسيين في سوريا، وولد في السنغال، وانتقل إلى سوريا في 2013، وترأس كتيبة “جهادية” في غابات اللاذقية معظمها من الفرنسيين، ويعتبر الزعيم الروحي لجماعته.
وتقول السلطات الفرنسية إنه “مسؤول عن تجنيد 80% من الجهاديين الذين يتحدثون اللغة الفرنسية ممن ذهبوا إلى سوريا أو العراق”، في حين صنفته الخارجية الأمريكية في 2016 كإرهابي عالمي.
وقالت الخارجية الأمريكية، بحسب وكالة “رويترز” آنذاك، إن “ديابي يتزعم جماعة تضم حوالي 50 مقاتلًا أجنبيًا في سوريا، شاركت في عمليات إرهابية مع جبهة النصرة الإسلامية المتشددة، التي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام”، قبل أن تصبح لاحقًا “هيئة تحرير الشام”.