د. أكرم خولاني
تتعرض منطقتنا في هذه الأيام لموجة حر شديد وغير مسبوق، ويؤدي ارتفاع حرارة الجو بشكل كبير إلى العديد من المشاكل الاقتصادية والصحية.
فترك أسطوانات الغاز والشواحن المتنقلة والعبوات العطرية المضغوطة والمعقمات والولاعات في المركبات، قد يتسبب باشتعال الحرائق كونها قابلة للانفجار أو الاشتعال، كما أن ارتفاع درجات حرارة الجو قد يعرّض الطعام للفساد، ما قد يسبب تسمم الأغذية سواء المحضرة في المنزل أو المطاعم أو الأغذية التي يتم نقلها وتوصيلها، كما أن التعرض المفرط للحر الشديد يؤدي إلى آثار صحية سلبية على جسم الإنسان، لا سيما بين الأطفال وكبار السن.
كيف يؤثر الحر الشديد على جسم الإنسان
عندما تكون درجة حرارة الجلد أعلى من درجة حرارة الجو حول الجسم، فإن بإمكان الجسم أن يخرج بعض الحرارة إلى البيئة المحيطة به، وهو ما يعرف بـ”الفقدان الجاف للحرارة”.
ولكن عند ارتفاع درجة حرارة الجو في الظل إلى 32 درجة مئوية أو أكثر يعتبر الجو حارًا، ويتفاعل الجسم مع ذلك بفقدان الشهية للطعام، لأنه لم يعد بحاجة إلى سعرات حرارية كثيرة، وبضخ كميات أكبر من الدم إلى سطح الجلد، وذلك حتى تطرد حرارة الجسم الداخلية إلى السطح، وهو ما يؤدي إلى حدوث التعرق، ومع تبخر ذلك العرق، تبدأ حرارة الجسم بالانخفاض مرة أخرى.
ولرطوبة الجو دور مهم في تحديد كمية التعرق التي يفرزها الجسم، فإذا ما كانت معدلات الرطوبة مرتفعة في الجو، تكون قدرة الجسم على التعرق ضعيفة، وهو ما يجعل الشخص يشعر بالضجر والضيق، أما إذا ما كان الجو حارًا وجافًا فيمكن للتعرق أن يكون عاملًا مساعدًا على تخفيض حرارة الجسم.
إلا أن التعرض المباشر لحرارة الشمس المرتفعة لفترة طويلة، أو البقاء في جو تكون فيه الحرارة أكثر من 40 درجة مئوية مع رطوبة عالية، قد يؤدي إلى فشل آلية تنظيم الحرارة في الجسم، فيتوقف تدفق الدم إلى الجلد، وهذا يؤدي للشعور بالبرودة ولعدم إفراز العرق الذي يبرد الجسم، وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الجسم بسرعة، والإصابة بـ”ضربة الشمس”.
فإذا ارتفعت درجة حرارة الجسم لتصل إلى 39-40 درجة مئوية، يرسل الدماغ إشارات إلى العضلات حتى تبطئ من حركتها، وهو ما يجعل المرء يبدأ بالشعور بالإعياء، وعند ارتفاع درجة حرارة الجسم لتتراوح ما بين 40-41 درجة مئوية فإنه يصاب بالإعياء الحراري، وإذا ارتفعت الحرارة عن 41 درجة يبدأ ذلك الارتفاع في درجة الحرارة بالتأثير على العمليات الكيميائية داخل الجسم، وتبدأ الخلايا داخل الجسم بالتدهور، وهذا يؤدي إلى فشل في عمل الأجهزة الحيوية كالقلب والرئتين والكبد والكليتين والعضلات و الدماغ، وقد تحدث الوفاة في حال عدم العلاج.
ما العوامل التي تزيد من خطورة تأثير الحر الشديد على الجسم؟
- طرفا العمر، كبار السن أو صغار السن جدًا.
- بعض الظروف المعيشية، كسوء التهوية في المنزل، وارتفاع الرطوبة، والعمل في أجواء حارة ومغلقة.
- بذل الجهد في الطقس الحار، كالعمل الشاق أو ممارسة كرة القدم أو أي رياضة لساعات طويلة في الطقس الحار.
- بعض التصرفات الخاطئة، كالتعرض المفاجئ للطقس الحار، ووضع الزيوت والمواد الحافظة على الجلد ما يمنع التعرق، ولبس الملابس الضيقة وغير الصحية.
- بعض الظروف الصحية، كالبدانة، مرض القلب، ارتفاع ضغط الدم، أمراض الجلد والكلى والكبد، استخدام بعض الأدوية مثل مدرات البول وحبوب الحساسية (مضادات الهيستامين) والمهدئات ومضادات الاكتئاب والمنشطات كالأمفيتامين والكوكائين.
ما أعراض وعلامات الإصابة بـ”ضربة الشمس”؟
قد تتطور الأعراض خلال أيام، أو خلال ساعات، وأحيانًا قد تحدث بسرعة عند الأشخاص الذين يتعرضون لدرجات حرارة عالية مع رطوبة عالية، فيلاحظ عند المصاب:
- ارتفاع حاد بدرجة حرارة الجسم حتى 40 درجة مئوية أو أعلى، وهو علامة رئيسة من علامات “ضربة الشمس”.
- عدم التعرق، ففي “ضربة الشمس” الناجمة عن الطقس الحار يكون الجلد حارًا وجافًا عند لمسه ومائلًا للاحمرار، أما في “ضربة الشمس” الناجمة عن ممارسة التمارين الرياضية الشاقة في الجو الحار فقد يكون الجلد رطبًا.
- صداع ودوار.
- غثيان وقيء.
- زيادة سرعة التنفس.
- تسارع ضربات القلب وقوتها وعدم انتظامها خاصة مع تقدم الحالة.
- ارتفاع ضغط الدم في المرحلة الأولى ثم انخفاضه في المراحل المتقدمة.
- صعوبة الكلام أو فهم ما يقوله الآخرون.
- ضعف وإعياء شديد وهلوسة.
- إغماء، وتضيق حدقات العينين، وتشنج العضلات.
وقد يحدث أن تبدأ الإصابة بسقوط مفاجئ مع فقدان للوعي وسرعة وعمق في التنفس، بالإضافة إلى بقية الأعراض، ويمكن أن تتلاشى هذه الأعراض ويعود الشخص إلى حالته الطبيعية قبل أن يصاب بانتكاسة جديدة.
ما خطوات الإسعاف الأولي الواجب إجراؤها عند وجود مصاب بـ”ضربة شمس”؟
تتوقف خطورة الإصابة ومضاعفاتها على سرعة إسعاف وعلاج المصاب، وتشمل خطوات الإسعاف الأولي:
- إبعاد المصاب عن أشعة الشمس والجو الحار، ووضعه في مكان مظلل أو مكيف، والانتباه لإبقائه مستلقيًا على ظهره مع رفع الرأس والكتفين قليلًا، بينما يقوم شخص آخر بطلب سيارة الإسعاف لنقل المصاب إلى المستشفى.
- تبريد جسم المصاب من خلال إزالة الملابس غير الضرورية، واستخدام قطعة إسفنج أو كمادة ماء بارد لتبريد الرأس والأطراف وتحت الإبطين وبين الفخذين، وكذلك لف الجسم بقطعة قماش مبللة بالماء البارد، أو صب الماء على الجسم، ويمكن تغطيس الطفل في حوض ماء بارد بدرجة حرارة 15 مئوية، مع تجنب استخدام الثلج خشية أن يؤدي تقلص الأوعية الدموية إلى تدهور الحالة.
- تعريض الجسم لمصدر هوائي أو مروحة حتى يتبخر الماء بسرعة ما يخفض من حرارة الجسم.
- إذا كان المصاب واعيًا فيجب إعطاؤه ماء أو مشروبًا مثلجًا لشربه، مع ضرورة تجنب المشروبات الساخنة أو المنبهة.
- يجب قياس درجة حرارة الجسم بشكل متكرر في أثناء الإسعاف، ويجب التوقف عن تبريد الجسم في حال هبطت حرارته إلى ما دون 38 مئوية.
يجب الاستمرار بتبريد جسم المصاب في أثناء نقله إلى المستشفى، وهناك يعطى السوائل عن طريق الوريد، وقد يصف الطبيب الأدوية التي تقلل من الارتعاش (الارتجاف)، إذ إن عملية التبريد تسبب الارتعاش الذي يزيد حرارة الجسم ويجعل العلاجات المستخدمة أقل فاعلية.
كيف يمكن الوقاية من تأثير الحر الشديد على الجسم؟
بشكل عام، للوقاية من تأثير الحر الشديد على الجسم ينصح بما يلي:
- تجنب التعرض، وخاصة من قبل الأطفال، لأشعة الشمس لفترات طويلة ومتواصلة، و البقاء قدر الإمكان في الأماكن المظللة و الجيدة التهوية.
- الحرص والاهتمام بالسوائل بمختلف أنواعها، ويفضل المياه والعصائر الطازجة والفواكه والخضار والمثلجات بأنواعها لتبريد الجسم.
- تخفيف الملابس للأطفال عند الخروج إلى الأماكن غير المكيفة، وتغطية الجسم في الأماكن الباردة حتى لا يتعرضوا لانخفاض مفاجئ بحرارة الجسم.
- الحرص على عدم ترك الطفل داخل السيارة لوحده حتى لا يتعرض للضرر الذي قد يؤدي إلى الوفاة نتيجة احتباس الهواء الساخن داخلها.
- تجنب ممارسة الأنشطة الرياضية في الطقس الحار، وإنما ممارسة التمارين في الصباح الباكر أو في المساء، مع الحفاظ على شرب كمية كافية من السوائل (مياه أو أي مشروب آخر) قبل التمرين بساعتين، وشرب كمية قبل التمارين مباشرة، وكذلك في أثناء التمرين يجب شرب كميات من المياه كل 20 دقيقة حتى إذا لم تشعر بالعطش.
- ارتداء ملابس فضفاضة فاتحة اللون تعكس أشعة الشمس.
- ارتداء القبعات العريضة الحواف التي تقلل من تأثير أشعة الشمس على الرأس.
- استخدام واقٍ شمسي إن أمكن.
ولكن في حال إحساس الشخص بأعراض تشير إلى احتمال الإصابة بـ”ضربة شمس” يجب اتخاذ تدابير فورية، كالذهاب إلى مكان مكيف أو مظلل، ورش الجسم بالماء البارد، وشرب السوائل غير السكرية أو الحاوية على الكحول أو الكافيين، مع الانتباه لتجنب السوائل الشديدة البرودة، وبهذا يمكن منع تطور الحالة.