الإحسان… والأرض الميّتة!
عماد العبار
بين العدو اللدود والوليّ الحميم فارق مخيف على مستوى وقع اللفظتين على النفس، فلا يستويان مثلاً. أما على المستوى الواقعي، فلا يحتاج الأمر في كثير من الأحيان لأكثر من لحظات أو ساعات أو أيام قليلة، حتى يتحوّل الولي الحميم والقريب من أحدنا إلى عدوّ لدود… هي إذن طبائعنا البشرية التي تغلب عليها الحديّة في تعاملها مع الآخر، والذي يملك نفس الطبيعة والقدرة على تحويل نصفه الأول من ولي إلى عدو، ولذلك ترى أنفسنا تتراوح دومًا ما بين الشيطنة والتقديس، ولا ترى الاعتدال إلا في الذي رحم الله، في أولئك الذين تتحدّث عنهم الآية التي بدأت خاطرتي هذه من روحها، وسأنهي بلفظها بعد أسطر قليلة…
إن عملية انقلاب الصديق الحميم إلى عدو لدود، ليست تفاعلًا من طرفٍ واحد، فطرفٌ واحدٌ لا يحقق شروط التفاعل السلبي هذا، وسيُبطِل المعادلة بأكملها عدم وجود أكثر من طرف. فأنت دومًا أحد أطراف هذه المعادلة، وأحيانًا من دون أن تشعر. ولكن بالرغم من أن اجتماع الطرفين كان متاحًا لتحقيق العداوة، إلا أنه قد يكون متعذّرًا اجتماعهما لكسر تلك العداوة ووصل حبال المودّة من جديد. في هذه الحالة، وهي الأعم والأغلب، فقط أنت وحدك الذي تستطيع أن تجعل الذي بينك وبينه عداوة يبدو وكأنّه ولي حميم…
استوعب تلك العداوة، ثم ادفع بكل ما أوتيت من صبر، بالتي هي أحسن، فالأمر يستحق منك أن تفعل، نعم يستحق منك كل هذا العناء…
{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34).
لماذا يستحق الأمر كل هذه المشقّة؟! لأنك أحد المقصودين بهذه الآية… لأنك ذو حظَّ عظيم!! {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم} (فصلت: 35)
قد لا ندرك تأثير الكلمة الطيبة التي هي قوام عملية التدافع بين الإساءة والإحسان، ولكن يكفي أن تنظر في أرضٍ هامدة تأخّر عنها المطر، ولاحظ لحظة استقبالها له، تخيّل لو أن حال العلاقة المضطربة كان كتلك الحالة الهامدة التي سبقت ملامسة المطر لتشققات الأرض، وتخيّل كلمة الإحسان تلامس نفس الآخر، وكأنها المطر يخترق أرضًا عطشى… متشققة أساسًا.. ولا تتأخر، كن أنت المسارع إلى إحياء تلكالهياكل الإنسانية الميّتة.
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (فصلت: 39)
قد لا يحتاج الأمر منك أكثر من كلمة أو فكرة حسنة.. تدفع فيها شرّ العداء والجفاء.. فتكون ذو حظ عظيم…
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :