عنب بلدي – زينب مصري
بمرسوم تشريعي، في 30 من آب الماضي، سمّى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، 30 وزيرًا في الحكومة الجديدة برئاسة حسين عرنوس، وأبقى على الأسماء ذاتها في الحقائب السيادية، فحافظ وليد المعلم على منصبه في وزارة الخارجية والمغتربين، وبقي اللواء محمد خالد رحمون وزيرًا للداخلية، وحافظ طلال البرازي على منصبه وزيرًا للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، واستمر محمد سامر الخليل وزيرًا للاقتصاد والتجارة الخارجية.
كان لـ12 وزارة في الحكومة الجديدة نصيب في أسماء جديدة، فعُيّن الطبيب البيطري دارم طباع في وزارة التربية، وقاضي التحقيق الأول أحمد السيد في وزارة العدل، وعادت وزيرة الثقافة السابقة لبانة مشوح إلى منصبها الوزاري مجددًا، وسُمي حسن الغباش للصحة، وكنان ياغي للمالية، وغسان الزامل للكهرباء، ورضوان طعمة للنفط والثروة الوطنية.
واقع يواجه الوزراء الجدد
عيّن الأسد في وزارة الصحة الدكتور حسن الغباش، خلفًا لنزار يازجي، ليكون أمام تحدٍ في السيطرة على الوضع الطبي بعد تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وتوثيق منظمات دولية لتجاوز المستشفيات قدرتها الاستيعابية، ومواجهة عمال القطاع الصحي نقصًا “حادًا” في مستلزمات الوقاية، وتوفر الرعاية الطبية الأساسية للأشخاص القادرين على تحمل تكلفتها المالية فقط، وتضارب الأرقام الرسمية للإصابات والوفيات مع الأرقام الواقعية.
وسمّى في وزارة المالية الباحث في المجال الاقتصادي والنقدي كنان ياغي، خلفًا لمأمون حمدان، الذي شهدت الليرة السورية في عهده تدهورًا غير مسبوق، ووصلت إلى مستويات قياسية أمام العملات الأجنبية متأثرة بالعقوبات الأمريكية المتمثلة بقانون “قيصر”، وأزمة المصارف اللبنانية، والصراع الذي حصل بين رجل الأعمال السوري وابن خال الأسد، رامي مخلوف.
وارتفع سعر الصرف، فسجل الدولار الأمريكي 3175 ليرة سورية، كأدنى انخفاض للعملة المحلية أمام الدولار، مطلع حزيران الماضي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى أكثر من الضعف في عام 2019، بنسبة 133% في جميع أنحاء سوريا، وفقًا للمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، وسط عجز حكومة النظام عن ضبطها، ووصول أعداد السوريين الذي يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى 9.3 مليون شخص، بحسب أرقام برنامج الغذاء العالمي.
ثم عادت الليرة لتسجل استقرارًا في قيمتها عند معدل تراوح بين 2320 و2080 ليرة للدولار الواحد خلال آب الماضي، بحسب بيانات موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الليرة والعملات الأجنبية.
وبينما يعاني المواطنون في مختلف المحافظات السورية من أزمة محروقات منذ أشهر وخاصة في مادة البنزين، بسبب العقوبات الاقتصادية على المشتقات النفطية التي تمنع وصولها إلى سوريا، ووقوع معظم وأكبر الآبار النفطية خارج مناطق سيطرة النظام السوري، وسط وعود من الحكومة السابقة بالتغلب على الأزمة، عيّن الأسد بسام رضوان طعمة بدلًا عن علي غانم.
كما عيّن المدير العام لشركة كهرباء درعا منذ عام 2017، ومعاون المدير العام للشركة نفسها بين عامي 2013 و2017، غسان الزامل، بدلًا عن محمد زهير خربوطلي، الذي لم يشهد واقع الكهرباء في عهده تحسنًا، وتشهد العديد من المناطق في سوريا انقطاعًا متواصلًا في التيار الكهربائي، يصل في بعضها إلى ثلاثة أيام.
هل تتجاوز التحديات؟
بعيدًا عن حلول للأزمات الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة التي تعصف بالمواطنين، رتّب الأسد، خلال كلمته أمام الحكومة الجديدة عقب أدائها اليمين الدستورية في 2 من أيلول الحالي، أولويات عملها، بالإصلاح الإداري ومكافحة الفساد في المؤسسات السورية، وإعطاء أولوية للزراعة.
وتتطلع أنظار السوريين إلى الأسماء الجديدة التي سُميت لوزارات تلامس أعمالها أحوالهم الاقتصادية والمعيشية بشكل مباشر، لتتخذ إجراءات وتجد حلولًا تغير من الواقع المعيشي المتردي، أبرزها وزارات المالية والتجارة الداخلية والنفط والكهرباء والصحة.
ووسط مطالب من سوريين للحكومة الجديدة بإيجاد قانون طوارئ اقتصادي وتغيير الواقع السوري الحالي، يرى باحثون سوريون أنه لا دور جديد يذكر للحكومة في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية على معظم مفاصل البلاد.
ويتوقع الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، كرم شعار، أن تستمر الحكومة الجديدة بسياسات سابقتها، لا سيما أن معظم وزراء الحقائب السيادية لم يتغيروا كالدفاع، والداخلية، والخارجية، والاقتصاد، وكذلك رئيس الوزراء.
وتلعب الحكومات دورًا هامشيًا في إدارة البلاد مقارنة بدور الأجهزة الأمنية، بحسب ما قاله شعار لعنب بلدي، الأمر الذي أكده الباحث في مركز “ماري” للدراسات والأبحاث الدكتور بشار نرش، الذي يرى أن “الحكومة القديمة والمُطعمة بأسماء جديدة”، بحسب تعبيره، لا تملك أي آليات لتحسين الواقع المعيشي والاقتصادي للمواطنين.
واعتبر أن النظام يهدف من تشكيلها فقط إلى “خداع الموالين له”، وإسكات الشارع المحتقن بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبالتالي فإن هذه الحكومة لن تختلف أبدًا عن سابقتها، وسيقتصر دورها على تسيير الأعمال من دون أي خطط أو برامج، ريثما يحين موعد الانتخابات الرئاسية في منتصف العام المقبل.
في حديث إلى عنب بلدي، قال الدكتور نرش إن الحكومة الجديدة غير قادرة على تجاوز التحديات العديدة التي يعاني منها المواطنون، فبالنظر إلى التشكيل العددي لها، تتألف من 30 وزيرًا منهم 18 وزيرًا من حكومة عماد خميس الذي أُقيل لأسباب عديدة، منها عدم قدرة حكومته على مواجهة التحديات الاقتصادية والمعيشية، إلى جانب 12 وزيرًا من من الأسماء الجديدة، بينهم وزيرة الثقافة لبانة مشوح، التي كانت في تشكيلة حكومة رياض حجاب والتي أُقيلت أيضًا.
ويتساءل الباحث: “كيف لحكومة أكثر من نصف أعضائها كان مسؤولًا في حكومة اتهمت بالتقصير وعدم القدرة على مواجهة التحديات، أن تتغلب على التقصير بعد تطعيمها بأسماء جديدة لا تختلف عن الأسماء القديمة؟”.
ولا تملك الأسماء الجديدة في الحكومة أي أدوات مغايرة، لأن تشكيل أي حكومة في سوريا منذ الثمانينيات لا يخضع لأي معايير خاصة بالكفاءة والتخصص، بحسب نرش، فآلية التشكيل للحكومات نفسها منذ عقود تقوم على اعتبارات مختلفة، أهمها اعتبارات حزبية ومناطقية وعشائرية.
عقوبات مقبلة
يتوقع الباحث بشار نرش أن تزيد الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطها على النظام السوري، وتوسّع قائمة العقوبات المفروضة على شخصيات جديدة في النظام، في الفترة المقبلة، وتحديدًا قبل موعد الانتخابات الأمريكية التي تجري في 1 من تشرين الثاني المقبل، لأنه بحسب التصريحات الصادرة من مسؤولين في الإدارة الأمريكية، ستعاقب الولايات المتحدة أي شخص أو كيان يقوم بأعمال مع النظام السوري.
وأشار نرش إلى أن رئيس مجلس الوزراء الحالي، حسين عرنوس، كان قد وُضع اسمه على قائمة العقوبات الأوروبية عندما كان وزيرًا للأشغال العامة، وبالتالي من المتوقع أن تشمل القائمة الجديدة من العقوبات أيًا من الأسماء الموجودة في حكومته.
ويفترض نرش أن تأثير العقوبات سيكون “وقعه شديدًا” على آلية عمل الوزراء الجدد، خاصة أن الوضع المعيشي في مناطق سيطرة النظام يتجه لـ”الأسوأ”، وجميع التصريحات التي تخرج من مسؤولي النظام حول توجه الحكومة نحو الاعتماد على الذات لتأمين الاحتياجات الأساسية للسوريين هي “مجرد كلام عام” يفتقد لأي برنامج عملي ولأي مقومات فعلية تجعله قابلًا للتطبيق.
بينما يستبعد الدكتور كرم شعار أن تؤثر العقوبات الغربية على سلوك الوزراء الجدد، لمعرفتهم المسبقة قبل قبول المنصب الوزاري باحتمال فرض عقوبات غربية عليهم.
ويخضع العديد من الوزراء في الحكومات السابقة لعقوبات على الرغم من هامشية دورهم في الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي، إذ يخضع وزيرا الثقافة السابقان محمود الأحمد وعصام خليل لعقوبات أوروبية، بينما لا تزال وزيرة الثقافة الحالية، لبانة مشوح، تخضع لعقوبات أمريكية وأوروبية لدورها في حكومات سابقة، من ضمنها وزارة الثقافة.