نبيل محمد
إعلان مكتوب بخط اليد، ومعلّق على جدار ما، يتضمن مجموعة من البيوت المعروضة للبيع، كل بيت يتم التعريف عنه بمنطقة وجوده، باستثناء بيت واحد تم التعريف عنه بأنه بيت الشاعر نزار قباني. لم يتم التأكد بشكل جلي من مدى صدقية الإعلان، بل قد طاله النفي سريعًا، وفق ما تناقلته وسائل إعلامية سورية، نقلت تصريحًا عن مالك البيت واسمه وفق ما نُشِر “محمد رياض نظام” الذي قال إن الخبر غير صحيح، وإن منزل نزار قباني غير معروض للبيع.
أثار الإعلان مواقف وردود فعل من كثيرين من جمهور الشاعر الراحل، أغلبها قارنت بين ما تقوم به دول متقدمة، أو حتى غير متقدمة، من العناية ببيوتات شعرائها وكتابها ذوي الشهرة، وتحويل ما تركوه إلى متاحف وآثار، وتخليد ذكراهم بشتى الطرق، بينما الحال في سوريا أن بيت أشهر شعرائها في التاريخ الحديث، يعرض على لوحة إعلانية للبيع كأي عقار تجاري.
بيت الشاعر اليوم مملوك لعائلة أخرى، إذ باعت عائلة قباني البيت أواخر ستينيات القرن الماضي، وانتشرت صور جدران باحة المنزل الدمشقي القديم قبل سنوات، مملوءة بصور بشار الأسد وصور أخرى بعضها لقادة ميليشيات، فيما يبدو أن مُلّاكه من مؤيدي “محور المقاومة”، المسؤول عن تدمير عشرات المدن والقرى السورية، بينها بيوت كتاب وشعراء وأطباء ومهندسين وفلاحين وعمال ومختلف المكونات، الذين فقدوا بفقدان بيوتهم أوطانهم وذكرياتهم والأسقف التي تقيهم المطر، فلم يعد للبيت ملاك من عائلة الشاعر، البيت الذي لم يتجه أصلًا النظام السوري أي اتجاه لمعاملته معاملة خاصة، ولعله لو اهتم أصلًا بقضية البيت، لم يكن ليردعه رادع عن هدمه، وتحويله إلى ما شاء سواء باستثماره، أو تمليكه لمقاتل إيراني أو قائد ميليشيا.
إن تحويل بيت نزار قباني إلى متحف، أو حتى مجرد شرائه من قبل وزارة الثقافة أو السياحة، أو حتى من الإدارة السياسية للجيش، والاعتناء به، وترميمه، أو تنظيفه، أو لنقل مجرد كفّ الاستثمار عنه، هو سلوك لا ينتمي نهائيًا لهذه المنظومة، ولعلها عندما بادرت سلوكيات كهذه، بدت المبادرة ممجوجة هلامية غير ذات أثر، فسبق أن اشترت وزارة السياحة في نظام “البعث” بيت جد نزار قباني، رائد المسرح السوري “أبو خليل القباني”، ليتحول إلى ركام ومكب قمامة للعابرين، بعد أن أدركت الوزارة الخطأ الفادح الذي ارتكبته، بممارسة سلوك راقٍ لا ينتمي لهويتها وتاريخها، لتقوم فيما بعد بعرضه للاستثمار السياحي، قبل فترة قريبة. ويمكننا إذ ذاك تخيّل مَن المستثمر الذي يمكن أن يشتري تلك المساحة في دمشق القديمة، وما طبيعة المشروع الاستثماري الذي سيقوم به، سيكون مطعمًا لتحيي به الميليشيات، التي تخرب جدران المدينة القديمة وتدهن الأزقة المتهالكة من قلة العناية بألوانها المقيتة، حفلات انتصاراتها، مثلما تحول جزء كبيرة من مطاعم الشام القديمة إلى هذه الوظيفة.
في سوريا اليوم، آلاف البيوت لاقت مصائر أتعس من مجرد البيع في لوحات إعلانية، لا مكان في تلك البلاد للتباكي على بيت نزار قباني، بل لعل الأفضل له هو أن نراه على لوحة إعلانية معروضًا للبيع، فاستملاكه أو شراؤه من قبل مؤسسات النظام، لن يعني مستقبلًا مشرقًا له، لن يكون متحفًا للشاعر في يوم من الأيام، ولا حتى معرضًا لقوارير العطر التي طالما شبه الشاعر بيت أهله بها. سيكون مصيره سورياليًا بامتياز، بمخططات وذهنية هي خلاصة الفساد والإبداع في التخريب وعشق الجريمة وتغيير معالم البلاد التي يمتلكها حكام سوريا اليوم. ولتكن بيوت الكتاب والشعراء الكبار، في المهجر حيث أنتجت مواهبهم، ووجدوا بيوتًا لا تُخلَع أبوابها بالأحذية العسكرية. ذاك لمن نجا منهم من السجون والمعتقلات وأدوات القتل اليومي التي لا تنضب في دمشق.