جريدة عنب بلدي – العدد 37 – الاحد – 4-11-2012
السلم الأهلي هو نبذ كل أشكال النزاع والتقاتل، أو حتى مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه أو تبريره، أو تكريس ثقافة الكراهية وتحتيم التصادم، أو تحويل الاختلاف إلى أيديولوجيا والتنظير لها ونشرها. ويتلخص السلم الأهلي في العمل على منع الحرب الأهلية في المجتمع. فوجود السلم الأهلي ضمن مجتمع ما هو دليل عافية وقوة، ويدل على قدرة هذا المجتمع أو الكيان على العمل والتقدم والتنمية على عكس المجتمعات التي يسودها التشاحن، والتوترات العرقية والدينية، أو حتى التناقضات الاقتصادية الكبيرة بين مكونات المجتمع وشرائحه.
ينبني السلم الأهلي على قواعد أهمها سحب زمام المبادرة من أيدي الغوغاء والناقمين، وتمكينها عند أهل الخبرة والدراية، واستغلال كل نقاط الالتقاء لدى العناصر المتقاتلة أو المهيئة للنزاع، والعمل وفق مخطط تدريجي على نزع بؤر التوتر والقلاقل وتوفير الأرضية الجامعة.
ففي سوريا ومع تنامي العنف الصادر من قبل النظام واتخاذه لأشكال همجية، وتصاعد نبرة الخطاب الطائفي لدى مؤيديه وقواته، ومقابلة ذلك برد عسكري من قبل كتائب الجيش الحر، وارتداد ذلك كله على المجتمع السوري المكون من فسيفساء قومية ودينية وطائفية، كل ذلك يجعل من الوضع دقيقًا وبحاجة إلى خطاب جمعي نابذ للطائفية والعنصرية والتقوقع.
ورغم أن الوضع الميداني شديد الخطورة، ويتعذر توفير سبل التواصل الفعّال بين كل السوريين، تبرز الأصوات الداعية إلى ترسيخ قيم العيش المشترك التي طالما تميز بها الشعب السوري، بينما يعمل النظام على إذكاء التوترات في خدمة إدامة سطوته على البلاد ومقدراتها. ويقوم جزء مهم من الناشطين على بث الأفكار الجامعة والحيوية من خلال مبادرات كثيرة للسلم الأهلي تنتشر على مجمل الخارطة السورية، لكنها بحاجة إلى تفعيل وتزويد بالخبرات مقرون بتحليل سريع لمعطيات الواقع.
الحل الأمثل للوضع السوري هو أن يبادر السوريون إلى تنظيم أنفسهم ضمن مناطق سكنهم، وأماكن تواجدهم بغية إيجاد مخارج ناجعة لكل التوترات والمشاكل مهما كان مصدرها، ولاسيما ضمن الواقع الذي يُبرز حقيقة أساسية تتمثل في انحسار سلطة النظام وتقهقرها ضمن جميع المناطق حتى تلك التي يعدها موالية له، أو ما زالت تحت سيطرته العسكرية.
يتطلب تطبيق السلم الأهلي تأهيلًا سريعًا لأكبر عدد من الناشطين بغية تنظيم أفكارهم وصقل خبراتهم واكتشاف مصادر القوة والإبداع لديهم، من خلال ورشات عمل أو عبر النقاش المستفيض. كما يتوجب توظيف الإعلام المتاح ووسائل التواصل الإجتماعي في خدمة نشر التوعية، وإلقاء الضوء على قصص واقعية تبرز من خلالها مقومات العيش المشترك والأعمال الإيجابية. كما يجب التركيز على دور الفعاليات الاجتماعية والوجهاء وقادة الرأي وتنبيههم إلى خطورة المرحلة وضرورة القيام بواجباتهم وعدم التأخر عنها، وهذا يقتضي من منظمات المجتمع المدني وهيئات الإعلام المدني تثمين المبادرات الخلاقة، وتوثيقها ورفد هذا الاتجاه بكل الإمكانيات المتاحة.
الميل نحو ابتكار الحلول والطرق الناجعة للقضايا التي تتعلق بمصائر المجتمعات وتعايشها يتطلب إرادةً وعملًا دؤوبًا وسعيًا متواصلًا، وعلى كل شخص أن يرى نفسه مسؤولًا أمام هذا الاستحقاق.