ما دور المالكين في المناطق الخاضعة للتنظيم العمراني
تُعتبر القوانين العمرانية وليدة ردود فعل التجمعات والحوادث والكوارث، وهي تهدف إلى مواكبة تطور التجمعات البشرية، وخلق الظروف الجيدة لعيش الأفراد، وتقديم أفضل الخدمات لهم بما يتلاءم مع المصلحة العامة، ويراعي خصوصية السكان.
والمصلحة العامة لا تعدو كونها مجموع مصالح الأفراد، فلا يمكن الفصل فيما بينها أو اعتبارها نقيضًا لمصالحهم، إذ تقوم الجهات الإدارية نيابة عن المالكين ولحسابهم بوضع المخططات التنظيمية، والقيام بكل الأعمال التي يتطلبها التنظيم أو التوسع العمراني، ولا يجوز لهذه القوانين أن تغفل رأي ودور المالكين في هذه التنظيمات.
ونجد أن نية المشرع في “القانون المدني السوري” قد اتجهت إلى تأكيد أهمية دور المالكين في تشييد وتنظيم وتوزيع الملكيات الشائعة فيما بينهم، وورد ذلك بنص المادة (817) التي تضمنت ما يلي:
- حيثما وُجدت ملكية مشتركة لعقار مقسّم إلى طبقات أو شقق، جاز للملاك أن يكونوا اتحادًا فيما بينهم.
- ويجوز أن يكون الغرض من تكوين الاتحاد بناء العقارات أو شراءها لتوزيع ملكية أجزائها على أعضائها.
تشير هذه المادة في نصها إلى أهمية اتحاد الملاك فيما بينهم بما يخص أي ملكية شائعة، فالتجمعات السكانية في جوهرها تحقق تكافلًا بين الأفراد، ولا يمكننا إغفال أهمية مشاركة المالكين في التنظيم والتقسيم لملكياتهم الشائعة، وهم الأكثر دراية بخصوصية مناطقهم، ويؤدي تمثيلهم في هذا الأمر إلى تخفيف الظلم الواقع على الفرد كفرد، وعلى الأفراد عامة ككيان اجتماعي ذي خصوصية ثقافية وفكرية.
وعلى الرغم من أن هذه المادة تشير إلى حالة الشيوع الضيقة والخارجة عن تدخل الإدارة فيها، فإنها تُبين ما للملكية الشائعة من خصوصية تُجيز تشكيل الاتحادات لتنظيمها، وقد نظم القانون المدني طريقة تشكيل هذا الاتحاد وطريقة إدارته، ويجب ألا تغفل هذه المادة من قبل المشرّع عند وضع قوانين التنظيم العمراني، التي تقوم بتحويل مناطق كاملة إلى ملكيات شائعة بهدف إعادة تنظيمها وتقسيمها على أصحاب الحقوق فيها وفق حصصهم السهمية، فالمال الشائع يحتاج إلى إدارة، وخير إدارة له تشكيل هذا الاتحاد كونه يتمتع بالشخصية الاعتبارية وأهلية التعاقد والتقاضي أمام القضاء.
غير أن جميع القوانين المتلاحقة التي صدرت، سواء القانون (23) لعام 2015 “الخاص بتنفيذ التخطيط وعمران المدن”، أو المرسوم (66) لعام 2012 “القاضي بإحداث منطقتين تنظيميتين واقعتين ضمن المصوّر العام لمدينة دمشق”، أو القانون (10) لعام 2018 “القاضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية بتكليف من وزارة الإدارة المحلية”، أغفلت دور المالكين ورأيهم في تقسيم الملكيات الشائعة، وهو ما قد يجعل من هذه القوانين أداة لتعسف الإدارة في استعمال حقها، طالما أنه لا رقيب عليها من أصحاب الحقوق في عملية التخطيط، وما سينتج عن هذا الإغفال من هدر لحقوق الملاك، وخلق مصالح متعارضة فيما بينهم.
وإن حق الاعتراض على المخططات التنظيمية الذي منحه القانون للمالكين ليس ذا أثر، فغالبًا ما يكون النظر في الاعتراضات الفردية المقدمة من المالكين شكليًا، لا يبحث بشكل جدي بمحتواها والضرر اللاحق بمقدميها خشية الاضطرار لإعادة التخطيط مجددًا، حتى وإن كانت هذه الاعتراضات فيها من الوجاهة ما يستوجب قبولها، إضافة إلى أن هذه الاعتراضات الفردية لا تشكل قوة ضاغطة في وجه الإدارة، لذلك يُعتبر وجود ممثلين عن المالكين منذ البداية مهمًا جدًا في تخفيف الضرر اللاحق بهم إلى أكبر قدر ممكن وتحقيق المصلحة العامة بذات الوقت.
وطالما أن لجان التقدير البدائية التي نصت على تشكيلها هذه القوانين، تضمنت في عضويتها ممثلين عن الملاك من أجل تقدير التعويضات المالية، فمن باب أولى أن تكون اللجان الإقليمية المكلفة بوضع مخططات المناطق التنظيمية متضمنة ممثلين عن أصحاب العقارات المستهدفة، وذلك لحفظ مصالحهم بما لا يتعارض مع الغاية الأساسية من التنظيمات.
وطالما أن حق الملكية مصون في الدستور والقانون، فيجب أن يتضمن أي قانون أو تنظيم يتعلق بالملكيات الخاصة، وقد يؤثر عليها أو ينتقص منها، تمثيلًا لأصحاب الأملاك في هذه المنطقة ابتداء من وضع المخططات وحتى تقرير الغاية من التنظيم، فالغاية الأساسية هي الحرص على هذه الأملاك، وليس تعريضها للخطر، ويجب على الدولة أن تحرص على هذا التكافل بين الأفراد.
ويمكن أن نلاحظ ما قد تنتجه اتحادات كهذه إذا ما قاربناها بما قام به أهالي مخيم “اليرموك” للوقوف بوجه المخطط التنظيمي للمخيم، إذ لاقى هذا المخطط الذي أصدرته محافظة دمشق ردود فعل ورفضًا من قبل فلسطينيي سوريا، وسط دعوات من منظمات حقوقية فلسطينية لمحافظة دمشق للتراجع عنه، كونه يعتبر تغييرًا كاملًا لملامح المخيم، كما قدم أهالي المخيم أكثر من عشرة آلاف اعتراض على المخطط التنظيمي، وفق حالة تنظيمية أحدثت تأثيرًا كبيرًا قد يؤدي إلى تغيير في المخطط لمصلحة مجموع السكان، مبرزة بذلك دور المجتمع المدني كقوة ضاغطة مهمتها الرقابة على أعمال السلطة ومناصرة قضايا المجتمعات المحلية، وإن اتحادات الملاك التي أغفلتها القوانين العمرانية ولم تعرها اهتمامًا، هي صوت السكان ورؤيتهم لما هو أفضل لإدارة أموالهم الشائعة، وهي الضامن الأكبر لمصالحهم كونها تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وتملك حق التقاضي أمام المحاكم، وهي محمية بالقانون.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :