حوار: أسامة آغي
تتداخل الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية بين سوريا ولبنان، نتيجة العوامل التاريخية والجغرافية بين البلدين منذ بداية القرن الـ20، وقبل انفصالهما وإقامة الحدود بينهما في عام 1920.
كما أنه نتيجة هيمنة النظام السوري على لبنان بعد دخوله في الحرب الأهلية اللبنانية، وتحكمه بمفاصل البلد السياسية، لا يمكن فصل الاستقرار في كلا البلدين عن بعضهما، وهذا ما دفع عنب بلدي إلى محاولة الإضاءة على هذا الترابط الجدلي، عبر لقاء أجرته مع المحلل الاستراتيجي المتخصص بالسياسة الخارجية الأمريكية، والباحث في الاستراتيجية العسكرية لجيوش الشرق الأدنى، الدكتور خالد ممتاز.
محورا الصراع في لبنان
يعيش لبنان منذ نهاية عام 2019 أوضاعًا سياسية واقتصادية صعبة، أدت إلى تفجر مظاهرات شعبية عُرفت بـ”ثورة 17 تشرين“، تبعتها استقالة الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، ثم توافقت القوى السياسية على تسمية حسان دياب رئيسًا للوزراء.
وبعد انفجار مرفأ بيروت، في 4 من آب الماضي، والدمار الهائل الذي لحق بالعاصمة بيروت، استقالت الحكومة اللبنانية نهاية الشهر نفسه.
ويعتقد الدكتور خالد ممتاز في حديثه لعنب بلدي، أن الوضع في لبنان ذاهب باتجاه “التدهور الأسرع والأكبر” لسببين، الأول هو أن الطبقة السياسية اللبنانية منفصلة عن الأرض والواقع، وتتصرف على أساس أن لا ثورة حصلت في لبنان، وأن الكتل النيابية التي تمتلكها هي التي تمثل فعليًا الشعب.
والسبب الثاني هو “الصراع المستفحل في المنطقة ما بين محور الولايات المتحدة ومحور إيران”.
وأعلنت كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات عن عزمهما إخراج إيران من سوريا، كما قصفت إسرائيل أهدافًا داخل مناطق يسيطر عليها النظام السوري وتوجد فيها قوات إيرانية.
كما سبق أن ذكر وزير الاستخبارات الإيراني السابق، حيدر مصلحي، في عام 2015، أن طهران تسيطر على أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت والعاصمة اليمنية صنعاء.
ويعتقد ممتاز أن “الأمور لا تبدو أنها ستنجلي في وقت قريب، بل ستذهب باتجاه التصعيد أكثر، وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية”، معربًا عن مخاوفه من انفجار في المنطقة، سينعكس بشكلٍ مباشر على لبنان، مضيفًا، “ربما يصل الأمر إلى حرب حقيقية على الأرض بين المحورين، أو حرب بين حزب الله وإسرائيل”.
وشهدت الحدود الجنوبية للبنان توترات متقطعة منذ تموز الماضي، واتهمت إسرائيل “حزب الله” بتسلل عناصره لتنفيذ عمليات ضدها، وهو ما نفاه أمينه العام، حسن نصر الله، الذي أسقط حزبه طائرة مسيّرة (درون) إسرائيلية، في آب الماضي.
كما ألقت إسرائيل، في 26 من الشهر نفسه، 30 قنبلة ضوئية على قرى حدودية لبنانية، بعدما صرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر “تويتر” بأن الجيش يتعامل مع “حادث أمني”.
عجز اتفاق الطائف
شهد عام 1975 حربًا أهلية لبنانية استمرت 15 عامًا، وتدخلت فيها أطراف إقليمية ودولية، وما زالت آثارها على السياسة والاقتصاد في لبنان مستمرة حتى اليوم.
وحصلت سوريا في أثناء الحرب الأهلية على تفويض من الجامعة العربية للتدخل في الحرب الأهلية اللبنانية، عبر ما أطلق عليه “قوات الردع” في عام 1976، واستمر الجيش السوري في لبنان حتى عام 2005.
وفي عام 1989، أُعلن عن اتفاق “الطائف“، الذي حدد شكل لبنان بعد الحرب الأهلية سياسيًا واقتصاديًا.
ويصف الدكتور خالد ممتاز، الباحث في شؤون جيوش الشرق الأدنى، العلاقة بين سوريا ولبنان بأنها “علاقة تاريخية وجغرافية وعائلية”، رابطًا استقرار لبنان باستقرار سوريا.
وباعتقاد ممتاز، “لن يستقر لبنان إلا بعد استقرار سوريا، وتغير النظام فيها”، مضيفًا، “تغير النظام يعني ذهابه إلى نظام ديمقراطي حقيقي”.
كما يعتقد ممتاز أن التأثير السوري على لبنان هو تأثير مباشر، لكنه يرى في اتفاق الطائف أنه “لم يعد قادرًا على إدارة الأزمة في لبنان”، معتبرًا أنه “لم يكن نظامًا للاستقرار”.
وشرح ممتاز فهمه لاتفاق “الطائف”، الموقّع عام 1989 في مدينة الطائف السعودية، بقوله “وُضع هذا الاتفاق لتنفيذ مهمتين، الأولى هي إيقاف الحرب اللبنانية، والثانية هي إدارة الخلاف بين مختلف المكونات اللبنانية والصراعات الإقليمية”، مشيرًا إلى أن كل المكونات السياسية والدينية كانت مرتاحة لهذا الاتفاق في حينه.
ويرى أن هذا الاتفاق استطاع “تحييد لبنان منذ التصديق عليه وحتى عام 2005، مع اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري”.
ويعتقد ممتاز أنه بات من الضروري تطوير نظام “الطائف” و”الذهاب به إلى نظام ديمقراطي تعددي بشكل مختلف”.
مسؤولية “حزب الله” عن قتل الحريري
بعد 15 عامًا من اغتيال رفيق الحريري في العاصمة اللبنانية بيروت، عبر تفجير ضخم استهدف موكبه، وأدى إلى مقتل الحريري ومرافقه و20 شخصًا، وإصابة 226 شخصًا، أعلنت المحكمة الدولي، في 18 من آب الماضي، حكمها النهائي في القضية.
وأدانت المحكمة الدولية المسؤول في “حزب الله” سليم عياش، بالتهم الموجهة إليه ومسؤوليته عن عملية الاغتيال.
وقالت المحكمة، “الأدلة تثبت ضلوع سليم عياش في عملية اغتيال الحريري عمدًا وعن سابق إصرار”، مؤكدة أن “عياش مذنب في كل التهم الموجهة إليه”.
وعن رأيه بقرار المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الحريري، قال الدكتور خالد ممتاز لعنب بلدي، “لا شك أن تجريم أحد القياديين في حزب الله باغتيال الرئيس الحريري من قبل المحكمة الدولية يثبت مسؤولية سياسية وقانونية ومعنوية، لأن حزب الله هو حزب حديدي، والقرارات فيه لا تتخذ مباشرة إلا من قبل قيادته”، وهذا كلام ورد على لسان أمين عام هذا الحزب، حسن نصر الله.
ويرى ممتاز أن هناك مسؤولية كبيرة، وإدانة حقيقية للحزب وللنظام السوري، معتبرًا أن المحكمة الدولية “لا يمكنها أن تحكم على أي شخص إلا بأدلة دامغة وراسخة، غير قابلة للتأويل”، لذلك لم نرَ إلا إدانة شخص واحد، إذ إن الأدلة كانت واضحة غير قابلة للجدل، وتثبت بأنه كان أحد المشاركين.
ونفت المحكمة في يوم صدور الحكم النهائي أي علاقة للنظام السوري باغتيال الحريري، معتبرة أنه “لا يوجد دليل مباشر على ضلوعه في الجريمة”.
تغيرات سياسية استراتيجية
أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في عام 2018، عن نيته سحب قواته من سوريا، معتبرًا أن جنوده وُجدوا لإنهاء تنظيم “الدولة الإسلامية” فقط، لكن تصريحات الرئيس الأمريكي لم تترجم على أرض الواقع بشكل كامل، وخاصة في المناطق المحيطة بالحقول النفطية.
وتوجد قوات أمريكية في منطقة شرق الفرات، الواقعة تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتسيّر دوريات عسكرية مع القوات الروسية.
ويرى الدكتور خالد ممتاز، المتخصص بالسياسة الخارجية الأمريكية، أن الصراع المسلح في سوريا “لم يصل إلى ختامه، بل اتخذ منحى آخر، وأعطى فرصة أكبر للدبلوماسية”، معتبرًا أن سوريا لم تعد أولوية للولايات المتحدة في الوقت الحالي.
–