تصارع القوى يسرع الأحداث في شمال شرقي سوريا

  • 2020/08/30
  • 1:07 ص

جنود أمريكيون في سوريا (رويترز)

عنب بلدي – علي درويش

شهد الأسبوع الماضي أحداثًا متسارعة شمال شرقي سوريا، بعد صدام أمريكي- روسي، واستهداف متكرر لميليشيا “الدفاع الوطني”، ما أدى إلى مقتل قياديين من الميليشيا وضابط روسي برتبة لواء.

وتوجد في منطقة شمال شرقي سوريا عدة قوى، وبينما تجمع بعضها تحالفات، تشهد صراعات واضحة على النفوذ تعكس تبدل الأوضاع السياسية.

فروسيا وتركيا حليفان بدورياتهما المشتركة بعد اتفاق “سوتشي”، الموقّع بين رئيسي البلدين، في 22 من تشرين الثاني 2019، والذي أنهى عملية “نبع السلام”، التي أطلقها الجيش التركي و”الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، في 9 من تشرين الأول 2019.

بينما تتصارع واشنطن وموسكو، بشكل مباشر أحيانًا، وبوكلائهما المحليين غالبًا، الممثلين بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكيًا، والنظام السوري المدعوم روسيًا.

وتعتبر تركيا “قسد” منظمة “إرهابية”، وتوجد اشتباكات متكررة بين الجانبين، في وقت تنشط أيضًا خلايا لتنظيم “الدولة الإسلامية”، التي تعتبر جميع القوى هدفًا لها.

استهداف للروس والنظام.. التنظيم ليس الوحيد

تبنى تنظيم “الدولة الإسلامية” استهداف الضابط الروسي الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ بعبوة ناسفة، في 18 من آب الحالي، أدت إلى مقتله وإصابة ثلاثة جنود روس.

كما قُتل في الانفجار قائد قوات “الدفاع الوطني” في الميادين، محمد تيسير الظاهر، مع أربعة من عناصره.

وفي 28 من آب الحالي، قُتل قائد القطاع الغربي في ميليشيا “الدفاع الوطني” بريف دير الزور، نزار الخرفان، بعد وقوع مجموعته بكمين نصبة مجهولون في ريف دير الزور.

ويُعتبر الضابط الروسي من أرفع الرتب الروسية التي خسرتها موسكو في الأشهر الأخيرة في سوريا.

ورغم غياب معلومات دقيقية حول هوية من زرع العبوة الناسفة في المنطقة، وتفاصيل وجود الدورية الروسية في مكان الانفجار بشكل دقيق، يعكس الاستهداف ارتفاع وتيرة عمليات تنظيم “الدولة” في المنطقة، حسب حديث الباحث في مركز “عمران للدراسات” بدر ملا رشيد، لعنب بلدي.

لكن لا يمكن نسب جميع حالات الاستهداف في محافظة دير الزور، وبالأخص في ريف المدينة، لتنظيم “الدولة”.

فهناك تنافس دولي في المنطقة له عدة أشكال، من بينها حلفاء النظام أنفسهم، إيران وروسيا، على زيادة النفوذ في ريف دير الزور. كما أن قوات النظام في المنطقة ليست تشكيلًا عسكريًا منظمًا، بل عبارة عن مجموعات عسكرية “ميليشاوية” تختلف أهدافها ومصالحها، إضافة إلى وجود قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة” على الضفة الشرقية من نهر “الفرات”.

وتنتقل التنظيمات “المتطرفة” إلى حرب العصابات في حال إنهاء سيطرتها على المناطق الحضرية، وتتبنى عمليات استهداف نوعية أو مشتتة لإنهاء حالة الاستقرار والأمن للطرف الآخر، حسب الباحث بدر ملا رشيد.

وسمحت الطبيعة الجغرافية، واختلاف أطراف السيطرة على ضفتي نهر “الفرات”، بوجود ثغرة أمنية كبيرة استغلها عناصر التنظيم للتنقل، أو الاستفادة من حالة الخلافات المحلية بين العشائر، وضعف التنسيق والتنافس بين التحالف الدولي من جهة، وموسكو وإيرن من جهة أخرى.

بينما يبقى عامل انهيار “الدولة السورية” ومنظومتها العسكرية والأمنية، وتحولها إلى حالة “ميليشاوية” بالكامل من أهم عوامل السماح للتنظيمات “المتطرفة” بالعودة للظهور، حسب الباحث بدر ملا رشيد.

وهذا ما تشير إليه العملية الروسية التي أطلقتها في البادية السورية تحت اسم “الصحراء البيضاء”، إبان قتل الضابط الروسي، في المنطقة الممتدة من شرق حمص حتى نهر “الفرات”، وهي منطقة واسعة جغرافيًا، ويصعب تغطيتها كاملة في ظل قيادة روسية لها، عبر مجموعات قتالية متفرقة من قوات النظام.

صدام روسي- أمريكي لأسباب سياسية- عسكرية

في 24 من آب الحالي، أدى اصطدام دورية روسية في شمال شرقي الحسكة بعربة أمريكية إلى مناوشة بين الطرفين، انتهت بعد مناورة حوامة روسية على ارتفاع أمتار من فوق الحاجز الأمريكي، كتكتيك يشاع استخدامه عسكريًا لتفريق الأفراد على الأرض.

وأسفرت الحادثة عن إصابة عدد من الجنود الأمريكيين بارتجاج في الدماغ، بحسب ما قاله مصدر لم يذكر اسمه في “البنتاغون”، لوكالة “رويترز“.

وفسر الباحث بدر ملا رشيد الصدام بين الدوريتين من زاويتين، الأولى بسبب وجود عوامل سياسية، ومنها التصريحات التي صدرت مؤخراً من مسؤولين أمريكيين يديرون الملف السوري، في أثناء وجودهم في تركيا بوقوفهم إلى جانب أنقرة في إدلب، كالمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، ومبعوث وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالشؤون السورية، جويل ريبورن، وما تم تداوله من خلاف في أثناء لقاء الأخير مع “الائتلاف الوطني السوري” بأن سياسة واشنطن في سوريا موجهة ضد بشار الأسد، وانتقاده عداء المعارضة لـ”قسد”.

إضافة إلى انخراط واشنطن في حوارات مكثفة بين الأطراف الكُردية وبقية مكونات المنطقة، مع البدء بتفعيل قانون العقوبات الأمريكي “قيصر”، والسماح لـ”قسد” بالتعاقد مع شركة أمريكية لاستقدام مصفاتي نفط إلى مناطق سيطرتها.

والزاوية الثانية محاولات التوسع العسكري الروسية في المنطقة، لإتمام مكاسبها عقب عملية “نبع السلام”، إذ سمح لها الاتفاق مع تركيا، في 22 من تشرين الثاني 2019، بالدخول إلى شرق الفرات لأول مرة منذ سنوات.

وترغب روسيا بالوصول إلى حقول النفط والتمركز في المنطقة أكثر، وإلى معبر تل “كوجر- اليعربية”، وهو المعبر الذي “أسقطته” من نقاط الوصول الإنساني في الأمم المتحدة.

بين الطرفين.. تنسيق أم فض نزاع؟

يتفق الروس والأمريكيون على كيفية تنسيق وجودهما في المنطقة، وهو ما صرحت به رئاسة الأركان الروسية، عندما أشارت إلى أن الجانب الأمريكي أخل بالاتفاق بين الطرفين، دون ذكر تفاصيل عن ماهية هذا الاتفاق، كما حدث اتصال بين رئاستي أركان البلدين، ولم يجرِ الإفصاح عما جرى خلاله أيضًا.

لذا يبدو، حسب الباحث بدر ملا رشيد، أن الطرفين سيستمران في محاولات التضييق المتبادل، مع الحذر أكثر من التسبب بأي إصابات جديدة.

وقد تستغل موسكو أجواء الانتخابات الأمريكية، وتزيد من ضغطها على الجنود الأمريكيين في المنطقة، في محاولة لدفع قيادتهم لسحبهم من المنطقة، في واقع يفتخر فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأنه يعيد القوات الأمريكية إلى البلاد، وأنه ليس مستعدًا لخسارة جنود أمريكيين في الخارج، وهو موقف تحاول وزارة الدفاع الأمريكية إضعافه والتقليل من تأثير ترامب فيه قدر الإمكان، حسب الباحث.

لكن الطرفين لم يتفقا على تسمية واحدة تؤطر آلية تواصل القوات العسكرية للبلدين على الأراضي السورية، لمنع أي تصادم، أو في حال حدوث أي إشكال أو اعتراض بينهما.

إذ صعّدت الولايات المتحدة من حدة وصفها لوجود القوتين العسكريتين الأبرز عالميًا بتسميتها الآلية بـ”فض النزاع”، ما يشير إلى عدم رضا الأمريكيين عن وجود الروس بالقرب من مناطق سيطرتهم خاصة في مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط.

وتمثل ذلك في طريقة تعامل الدوريات العسكرية الأمريكية عبر اعتراض نظيرتها الروسية عدة مرات منذ بداية العام الحالي.

وأدى اعتراض الدوريات الأمريكية لنظيرتها الروسية في بعض الأحيان إلى مناوشات واحتكاك بين الطرفين لم يسفر عن أي حالات قتل أو إصابات.

لكن الأمر تطور في بعض الحالات إلى إغلاق الروس الطريق أمام الدوريات الأمريكية، كما تطور الخلاف إلى استعراض قوى عبر سلاح الطيران.

أما الطرف الروسي فاعتبر الأمر تنسيقًا بين القوات الروسية والأمريكية، وهو ما انعكس عمليًا على الأرض، إذ لم تسجل أي حالة اعتراض للقوات الأمريكية بادر بها الروس.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، إن الولايات المتحدة لا تريد تسميتها “عمليات تنسيق” بل “آلية فض نزاع” لأسباب سياسية، حسب وكالة “سبوتنيك“.

وعملت روسيا على إنشاء خط ساخن للتواصل بين قواتها العسكرية، وبقية الأطراف الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية، منذ إعلانها عن بدء العمليات العسكرية في سوريا إلى جانب قوات النظام أواخر أيلول 2015.

وفي بداية تشرين الأول 2015، اقتربت طائرة حربية تابعة للجيش الروسي إلى مسافة كيلومترات قليلة من طائرة حربية أمريكية في الأجواء السورية فوق مدينة حلب، كادت أن تؤدي إلى تصادم بين الطائرتين.

وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في 20 من تشرين الأول 2015، أن الولايات المتحدة وروسيا وقعتا مذكرة تفاهم تتضمن عددًا من القواعد والقيود الرامية إلى تجنب حوادث اصطدام بين الطائرات الروسية والأمريكية في الأجواء السورية، دون ذكر بقية التفاصيل.

وتبلورت عملية التواصل عبر إجراء خط ساخن بين القوتين العسكريتين لمنع حدوث أي تصادم عسكري.

في حين وصف قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جوزيف فوتيل، اتفاق تجنب وقوع الصدام مع الروس، بأنه “ليس تعاونًا ولا تنسيقًا”.

مقالات متعلقة

  1. المبعوث الأمريكي إلى سوريا يستبعد عملية تركية جديدة
  2. مستويات ضغط روسية على "قسد" تقابلها مقاومة بدعم أمريكي
  3. روسيا تروّج لنفسها حامية لتجارة شرق الفرات (فيديو)
  4. قوات أمريكية جديدة في شرق سوريا.. لمواجهة روسيا والتنظيم

دولي

المزيد من دولي